
أسامة سلامة
أولاد الدولة
من لهم بعد أن أصبحوا يتامى؟ بعضهم فقد الأب والأخ والعم والخال والجد، أطفال شهداء الحادث الإرهابى فى قرية الروضة بالعريش أصبحوا الآن بلا عائل، والأمهات رغم مقاومتهن للأحزان وتمسكهن بالحياة وتماسكهن فى مواجهة الكارثة إلا أنهن يحتجن لمن يساعدهن فى تحمل المسئولية الشاقة، هؤلاء الأطفال أصبحوا الآن فى ذمة الدولة، هم أولادها الذين يجب أن تتحمل مسئوليتهم كاملة، عيالها الذين فى رقبتها دين لهم يجب أن تؤديه بعد أن دفع آباؤهم حياتهم ثمنا لانتمائهم للبلد، هم أبناء البلد كلها من شرقها لغربها ومن الجنوب إلى الشمال، فهل تتركهم الدولة بمفردهم فى مواجهة قسوة الحياة؟ أم تقوم بواجبها إزاءهم؟ من حق هؤلاء اليتامى أن يكون لهم دخل يقيهم ذل الحاجة ويعينهم على مواصلة المشوار الصعب بكرامة وعزة نفس، ومن واجب الدولة أن توفر لهم تعليما راقيا يمكنهم من الارتقاء فى المجتمع ويساعدهم على بناء مستقبل باهر ومزهر، عليها أن تنشئ لهم مدرسة نموذجية وتعين بها مدرسين أكفاء يعلمونهم ويربونهم ويكونوا لهم إخوة وآباء، من حق هؤلاء الأطفال أن نرعاهم صحيا وأن نوفر لهم مستشفى على أحدث مستوى، بل المفترض على وزارة الصحة أن تنظم لهم قافلة طبية تكشف عليهم وتحاول أن تزيل من نفوسهم آثار الرعب الذى رأوه، بسبب التفجير والتدمير والرصاصات الغادرة، وأن تعالجهم من مشاهد جثامين آبائهم وأقاربهم الغارقة فى الدماء والعالقة فى ذاكرتهم، لا يجب أن نترك هؤلاء الأطفال يعانون نفسيا من المواقف الصعبة التى عايشوها، فى الغرب تتكفل الدولة بالأطفال الذين مروا بتجارب مماثلة وتعالجهم نفسيا مما لحق بهم، وتحاول أن تخرجهم من هذه الأزمة بسلام، وبعدها تتولى رعايتهم صحيا وتعليميا واجتماعيا، ولا تتركهم يجترون أحزانهم وآلامهم بمفردهم، من حق هؤلاء الضحايا أن يعيشوا طفولتهم وأن يلعبوا ويمرحوا مثل باقى الأطفال فى مثل سنهم، وأن يجدوا من يحنو عليهم، على الحكومة أن تجعلهم يشعرون بالانتماء إلى بلدهم، وأن يعرفوا أن الإرهاب الجبان إن كان أفقدهم آباءهم فإن هناك آباء آخرين لهم لا يقلوا عنهم حنانا ومحبة لهم، وإن كانوا قد أصابتهم مصيبة وكارثة كبرى فإن هناك جهات مسئولة عنهم وعن رعايتهم وتوفير احتياجاتهم، وأن يتأكدوا أن تضحيات آبائهم لم تذهب هدرا، الأمر ليس خاصًا بأطفال قرية الروضة ولكنه ينطبق على جميع أبناء الشهداء الذين فقدوا حياتهم فى تفجيرات الجامع والكنائس، ورجال الشرطة والجيش الذين ضحوا بحياتهم من أجل البلد، ولكن وضع أبناء الروضة له خصوصية فهم على خط النار والمصيبة هناك جماعية بعد أن فقدت هذه القرية أكثر من نصف رجالها، مما يعنى وجود أطفال لا عائل لهم، ولهذا يحتاج اليتامى هناك إلى نظرة خاصة، يحتاج الأمر إلى إنشاء مدارس ومستشفيات وملاعب فى هذه القرية الصغيرة أو بالقرب منها، وأيضا إلى تأمينها حتى لا يتكرر الحادث الإرهابى مرة أخرى، قد تكون التكلفة المالية كبيرة ولكن مهما ارتفعت الأرقام فإنها ستكون أقل مما سندفعه إذا تركنا هؤلاء الأطفال بلا رعاية وتخلت الدولة عن أولادها فى الروضة.