
أسامة سلامة
الانـقـلاب الإسلاميون يهدمون مؤسسات الدولة
ليس مصادفة أن تستهدف التيارات الإسلامية ثلاثاً من مؤسسات الدولة فى وقت متقارب.. فهناك محاولات مستميتة لفك وإعادة تركيب المؤسسات على مقاس الإخوان والسلفيين وباقى القوى المتأسلمة.
يأتى هذا فى ظل تسريبات عن اتجاه المحكمة الدستورية للحكم بعدم دستورية قانون مجلس الشعب مما يعنى حل البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى.. وبجانب تراجع أسهم د. محمد مرسى مرشح الإخوان وانخفاض شعبية د. عبدالمنعم أبوالفتوح وانعدام فرص د. سليم العوا.. الأمر الذى يهدد بعدم وجود مرشح إسلامى فى مرحلة الإعادة فى انتخابات الرئاسة وهو ما قد يؤدى إلى خسارة الإسلاميين للبرلمان والرئاسة فى وقت متقارب.. مما يعنى خسارة كل شىء والرجوع «بخفى حنين».. والحل إزاء هذا الأمر هو احتلال مؤسسات الدولة والسيطرة عليها.. أى عمل انقلاب إسلامى أشبه بالانقلاب العسكرى.
خطة الإخوان والسلفيين هى استغلال أغلبيتهم فى البرلمان لإصدار قوانين تؤدى إلى خلخلة المؤسسات والهيئات إما بإضعافها تماماً حتى لا تستطيع القيام بدورها أو إعادة تشكيلها بما يسمح بدخول عناصر ذات توجه معين أو تقييدها بحيث تبدو كأنها خيال مآتة دون أن تكون لها وظيفة فاعلة.
الخطة بدأت بمشروع قانون الأزهر الذى تقدم به أحد نواب حزب النور ودعا فيه إلى ألا يكون الأزهر مرجعية وحيدة فى الشئون الدينية وألا يكون صاحب الرأى فى كل ما يتصل بالشئون الدينية.. ومعنى غل يد الأزهر فى هذا المجال أن تكون المرجعية لجهات أخرى.. وأن تقبل الفتاوى من هيئات مختلفة لا ندرى من يسيطر عليها.. وأن يكون لمشايخ آخرين سلفيين وإخوان كلمة مرجحة أكثر وأكبر من الأزهر.. وأن تأخذ المحاكم بفتاواهم وآرائهم.. لقد اشتهر الأزهر دائماً بأنه المرجع للقضايا الدينية وأنه يعبر فى معظم أحواله عن وسطية الإسلام وعندما تغل يده تظهر الآراء المتطرفة وتغزو العقول، إذاً الهدف الحقيقى من وراء هذا القانون الذى لم يصدر بعد واعترض عليه الأزهر هو أنه يزيح هذه المؤسسة العريقة عن دورها التاريخى والإسلامى لصالح جهات أخرى ربما كانت خارج مصر ويعطى الشرعية لشيوخ لا ينتمون إلى الأزهر ولا المؤسسة الرسمية ليكون هم أصحاب العقد والحل.
إننا كثيرا ما اعترضنا وناقشنا بعض مواقف الأزهر، ولكنه ظل دائماً محل احترام وتقدير الجميع ولعل اللافت للنظر أن مشروع القانون جاء بعد وثيقة الأزهر التى كانت محل توافق بين جميع القوى السياسية ورحب بها الأقباط وحظيت بقبول الكنيسة، هذا الدور الوسطى كنا نتمنى أن يلعبه الأزهر منذ فترة.. ولكن يبدو أن هناك من يريد أن يحصره فى كونه مؤسسة تعليمية فقط، أما الأزهر الشامخ الذى يطمئن قلوبنا على سماحة الإسلام فهناك من لا يريده ولا يفضل أن يعود المنارة التى يشع منها نور العلم.. لقد كان الأزهر لفترات طويلة إحدى القوى الناعمة لمصر وكان الخريجون منه ينتمون لكل الدول الإسلامية ويشكلون قيمة مضافة لمصر فى بلدهم، ولكن هناك من يريد أن يحرمنا من ذلك وتقزيم الأزهر من أجل أن تطول قامة جهات أخرى.
التحرك الثانى فى الانقلاب جاء بالهجوم على المحكمة الدستورية وأعقبه مشروع قانون تقدم به أحد النواب السلفيين ويهدف إلى تحويل الجهة المرجعية فى الرقابة الدستورية إلى مجلس استشارى بسن قانون يمنعها من مراقبة دستورية معظم القوانين، فعلى سبيل المثال ينص مشروع القانون على أن القوانين التى يقرها مجلس الشعب بأغلبية أعضائه يمتنع على المحكمة مراقبة دستوريتها، كما يتم وقف تنفيذ حكم المحكمة بعدم دستورية أى نص قانونى يترتب عليه حل مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية إلا بعد انتهاء مدة هذه المجالس، هذا أمر يؤدى إلى استمرار مجلس تشريعى على أساس باطل.. ولأن الغرض مرض فإن المذكرة الإيضاحية للقانون تقول كما كانت القاعدة المعمول بها فى تعيين رؤساء محاكم مصر كلها بأن يرأسها أقدم نوابها إلا المحكمة الدستورية حيث كان يتم تعيين رئيسها من قبل رئيس الجمهورية مما يعطيه الفرصة كى يتحكم بالسلطة القضائية حسب أهوائه.. أردنا أن تدخل المحكمة الدستورية فى هذا التعميم ويتجاهل مقدم القانون أن هناك مرسوماً بقانون صدر من المجلس العسكرى فى يوليو 1102 بعد قيام ثورة يناير بـ «6 شهور» فقط ويقضى بأن الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية تختار رئيسها من بين أقدم ثلاثة نواب.. أما أعضاء المحكمة الذين يتم تعيينهم فيتم ذلك بعد موافقة الجمعية العمومية للمحكمة ومعنى هذا أن رئيس الجمهورية لا علاقة له بتعيين رئيس المحكمة بعد هذا المرسوم.. وإذا كان مقدم القانون لا يدرى فتلك مصيبة، وإذا كان يدرى فالمصيبة أعظم لأن هناك أهدافاً أخرى غير الإصلاح وراء هذا القانون ، ولعل النص الوارد بمشروع القانون حول إعادة تشكيل المحكمة يشرح لنا بعض هذه الأغراض ، حيث يقول «يعاد تشكيل المحكمة الدستورية العليا لتضع فى عضويتها أقدم نائبين لرئيس محكمة النقض من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى وأقدم رئيس استئناف تالٍ لرئيس محكمة استئناف قنا وأقدم نائبين لرئيس مجلس الدولة من غير أعضاء المجلس الخاص، وأحدث رئيس استئناف وأحدث نائبين لرئيس محكمة النقض وأقدم نائب رئيس استئناف وأقدم نائبين لرئيس المحكمة الدستورية ويتولى رئاسة المحكمة بعد إعادة تشكيلها لأول مرة رئيس محكمة النقض».
هذا النص يعنى أن هناك مذبحة لقضاة المحكمة الدستورية الحاليين ويعصف باستقلال القضاء ويغير مسار المحكمة التى ظلت منذ إنشائها حصن الحريات ويبدلها شكلا ومضمونا.. السيطرة على المحكمة الدستورية وغل يدها عن أداء دورها فى هذا التوقيت وراءه أغراض» فلا يعقل أن يتم هز هذه المؤسسة فى الوقت الذى يأتى رئيس جديد فلا يجد محكمة دستورية أو دستوراً.. فكيف يعمل بدون مؤسسات؟!
التحرك الثالث جاء هذه المرة بيد الإخوان.. إذ نشرت الصحف تصريحات منسوبة للجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى تتهم رؤساء مجالس إدارة الصحف القومية بالفساد وأن المجلس بصدد تغيير رؤساء تحرير الصحف فى حركة تطهير وتنظيف وهو الأمر الذى أدى إلى غضب رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير وأصدروا بيانا رفضوا فيه كلام مجلس الشورى.. مما أدى إلى طلب رئيس مجلس الشورى عقد اجتماع مع رؤساء مجالس الإدارات.. وأكد خلال الاجتماع أن المقصود بالفساد هو بعض قيادات سابقة على القيادات الحالية كما نفى التصريحات التى نسبت إليه وتضمنت تعريضا بالمؤسسات وقيادتها.. ورغم ذلك فإن رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير أصدروا بيانا عقب ذلك أعربوا فيه عن ارتياحهم لنفى رئيس مجلس الشورى للتصريحات المسيئة لهم، وأكدوا «أن الهجوم على المؤسسات القومية دون سند من وقائع أو معلومات حقيقية إنما يستهدف محاولة تدجين استئناس حرية الصحافة والانحراف بالصحف القومية عن نهجها الذى سارت عليه منذ قيام ثورة يناير لصحف مملوكة للشعب تعبر عن كل طوائفه وتياراته لتعود بوقا لرأى واحد وتيار بعينه»، وأشار البيان إلى أن إلقاء الاتهامات جزافا طريقة ممنهجة للنيل ممن يختلفون مع تيارات سياسية بعينها تنوى الثأر من الصحافة القومية عن فترة عانت فيها الصحافة القومية بقدر ما عانت تلك التيارات.. حقيقة انتهت أزمة الصحافة القومية مع مجلس الشورى إلى حين.. ولكن الهجوم الذى تتابع على ثلاث من مؤسسات الدولة ومحاولة إبعادها عن أداء دورها سواء بإصدار قوانين تغير من شكلها ومنهجها أو بإلقاء التهم جزافاً على قيادتها يعنى أن هناك محاولة للسيطرة على الدولة من خلال هذه المؤسسات إذا لم يتم حكمها بواسطة البرلمان أو رئيس ينتمى إلى تلك التيارات.
وغير بعيد عن ذلك حركة الضباط الملتحين فى وزارة الداخلية. وما ينتج عن ذلك من تغيير داخل هذه المؤسسة.. ومعنى هذا أننا أمام انقلاب حقيقى يحدث أمام أعيننا وبواسطة الأغلبية البرلمانية وهو انقلاب لا يقل ضراوة عن أى انقلاب عسكرى وربما كان أخطر.
د. احمد الطيب
المستشار فاروق سلطان