
أسامة سلامة
رئيس دولة أم عضو جماعة؟!
أشفق على د.محمد مرسى رئيس الجمهورية.. وهو يقف فى مفترق طرق تتنازعه جماعات وقوى ومؤسسات وجهات عديدة.. كل منها يحاول جذبه إلى طريق، بعيدا عن الباقين.
أرى الرئيس واقفًا حائرًا.. هل يصبح رجل دولة أم رجل جماعة؟! هل يبتعد عن الإخوان ويخسر جماعة أوصلته إلى القصر الجمهورى؟ أم يلتصق بها ويظل تابعا لا رئيسًا.. يوجهه المرشد ويتحكم فيه مكتب الإرشاد.. ولا يتخذ قرارًا إلا بعد الرجوع إلى خيرت الشاطر الرجل القوى فى الإخوان؟!
هل يستطيع أن يوقف جموح التيارات السلفية المتراوح بين التشدد والغلو والسماحة؟ وهل التيارات الإسلامية المتباينة بطموحها نحو السلطة ومحاولتها تطبيق مفاهيمها الدينية الخاصة ستكون له أو عليه.
وما هى حدود الاختلاف والاتفاق مع المجلس العسكرى ، هل يتمكن المجلس من بسط نفوذه على الرئيس أم العكس.. بجانب علاقة مؤسسة الرئاسة مع المؤسسات الأمنية المختلفة المسئولة عن الأمن القومى المصرى.
خاصة مع إثارة أفكار مثل كيف يمكن لعضو جماعة أممية تمتد إلى أكثر من 07 دولة وبها أعضاء من مختلف هذه الدول أن يفصل بين انتمائه الفكرى والعاطفى - حسب وصف الرئيس مرسى - وبين دوره كرئيس لدولة كبرى تعانى من مشاكل غير قليلة وتحيط بها تحديات إقليمية ودولية صعبة.
هذه الأسئلة دارت بذهنى وأنا أرى الرئيس محمد مرسى وهو يتجنب الإجابة عن أسئلة طرحها عليه الزملاء الصحفيون خلال لقائه برؤساء تحرير الصحف والمجلات الخميس الماضى، قال د.مرسى ردًا على سؤالين حول مكان أدائه لليمين الدستورية أو الشخصية المرشحة لرئاسة الوزراء «ذلك سيتحدد خلال يومين أو ثلاثة»، رغم أن حلف اليمين وحسب ما هو معلن اليوم السبت.. حسنا فعل حينما أعلن بعد اللقاء أنه سيؤدى اليمين أمام الدستورية وإن كان هذا قد يفهم منه أنه خلال اللقاء مع رؤساء التحرير لم يكن يعلم أين سيحلف.
وقال الرئيس ردًا على سؤال طرحه الزميل حمدى رزق رئيس تحرير المصور حول وضع جماعة الإخوان القانونى بأن الإخوان قالوا أنهم ينوون تقنين أوضاع الجماعة بعد صدور قانون الجمعيات الجديد.. وتجاهل تماما سؤالاً حول إمكانية لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى إذا زار مصر قائلا: لكل مقام مقال، وهو نفس ما حدث حول علاقة مؤسسة الرئاسة بأجهزة الدولة، وقال ردا على سؤال الزميل خالد البلشى رئيس تحرير البديل عن موقفه من المحاكمات العسكرية «سندرس الملف»، وعن عدم تنفيذ حكم الدستورية بحل مجلس الشعب قال «إنه واجب الاحترام رغم عدم موافقتى عليه ولكن نبحث طريقة تنفيذه وآليات ذلك».. الإجابات كلها لم تقل شيئا.. ولم تعط كلاما محددا يوضح اتجاه الرئيس ولا أين يضع قدميه ولا فى أى اتجاه سيسير.
أعرف أن د.مرسى لم يؤد اليمين الدستورية وقت اللقاء وحتى كتابة هذه السطور ولم يقم بمهام الرئاسة بعد، وأن لقاءاته مع مختلف فئات الشعب تأتى فى إطار التعارف وطمأنة هذه الفئات وتخفيف حدة مخاوفها من وصول إخوانى إلى حكم مصر، ولكن الانطباع الذى تركه اللقاء مع د.مرسى أنه رجل طيب ودود ترتاح إليه كصديق.. ولكنه حائر.. فهو لم يعد عضوًا بجماعة مضطهدة تواجه نظامًا قمعيًا يرفض وجودها كما كان حالها أيام الرئيس المسجون مبارك، وهو الآن وبعد أن كان يشكو للناس ما وقع عليه من ظلم للناس، وينال تعاطفهم أصبح المسئول الأول.. وعليه اتخاذ قرارات سريعة.. وأن ينحاز إما للدولة ومؤسساتها أو للجماعة وطموحاتها إذا تصادما واختلفت المصالح.
ولعل قرار حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية حسب الإعلان الدستورى المكمل يوضح انحيازه للمؤسسة ولو مؤقتا، وحتى إن جاء فى إطار تفاوضى.. لأن رفضه لحكم المحكمة الدستورية كان يعنى احتضانه للجماعة ولقوى ثورية كانت تطالبه بأداء القسم أمام جهات أخرى أو فى ميدان التحرير على حساب القانون.. وبالطبع فإن الثائر يختلف كثيرا عن المسئول، فالأول يريد تحقيق أهداف ثورته دون أى حدود والمسئول أمامه مهام وقواعد يجب الالتزام بها، وفى هذا الإطار يطل السؤال: هل ينفذ الرئيس حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب ويعلى من قيمة أحكام القضاء ويطبق مبدأ الفصل بين السلطات أم يتشبث بالرفض مفضلا استمرار الأزمة بين السلطة التشريعية «قبل حكم حلها» والسلطة القضائية؟
هنا الرئيس أمام اختبار جدى إما أن يكون حكما بين السلطات وفق ما تقتضيه طبيعة المنصب أو يتخذ مواقف وقرارات حسب مصالح الجماعة التى ينتمى إليها.
د.مرسى أمامه فرصة لأن يكون رئيسا لكل المصريين كما يتمنى المصريون سواء الذين انتخبوه أو عارضوه أو قاطعوه.. نعم د.مرسى يمثل حزب الحرية والعدالة وهذا حقه.. ولكن الرئيس له مقومات تعلو فوق الأحزاب، ومصالح الدول الاستراتيجية يجب ألا تتأثر بتغيير الرؤساء مهما كانت انتماءاتهم.. وفى أمريكا مثلا لايوجد فارق بين الرئيس الجمهورى أو الديمقراطى فيما يخص الأمن القومى.. فهناك ثوابت لا يخالفها أى رئيس.. وهذا ما يجب أن يكون فى مصر.. لدينا ثوابت وطنية ومصالح استراتيجية يجب أن تكون نصب عينى الرئيس المنتخب.. وأعتقد أن د.مرسى لن يخذل الوطن، ولهذا يجب أن نعطيه الفرصة قبل أن نحاسبه.. وأتمنى عندما نقيِّم أداءه بعد شهور أن نجده رئيسا لكل المصريين ورجل دولة لا عضوًا فى جماعة.