
أسامة سلامة
25 يناير
عندما هتف المتظاهرون: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية، لم يكن ذلك مؤامرة، ولكنها كانت صرخة احتجاج ضد الفقر والدكتاتورية وغياب العدالة الاجتماعية، وتعبيرًا عن مطالب ملحّة للشعب الذى كان يعانى من انتهاك حقوقه السياسية والاجتماعية، كان عدد الفقراء يتزايد فى مقابل عدد قليل من الأغنياء يزدادون ثراء.
ورغم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى، فإن المواطن البسيط لم يشعر به ولم يستفد منه؛ إذ ذهب معظمه لصالح رجال الأعمال، وكان التزاوج بين رأس المال والسلطة قد بلغ الذروة، وتم استغلاله للمصالح الخاصة وعلى حساب الدولة.. وهو ما يتضح من الأموال التى دفعها بعض الكبار- فيما بعد - للتصالح فى قضايا الفساد.
أما التعذيب وتلفيق القضايا فقد قام به نفر من الضباط فى أقسام الشرطة، ويشهد على ذلك تقارير منظمات حقوق الإنسان والعديد من الحوادث مثل قضية «خالد سعيد».
كما كان من الصعب الحصول على عمل حقيقى أو وظيفة مميزة من دون واسطة، وهو ما جعل أبناء الطبقة الوسطى يشعرون باليأس التام من وجود مستقبل واعد لهم، أو تحسن أحوالهم.. ولهذا لجأ عدد غير قليل من الشباب للمقامرة بحياتهم وطرق أبواب الهجرة غير المشروعة، وغرق الكثير منهم فى أمواج البحر المتوسط.
ومن نجوا، فقد ضاع معظمهم فى شوارع إيطاليا، وغيرها من الدول الأوروبية!
كان الجمود وانسداد الشرايين قد أصاب قلب الحياة السياسية، الذى كاد أن يتوقف، وظهر ذلك واضحًا فى انتخابات مجلس الشعب عام 2010 التى تم تزويرها.. واعترف بهذه الجريمة عدد من قيادات الحزب الوطنى فيما بعد، وتملصوا منها.. وقال بعضهم إنهم حذروا من خطورة الوضع واعترضوا على التزوير وإغلاق المجال أمام المعارضة.. وهى بالمناسبة واحدة من الجرائم التى لم يتم التحقيق فيها ومحاكمة المتورطين فيها، رغم أن القانون يجرم تزوير الانتخابات ويعاقب مرتكبها.
وهذا الجمود انعكست آثاره - حتى الآن - بعد أن تاهت النخبة وتخبطت ولم يعد فى استطاعتها تكوين أحزاب سياسية حقيقية.
كان الوضع بائسًا، واليأس من الإصلاح يحتل المشهد، مواطنون احترقوا فى حادث القطار الشهير، وآخرون غرقوا فى حادث العبَّارة المعروف، ومن لم يمت حرقًا أو غرقًا من المواطنين مات بالأورام السرطانية، بعد أن أصبحنا من أكبر الدول فى الإصابة بها!
كما كان «فيروس سي» فى مصر على رأس القائمة الدولية، وأصبحت جامعتنا خارج تصنيف أفضل 500 جامعة فى العالم، وأنتج التعليم ما قبل الجامعى أميين لا يجيدون القراءة والكتابة.
وتغلغل الفساد فى المجتمع كله - من أدناه إلى أعلاه - وهو ما ندفع ثمنه منذ سنوات، ويكفى أن نتابع ما تقوم به الرقابة الإدارية الآن فى كشف جرائم الفساد، التى تورط فيها وزراء ومحافظون ووكلاء وزراء ورؤساء أحياء وكبار وصغار الموظفين؛ لكى نعرف ماذا فعل نظام ما قبل 25 يناير بالمجتمع؟.. وكيف أفسده؟
كان الأقباط يعانون من مشاكل كثيرة، ولأول مرة خرجت مظاهراتهم خارج جدران وأسوار الكنائس إلى الشوارع، وبلغت ذروة المأساة بحادث كنيسة القديسين فى يناير 2011.. كان البلد يعانى من تدهور فى كل المجالات، (السياسية والاقتصادية والاجتماعية).. وهو ما ندفع ثمنه حتى الآن.
ولكل ما سبق.. فإن على من يصف ثورة يناير بالمؤامرة ولمن يترحم على أيام مبارك، أن يستعيد كيف كنا وقتها؟ وكيف نعانى الآن من سياسات النظام الأسبق ونحاول معالجة سلبياتها الكثيرة؟ لقد ثار الشباب الذين حلموا بحياة سعيدة وبمستقبل أفضل لهم وللبلد، ولم يكن ذنبهم أن هناك من سرق ثورتهم وأن هناك من ساعد اللصوص على ذلك، وبالقطع لا يمكن أن يُحاكم أحد على حلمه.>