الأربعاء 23 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إعدام النقابات المهنية

إعدام النقابات المهنية







بيد باردة وإحساس بليد، تجرى محاولة اغتيال النقابات المهنية والعمالية فى الدستور الجديد، المسودة التى تم الإعلان عنها تحتوى على الجريمة، والأداة هى المادة 47 التى ستذبح النقابات وتقدم رأسها على طبق من ذهب للحكومة.
 
 النص المسنون يقول: «حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة وتكون لها الشخصية الاعتبارية وينظم القانون قيامها على أسس ديمقراطية ومشاركتها فى خدمة المجتمع وفى رفع مستوى الكفاية بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، ولا يجوز حلها أو حل مجالس إداراتها إلا بحكم قضائى».
 
السطر الأخير من النص يحتوى على السكين القاتل فهو بعد أن أباح حرية النقابات جعل حلها بحكم قضائى، لاحظ أن النص يبيح حل النقابة نفسها وليس مجلس إدارتها فقط، ومعنى هذا أنه يمكن حل نقابات الصحفيين والمحامين والأطباء وغيرها من النقابات المهنية وأيضا النقابات العمالية بجميع تخصصاتها المختلفة، وقد نصحو يوما فلا نجد نقابة للحديد والصلب أو الاتحاد العام للعمال.
 
حكم قضائى لأى مخالفة يرتكبها مجلس الإدارة ينهى وجود النقابة نفسها وليس المجلس صاحب المخالفة، الخطورة هنا هى وضع النقابات تحت رحمة النظام .. مثلا إذا تضرر الإخوان الذين يحكمون الآن من معارضة إحدى النقابات أو أصرت على عدم الانضواء تحت حكم الجماعة أو رفضت تنفيذ رغباتها فيمكن التخلص منها نهائيا وعندنا الأن نقابة الأطباء التى تؤيد إضراب أعضائها فيمكن حلها بدعوى تعطيل علاج ومصالح المواطنين.. يكفى أن يقيم أحد الأعضاء دعوى قضائية لحل النقابة المشاغبة لأى سبب فيكون العقاب الجماعى لأعضاء النقابة.
 
وبالطبع فإن تنظيم أسباب حل النقابات ومجالس إداراتها سيخضع للقانون الذى يمكن تفصيله على حسب الطلب أو يكون بنصوص مطاطة تسمح بالتفسيرات المتعددة التى تقود إلى نفس المصير، أيضا من المؤكد أن القانون سينظم إلى من تؤول أموال النقابات «المنحلة»؟ هل ستذهب مثلا أموال الصحفيين إلى وزارة الإعلام، كما تذهب أموال المحامين إلى العدل، والأطباء إلى الصحة، والنسيج إلى القوى العاملة أم إلى جهة أخرى ينشئها أيضا القانون؟!
 
مادة الدستور تلك ستؤدى إلى مشكلة عند حل النقابات لأنها ستوقف بالضرورة منح تراخيص مزاولة المهنة، فمثلا لا يمكن لأى حاصل على ليسانس الحقوق مزاولة مهنة المحاماة إلا بعد الانتماء لنقابة المحامين، كما أن مزاولة الطب وإنشاء عيادة خاصة يكون بترخيص من نقابة الأطباء، ولا يمكن لمتدرب الحصول على لقب صحفى بصفة رسمية إلا بعد انضمامه إلى نقابة الصحفيين، فمن يملك إعطاء تراخيص مزاولة المهن بعد حل النقابات هل الوزارات أم جهة أخرى يحددها القانون المنظم والمزمع صدوره بعد إقرار الدستور؟ وهكذا يصبح المهنيون بموجب الدستور موظفين لدى الدولة تتحكم فيهم.
 
وفى ظل النص على حرية إنشاء النقابات (وهو أمر مطلوب) يمكن أن ينتقل حق إعطاء تراخيص مزاولة المهنة بين نقابات مختلفة، بمعنى أن يكون هناك أكثر من نقابة محامين أو أطباء أو صحفيين ويكون للحكومة منح هذه النقابة هذا الحق ومنعه عن الأخرى.
 
التعددية النقابية مطلوبة وممكنة فى بعض المهن ومنها الصحفيون وأيضا فى النقابات العمالية، ولكنها صعبة فى مهن أخرى مثل الأطباء والمحامين، خاصة أن المجتمع الآن ومنذ فترة يعانى من تفكك أخلاقى يؤدى إلى كثير من عمليات النصب والتزوير والاحتيال وانتحال الصفات، وتعدد النقابات التى تعطى تراخيص مزاولة المهن يقود إلى مزيد من هذه الجرائم.
 
لجنة الأشقياء التى أعدت مسودة الدستور يبدو أنها لم تقرأ نص المادة 56 من دستور 1971 الملغى والتى كانت أكثر إحكامًا وكانت تحتاج فقط إلى بعض الإضافات القليلة التى تعطى مزيدا من الأمان تقول المادة المغضوب عليها نصا: «إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون وتكون له الشخصية الاعتبارية وينظم القانون مساهمة النقابات والاتحادات فى تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية وفى رفع مستوى الكفاية ودعم السلوك الاشتراكى بين أعضائها، وحماية أموالها وهى ملزمة بمسألة أعضائها فى سلوكهم وفى ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف أخلاقية وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانونا لأعضائها».
 
هذا النص يحتاج إلى تنقيح وبعض التعديلات، ولكنه فى كل الأحوال أفضل من المادة الواردة فى المسودة السوداء فلم يتطرق دستور 1971 إلى حل النقابات، بل وأعطى القانون حق حل مجلس الإدارة للجمعيات العمومية باعتبارها صاحبة الحق الأصيل فى مساءلة مجالس الإدارات، أما الدستور القادم فقد كبل الجمعية العمومية  وحدها وسحب اختصاصها لصالح الحكومة.. العالم كله يتجه الآن إلى ترسيخ المجتمع المدنى ديمقراطيا واجتماعيا واقتصاديا، لكن تأسيسية الدستور المصرى قررت تأميم النقابات لصالح الإخوان وإذا رفضت فإن مصيرها الإعدام.