الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
تمثال عبد الناصر

تمثال عبد الناصر


خلال زيارته لمجلس الأمة المصرى - مجلس النواب حاليا - من أجل حلف اليمين الدستورية لاستكمال إجراءات توليه رئاسة الجمهورية، انحنى الرئيس السادات أمام تمثال «عبدالناصر» الموجود فى بهو المجلس، وكانت هى الصورة الأبرز وقتها، وفى نفس التوقيت تقريبا كتب الكاتب الكبير توفيق الحكيم مقالا فى الأهرام دعا فيه لاكتتاب شعبى من أجل عمل تمثال لـ«عبدالناصر» بالحجم الطبيعى يتم وضعه فى ميدان التحرير، وبدأ الحكيم بنفسه وتبرع بخمسين جنيها، وتوالت التبرعات التى لم يعرف أحد مصيرها، وقيل أنها بلغت ثلاثة ملايين جنيه وتم إيداعها لدى المدعى الاشتراكى، وتردد أن المبلغ أقل من ذلك بكثير، وأيا كان المبلغ الذى تبرع به المصريون وأكثرهم من البسطاء فإن المشروع توقف ولم يعد أحد يتحدث عنه طوال عهد السادات، والذى سمح بحملة هوجاء ضد «ناصر» بدأها الحكيم صاحب اقتراح إقامة التمثال بكتابه الشهير «عودة الوعي» وكان مجمله أن وعينا طوال فترة «عبدالناصر» كان غائبا ومفقودا وعاد بعد وفاته وتولى السادات الحكم واتخاذه الكثير من القرارات والإجراءات المخالفة لسياسة «ناصر»، ورد العديد من الكتاب الناصريين على الحكيم وكان أبرزهم الكاتب الكبير محمد عودة والذى نشر كتابا بعنوان «الوعى المفقود» فند فيه كلام الحكيم وسخر من وعيه المفقود طوال سنوات عديدة كتب خلالها العديد من الأعمال الأدبية التى تنتقد سياسة «عبدالناصر» والتى أجازها الأخير بنفسه مثل «بنك القلق» و«السلطان الحائر» وغيرهما من مسرحيات الحكيم الشهيرة، وسار على نفس النهج عدد من الكتاب مثل الكاتب الكبير جلال الدين الحمامصى والذى شكك فى الذمة المالية لناصر من خلال كتابه المعروف «حوار وراء الأسوار»، وهى الاتهامات التى ثبت عدم صحتها بعد التحقيقات التى أمر السادات بإجرائها، وكان هذا الهجوم هو الأفشل إذ كانت الاتهامات خائبة، بعد أن عجزت كل مخابرات الغرب أن تجد للزعيم الراحل حسابا ماليا بالخارج، أما حسابه فى الداخل فقد كان معروفا للجميع وبه عدد قليل جدا من الجنيهات، وعندما فشلت هذه الحملة اتخذ الهجوم أسلوبا آخر من خلال التركيز على قصص القبض على الأبرياء وحكايات تعذيب المعتقلين وأن مصر كانت تعيش فى جمهورية الخوف، وتم استخدام السينما فى محاولة لترسيخ الفكرة فى أذهان البسطاء وأن السادات أنقذهم وقضى على التعذيب وأنهى دولة المخابرات، ودخل الإخوان المسلمون على الخط بعد أن أفرج عنهم السادات من السجون والمعتقلات وسمح لهم بإصدار مجلتىِّ الدعوة والاعتصام، وتولت المجلتان نشر العديد من روايات التعذيب لأعضائها كما صدرت مجموعة من الكتب تحمل قصصا لا تصدق عن قوة احتمال قادتها وكيف وقف الله معهم وأمدهم بالقوة ضد زبانية «عبدالناصر»، وحاول السادات طوال فترة حكمه أن يمحو صورة «ناصر» من أذهان الشعب فرفع اسمه من على كل المشروعات التى كانت تحمل اسمه مثل بحيرة «ناصر» التى تحولت إلى بحيرة السد، واستاد ناصر الذى أصبح استاد القاهرة وقاعة ناصر بجامعة القاهرة حملت اسم قاعة الاحتفالات الكبرى، ولكن كل هذا لم يهز مكانة «عبدالناصر» لدى المواطنين، بل كان الحنين يزداد إليه وإلى عصره، وظلت صوره ترفع فى كل مظاهرة وطنية، ومع رحيل السادات وتولى مبارك الحكم عاد الحديث عن تمثال «عبدالناصر»، ولكن ليس بالحماس الذى كان عقب وفاته، ولكن المثير ما كشفه الكاتب الكبير الراحل صلاح عيسى فى مقال له بجريدة «المصرى اليوم» فى 10 أكتوبر 2014 بعنوان «أين اختفى تمثال «عبدالناصر»؟، وقال فيه: «فى سياق حديث جرى بينى وبين وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى حول تخليد ذكرى «جمال عبدالناصر» ذكر أن هناك ثلاثة تماثيل ضخمة صنعها مثال كورى لكل من «عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، وأهديت إلى مصر، وكان من رأيه أنها أعمال ذات قيمة فنية عالية، وصممت لتكون تماثيل تصلح لنصبها فى الميادين، وأنه حاول إقناع الرئيس مبارك وقتها، لإقامتها فى ثلاثة من ميادين القاهرة، ولكنه كان يتعلل فى كل مرة يفاتحه فيها فى الموضوع بأن الوقت غير مناسب، وحاولت أن أعرف مكان هذه التماثيل أو أحصل على صورة لها أو على الأقل أن يأذن لى بنشر الخبر، فرفض حسني». ويضيف عيسى فى المقال: والسؤال: أين توجد هذه التماثيل الآن؟ وهل هى فى أحد مخازن وزارة الثقافة والآثار أم فى مكان آخر؟ وما الذى يحول بيننا وبين أن تقيم من بينها فى أحد ميادين القاهرة تمثال لعبدالناصر؟ فهل لدى أحد ممن يعنيهم الأمر إجابة؟
«انتهى كلام صلاح عيسى وتبقى تساؤلاته مستمرة، ونضيف إليها هل يظهر تمثال «عبدالناصر» ويرى النور فى عام مئوية ميلاده؟ أم نظل نتحدث عنه نحن والأجيال القادمة ويظل السؤال مطروحا فى ذكرى مرور قرنين على ميلاده؟  