
أسامة سلامة
فى مدح العصيان المدنى
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 11 - 02 - 2012
مجموعة من شباب 6 ابريل اثناء اضرابهم عام 2008
الديمقراطية تبيح الدعوة له كما تبيح رفضه :
فى مدح العصيان المدنى
سواء نجح العصيان المدنى أو الإضراب العام المقرر له اليوم أو فشل، فإننا لا يجب أن نتهم الداعين والمنظمين له بأنهم يريدون هدم الدولة أو اعتبار الدعوة فوضوية، وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول الموقف منه وأسبابه، فإنه من الضرورى ألا نكيل الاتهامات لأصحابه، وما كنت أتمنى أن يتورط رجال الدين فى فتاوى تصف المشاركين فيه بأنهم آثمون شرعا وأنه حرام لأن الاستناد إلى فتاوى فى مجال السياسة حمال أوجه، وهناك مثلا فتاوى مضادة قديمة للشيخ فريد واصل مفتى الجمهورية السابق قال فيها: «الإضراب ضرر، ولكن إذا كان يتحقق به رفع ضرر أكبر فهو يصل إلى درجة الوجوب». وفى نفس الوقت لا يجب وصف الرافضين للعصيان المدنى بأنهم يبحثون عن مكاسب خاصة أنهم عقدوا صفقة مع المجلس العسكرى، ولعل من المهم أن نتعلم الاختلاف مع بعضنا دون تخوين أو تكفير أو اتهامات بالتخريب والفوضى.
العصيان المدنى حق كفلته المواثيق الدولية، مادام سلميا، ومصر عرفت هذه الدعوة مرتين: الأولى خلال ثورة 9191 وشارك فيه طلاب الجامعة والأزهر والمدارس وعمال السكك الحديدية والترام وسائقو التاكسى.. وعمال البريد والكهرباء والمطابع والورش الحكومية وموظفو الجمارك، ونجح الإضراب نجاحا مبهرا.. والمرة الثانية حيث دعا مجموعة من النشطاء إلى إضراب سنة 8002، ولم يتجاوب معه الكثيرون باستثناء مدينة المحلة، وإن كان له أثر فى تزايد الدعوة لوقف التوريث وإسقاط نظام مبارك فيما بعد.
وهذه هى الدعوة الثالثة ولا أدرى - وأنا أكتب هذا الكلام قبل موعد الإضراب ب 42 ساعة لظروف طبع المجلة- إن كان سيحقق نجاحا أم لا وماذا سيكون مصيره.. أعرف أن هناك مجموعات ضد الدعوة ولها ما يبرر موقفها، فهى تخشى من زيادة الأزمة الاقتصادية وتوقف عجلة الإنتاج وهروب المستثمرين، وأخيرا ما يشيعه البعض أن الإضراب دعوة إلى تفكيك الدولة وانهيارها وأن وراءها أيادى أجنبية عابثة وأموالا غير مشروعة.
وفى المقابل فإن الدعوة للعصيان المدنى لها مبرراتها القوية والداعون يرونه الوسيلة الوحيدة الآن لتحقيق أهداف الثورة وأهمها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بجانب الوصول السريع والحاسم إلى سلطة مدنية تدير البلد.. وكلها مطالب لا يختلف عليها أحد.
الرافضون للإضراب متخوفون من تصعيد الأمر والوصول إلى العنف وهو ما قد يعطل خارطة الطريق التى وضعها المجلس العسكرى والتى تنتهى بتسليم السلطة إلى رئيس مدنى منتخب فى 03 يولية المقبل، وهؤلاء يرون أنه لم يتبق سوى أشهر قليلة يمكن خلالها الانتظار بدلا من الدخول فى نفق مظلم، خاصة أن المجلس العسكرى استجاب لكثير من الطلبات حتى وإن جاءت متأخرة. والداعون للعصيان متخوفون أيضا من عمل دستور فى ظل إدارة المجلس العسكرى للبلاد بما قد يسمح بمواد لا يقبلها جزء غير قليل من السياسيين.. وهم يرون أيضا أن المجلس العسكرى لم يستجب لكثير من الطلبات إلا بعد ضغوط ومظاهرات واعتصامات وشهداء ودماء، ويتساءلون أيضا: ما الذى يمنع من تشكيل محكمة ثورية تحاكم رموز النظام السابق وتقتص منهم بدلا من العدالة البطيئة؟.. فهل يعقل أن يسقط مبارك منذ عام كامل ولا تنتهى محاكمته حتى الآن؟!.. أو أن رموز نظامه مازالوا يحاولون القضاء على الثورة!.. والقيام بثورة مضادة تعيد إنتاج النظام السابق مرة أخرى دون أن يتم التصدى لهم؟!
ويرد الداعون للإضراب على الخوف من تراجع الاقتصاد وتوقف عجلة الإنتاج بأنه تضحية مقبولة وممكنة من أجل مزيد من الحرية الحقيقية ولتحقيق مكاسب سياسية وديمقراطية تمكننا من إقامة نظام سياسى سليم، وهو ما يدفع الاقتصاد إلى الأمام.
ورغم وجاهة وجهة النظر التى تخشى العواقب، فإننى أرى أن الدعوة للعصيان المدنى لها فوائدها إذا استطاع الداعون له أن يحموه من الدخلاء والمندسين.
ولعل أهم فائدة له هى تصاعد الاحتجاجات بالطرق السلمية، ومادام لن يتم التصدى للمخالفين لهم بالقوة أو فرض الإضراب عليهم غصبا، والفائدة الثانية أنه يجعل القائمين على أمر البلاد وكذلك الحاصلين على أغلبية البرلمان يدركون أن هناك قوى أخرى فى البلد يمكنها المطالبة بحقوقها وحقوق الشعب بطرق فعالة وقوية، وهذا سيجعل جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين يدركون أن حصولهم على الأغلبية لا يعنى الانفراد باتخاذ القرارات أو السيطرة على مقاليد البلاد دون أن يضعوا فى حسبانهم باقى التيارات السياسية، الفائدة الثالثة أن العصيان المدنى سلمى، وبالتالى سيكشف من يحاول إشاعة الفوضى والاضطرابات. وأرجو من القائمين عليه التصدى لأى محاولات للهجوم على المنشآت العامة والتخريب لأن أحد أهم مبادئ العصيان المدنى هو أن يكون سلميا.
ولعل من المفيد أن يبدأ الإضراب باليوم الواحد فقط ثم يتم التصعيد بعد ذلك إلى يومين إذا لم تتم الاستجابة للطلبات المشروعة.
إننى لا أخشى من العصيان المدنى ولا أخاف من رفضه أيضا، ولكن إذا ارتضينا الديمقراطية فيجب علينا أن نتقبل ما يقوم به الآخرون مادام فى حدود القانون والدستور والمواثيق الدولية، وعلى حد علمى فإن هذه المواثيق أباحت الإضراب كما أباحت رفضه.. دعوا من يريدون العصيان المدنى يقومون به ودعوا من يرفضونه يدعون ضده، وليكن الحكم للجماهير.. ولكن علينا أن ندرك أن المواطنين الذين نزلوا إلى الميادين فى ثورة 52 يناير احتاجوا فترة غير قليلة لكى لا يخافوا من قوة الدولة الباطشة.. وأنهم فى النهاية حققوا هدفا غاليا برحيل مبارك ورموز نظامه.