
أسامة سلامة
درس «فيدرير»
اعتلى السويسرى روجر فيدرير صدارة الترتيب العالمى للاعبى التنس، محققًا إنجازًا من الصعب تكراره، لم يحدث فى تاريخ اللعبة البيضاء أن تصدر لاعب عمره 37 عامًا قائمة اللاعبين المحترفين، وهو أمر لم يكن يتوقعه أحد من المهتمين بهذه اللعبة، ولكن فيدرير فعلها وأضاف إلى إنجازاته إعجازًا جديدًا.
فى العام الماضى فاز فيدرير ببطولتى أستراليا وويمبلدون، فقال عنه المهتمون بالرياضة أنه يكتب تاريخًا جديدًا فى عالم الكرة البيضاء بعد أن أصبح وقتها أكبر الفائزين سنًا باثنتين من البطولات الأربع الكبرى فى مسابقات التنس، وكان -حينئذ- يقترب من عامه السادسة والثلاثين، وهى سن كبيرة للغاية بالنسبة للاعبى هذه الرياضة المرهقة، والتى تحتاج ممارستها إلى لياقة بدنية كبيرة بجانب المهارة الفنية، وفى العام الحالى عاد وفاز ببطولة أستراليا إحدى بطولات التنس الكبرى الأربع، فقالت عنه وسائل الإعلام إنه إعجاز خارق، ولكن عندما وصل إلى قمة الترتيب العالمى لم يستطع أحد أن يجد الوصف المناسب للحدث.
إنجازات فيدرير كثيرة، فهو أكثر اللاعبين فوزًا بالبطولات الكبرى والتى وصلت إلى 20 بطولة، أيضًا هو الوحيد الذى استطاع أن يكون ضمن المصنفين العشرة الأوائل فى اللعبة على مدى 16 عامًا، وهو زمن طويل فى لعبة التنس، المدهش أنه اللاعب الوحيد الذى استطاع أن يعود مرة أخرى إلى قمة الترتيب العالمى بعد مرور 10 سنوات على تركه هذه الصدارة، حيث كانت المرة الأولى التى وصل فيها إلى القمة عام 2004 واستمر على رأس القائمة حتى عام 2008.
انتصارات فيدرير وأخلاقه جعلته معشوق جماهير التنس، والتى تتابعه فى كل المسابقات التى يشارك فيها وكل منافسيه يعرفون أن معظم المشاهدين فى المدرجات وأمام شاشات التليفزيون يشجعونه، ولكن فيدرير لم يكتف بالشهرة واستخدم جزءًا كبيرًا من أمواله التى يكسبها من البطولات فى الأعمال الخيرية فى الدول الفقيرة فى العالم ومساعدة المنكوبين فى معظم الكوارث البيئية.
ما حققه فيدرير منذ أيام معجزة بكل المقاييس، ويزيد منها أنها مازالت مستمرة، فهو قادر على تحقيق انتصارات أخرى فى المستقبل، ولكن كيف فعلها فيدرير؟ الهدف الواضح والمحدد والتخطيط الجيد والإصرار هى الأسس التى ارتكز عليها ملك التنس المتوج فى تحقيق إعجازه، منذ طفولته تعلق بالتنس وفى بداياته قال لأسرته وزملائه ومدربه سأكون الأول على العالم، وبالتدريب الجاد أصبح ضمن العشرة الأوائل فى عام 2002، وبعدها بعامين أصبح المصنف الأول عالميا واستمر متربعًا على عرش التنس أكثر من 302 أسبوع وهى أطول مدة يقضيها لاعب فى هذا الترتيب، كما أن عزيمته أهلته للاستمرار ضمن المصنفين العشرة الأوائل حتى الآن رغم كبر سنه، وفى كل عام فى السنوات الأخيرة يتوقع المراقبون للعبة تراجع مستواه واعتزاله اللعب خاصة بعد الإصابة التى لحقت به العام قبل الماضى وأبعدته عن الملاعب 6 شهور كاملة، ولكنه خالف كل هذه التوقعات وعاد بقوة، فى العام الماضى استعان بإرادته القوية وتصميمه لتحقيق الفوز فى بطولة أستراليا، وبالتخطيط الجيد تمكن من الانتصار فى بطولة ويمبلدون دون أن يخسر شوطًا واحدًا وهو أمر نادر التكرار فى مثل هذه البطولات الكبرى، ثم عاد هذا العام وكرر إنجازاته وفاز ببطولة أستراليا للمرة الثانية على التوالى، ثم بطولة روتردام التى صعد بعدها إلى صدارة الترتيب العالمى.
فيدرير الذى ضرب المثل فى الإصرار والعزيمة هو نفسه مضرب المثل فى تقديم الدعم للفقراء والمحتاجين وهى رسالة أخرى للرياضيين عن دورهم الاجتماعى، أسطورة التنس وأيقونة الرياضة لم يحقق معجزته صدفة، ولكن بالتخطيط والجدية والعزيمة، وهو ما نحتاجه فى كل المجالات إذا أردنا النجاح، فهل نعى درس فيدرير؟.