الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
استدعاء الزعيم

استدعاء الزعيم


ثلاثة أسابيع فقط، وتحل ذكرى مرور 100 عام على ميلاد الزعيم جمال عبدالناصر (ولد فى 15 يناير 1918)، وهى مناسبة تستحق الاحتفال والاحتفاء بها.
فى أوروبا، والدول المتقدمة.. تكون هذه المناسبات فُرصة لتقييم الشخصيات التى تركت تأثيرًا كبيرًا (داخليًا وخارجيًا).. وكانت أفكارها ملهمة وتصرفاتها ومواقفها مؤثرة،  وتقوم مراكز الأبحاث بعمل دراسات شاملة لحياة صاحب الذكرى وأفعاله وأفكاره، وماذا تبقى منها؟
 
ولا أظن أن هناك شخصية فى العصر الحديث أثرت فى السياسة المصرية والعربية والعالمية مثل عبدالناصر، منذ ظهوره على الساحة السياسية بعد ثورة يوليو 1952.
ومازالت شخصيته حتى الآن مُلهمة لكثير من السياسيين.. ومازالت مواقفه تعيش فى وجدان المواطنين، حتى إنه يتم استدعاؤه فى كل المناسبات الوطنية، وتُرفع صوره فى الميادين فى كل التظاهرات السياسية.. وقد حدث هذا خلال ثورتى يناير ويونيو، كثيرون يحنون إلى زمانه وفترة حكمه ويستعيدونه مع كل قضية مصرية وعربية، ولعل مئوية ميلاده تكون فرصة حقيقية لدراسة ناصر ومواقفه وأفكاره دراسة جادة وعقلانية بعيدًا عن العاطفة.. وهى مواقف مختلف عليها.. الأغلبية تحبه وتراه وطنيًا صنع لمصر اسمًا كبيرًا فى العالم.. وفى المقابل هناك من يراه سببًا لكل النكبات!.. وبين الاثنين يقف فريق يراه «عظيم المجد والأخطاء»، مثلما وصفه الشاعر العراقى الكبير الجواهرى.
والحقيقة أن كل قرارات ومواقف ناصر تحتاج إلى دراسات مستفيضة لبحث سلبياتها وإيجابياتها.. وذلك لمعرفة كيف نستفيد من التجربة الناصرية فى مستقبلنا؟.. ولعل أهم ما يمكن طرحه للنقاش هى قضية الديمقراطية وتأثيرها.
فقد اعترف عبدالناصر فى محاضر الجلسات السرية للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى بعد نكسة يونيو 1967، بخطأ الابتعاد عن الديمقراطية، وخطورة إعلام الصوت الواحد، وضرورة إنهاء ما أسماه جمهورية الخوف، وأنّ كل ذلك ساهم فى الهزيمة.. واقترح أن يتم السماح بإنشاء حزب معارض، إلا أنّ كل أعضاء اللجنة رفضوا الاقتراح.. وأعتقد أنه كان فى طريقه لإجراء بعض الخطوات فى الاتجاه نحو الحريات.. لكن الوفاة المفاجئة حالت دون تحقيق هذه الإصلاحات.
وبجانب هذا الملف المهم.. فإنّ هناك العديد من القرارات الناصرية تحتاج إلى تقييم، وتوضيح بعد أن علت نبرات ترى أن كل ما قام به ناصر خطأ، حتى بتنا نسمع من يترحم على العصر الملكى، وكأنّ المصريين كانوا يعيشون فى الجنة، رغم أن غالبية الشعب كانت تحاصره الدائرة الشيطانية الفقر والجهل والمرض، وحتى القوانين التى جاءت لصالح العدالة الاجتماعية، هناك من يرى أنها خاطئة مثل: التعليم المجانى والتأميم والإصلاح الزراعى، متناسين أنّ هذه القرارات هى التى وسعت الطبقة الوسطى التى تعتبر عماد المجتمع وحاميته من الانهيار.
وعلى الصعيد العربى والخارجى البعض يرى التدخل فى حرب اليمن خطيئة، والانحياز لحركات التحرر فى العالم جريمة، ومعارضة أمريكا والتقارب مع الاتحاد السوفيتى كارثة، والوقوف بجانب القضية الفلسطينية لم نجن منه سوى الحروب والخراب، وتأميم القناة حماقة جرت علينا الويلات وكأن بريطانيا وفرنسا والغرب كله كان سيسمح بتسليمنا القناة بسهولة بعد انتهاء سنوات الامتياز، وفى كل الأحوال فإن ناصر جعل مصر رقما صعبا فى المعادلات الدولية يصعب تجاهله، ويبقى السؤال: هل استعادة عبدالناصر بمواقفه وطريقة حكمه مطلوبة الآن رغم اختلاف الظروف محليا وعالميًا؟
.. وفى ظنى أن المطلوب هو استعادة روح عبدالناصر فى الانحياز للعدالة الاجتماعية والإيمان بمصر وقيمتها ومكانتها الكبيرة وقدرتها على استقلال قرارها وإرادتها. >