
أسامة سلامة
أيها المصدر المسئول.. أخرج إلينا
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 24 - 12 - 2011
منذ عدة أيام خرج علينا مصدر مسئول بتصريحات عن وجود مؤامرة لإسقاط الدولة، وأن هناك اتصالات تم رصدها مع جهات خارجية للتحريض على الاشتباك مع الجيش والتمهيد لتدخل أجنبى. هذه التصريحات لم يتبعها حتى كتابة هذه السطور اتخاذ أى إجراءات تجاه المتورطين فيها.. وهو ما دعا البعض إلى التشكيك فى هذه المعلومات.. مطالبين بإعلان أسماء أصحاب المخطط.
التصريحات الخطيرة التى لم تنسب إلى شخص بعينه، وإنما إلى مصدر رفيع المستوى تدعو إلى القلق.. وتتطلب سرعة اتخاذ موقف حاسم تجاه المتورطين مهما كان شأنهم.. ولعل من المهم الآن الكشف عن هذا المصدر حتى يغلق باب التساؤلات حوله، وإلى أى جهاز ينتمى، ولماذا كشف عن المخطط قبل أن يتم القبض على المشاركين فيه؟
التقاعس عن اتخاذ موقف قانونى يحيط هذه المعلومات بالشكوك خاصة بعدما تكرر الأمر أكثر من مرة كان آخرها ما ذكرته بعض وسائل الإعلام عن شخصيات قيل أنها متورطة فى أحداث مجلس الوزراء.. ولم يتخذ أى إجراء تجاههم ولم يتم نفى هذه المعلومات.
أننا فى وقت نحتاج فيه إلى المكاشفة والشفافية.. وإعلان الحقائق.. والمصدر المسئول إذا ظهر أو كلف جهة بالظهور، واتخاذ إجراءات جادة ضد المتورطين.. سيمنح المواطنين ثقة كبيرة بدلا من حالة البلبلة التى نعيش فيها.
لقد قال اللواء عادل عمارة فى المؤتمر الصحفى الذى عقده منذ أيام أنه جاءته معلومات تقول أن هناك مخططًا الآن لاقتحام مجلس الشعب، وقرأ ذلك من ورقة ولكن لم يتبع ذلك أى إجراء أو تحقيق مع هؤلاء المخططين رغم خطورة التصريح.. وهو ما دفع البعض للتشكيك من جدية المعلومات ودقتها.. وأن يقولوا: لقد عدنا إلى عصر مبارك حينما كان يخرج وزير إعلامه أو داخليته ليعلن عن الكشف عن تنظيم إرهابى ثم يتضح بعد ذلك أنه تنظيم وهمى تم القبض على أعضائه المظلومين، لغلق ملفات أمام الرأى العام أو لشغل الجماهير عن الحقائق. والواقع أنه خلال الفترة الماضية وقعت أحداث كثيرة تتطلب توضيحا من المجلس العسكرى على رأسها ما قاله المحامى والناشط الحقوقى طارق العوضى عندما أكد أن الأطفال الذين ظهروا فى الفيديو الذى عرضه التليفزيون المصرى وقالوا أنهم شاركوا فى الاعتداء على قوات الجيش أمام مجلس الوزراء وأنهم حصلوا على أموال من شخصيات ذكروها مقابل ذلك.. هؤلاء الأطفال - حسب العوضى - كان منهم ثلاثة رهن التوقيف «القبض» قبل الأحداث بعدة أيام وكانوا محبوسين على ذمة التحقيق فى قضية أخرى وقت الاشتباكات.. وهو ما يعنى إن صح كلام العوضى أن هناك تلفيقًا لقضايا يتم إعدادها.
أيضا تصريحات الدكتور عمرو حلمى وزير الصحة السابق فى حكومة «عصام شرف الثانية» أن وزارة شرف غير مسئولة عن المجزرة التى وقعت فى شارع محمد محمود يوم 91 نوفمبر.. وأكد أن المجزرة التى راح ضحيتها 4001 شهداء ومئات المصابين كانت بأمر المجلس العسكرى.. وحسب ما جاء على موقع جريدة «الفجر» الإلكترونى قال وزير الصحة السابق أن حكومة شرف لم تعلم بقرار فض الاعتصام، وأن قوات الأمن لم تطلق أى رصاصة فى اليوم الأول للأحداث، وأن منصور العيسوى وزير الداخلية السابق كان دائم القول بأن الشرطة لن تلجأ إلى الحلول الأمنية فى حل المشكلات السياسية!!
كلام وزير الصحة السابق يتطابق مع كلام د. على السلمى فى حواره مع «المصرى اليوم»، الذى أكد فيه أن د. عصام شرف لم يعلم بإجراء إخلاء ميدان التحرير يوم 91 نوفمبر إلا بعد وقوعه، وأن وزير الداخلية السابق نفى صدور تعليمات منه بإخلاء الميدان من المعتصمين.
الفارق الوحيد بين كلام وزير الصحة السابق ونائب رئيس الوزراء السابق، أن الأول حمل المسئولية دون مواربة للمجلس العسكرى، فى حين أن الثانى عندما سئل عن المسئول عن موقعة محمد محمود قال «ماعرفش».
إذا عندما يصدر الكلام من اثنين من المسئولين السابقين واللذين كانا فى موقع المسئولية وقت الأحداث، فإنه يحتاج إلى إجابة شافية من المجلس العسكرى خاصة وأن المعلن أن الضحايا 34 شهيدًا وليس 4001 حسب تصريحات د. عمرو حلمى.. كما أن المجلس العسكرى قال فى رسالته رقم 48 على «الفيس بوك» أنه يلتزم بالتحقيق السريع والحاسم لمحاكمة كل من تسبب فى هذه الأحداث.. ومعنى هذا الكلام أنه غير مسئول عما حدث، وأنه لم يصدر الأوامر بفض الاعتصام على عكس ما أكده وزير الصحة السابق.
الأمر الخطير الذى لا يجب أن يتجاهله المجلس العسكرى ما قاله د. أحمد معتز أستاذ الجراحة العامة بقصر العينى والذى نشره أيضا موقع «الفجر» ومواقع أخرى بأنه تم استخدام أسلحة كيماوية ضد المتظاهرين نتج عنها وفاة 8 أطباء فى المستشفى الميدانى، وأنه تم إخفاء جثثهم وإلقاؤها فى الصحراء، وقال د. معتز أن السلطات الأمنية ألقت قنابل الفسفور الأبيض بنسبة 21٪ على المتظاهرين وقنابل الكلور المكثف، مشيرا إلى أن القنابل الكيماوية تعمل على تنشيف الجثث وخروج العينين من الجسم.. هذا الكلام رغم أنه غير منطقى إلا أنه خطير ويجب الرد عليه سريعا وعدم تركه يسرى مثل النار فى الهشيم.. ورغم اعتقادى بعدم صحته إلا أن عدم الرد عليه يعنى لدى الشارع أنه حدث بالفعل.. فى مثل هذه الأمور لا يكفى النفى مثلما فعل المجلس العسكرى، وأنما يجب التحقيق مع الشخص الذى أدلى به خاصة أنه طبيب، وفى التحقيق إما أن يثبت صحة كلامه أو يحال إلى المحاكمة بتهمة تأليب وتكدير الرأى العام وبث شائعات من شأنها إثارة الفتنة فى المجتمع.
هذه الأمور مطلوب رد عاجل وتوضيح سريع لها من المجلس العسكرى، فالصمت ليس من ذهب فى هذه الحالة وإنما من الشيطان.
المجلس أيضا مطالب بتحسين صورته أمام الداخل والخارج والتى اهتزت كثيرا بسبب ما ارتكبه جنود وضباط ضد المتظاهرات، وبسبب استشهاد متظاهرين.. وهو ما يعنى ضرورة الإسراع بتقديم المتورطين إلى محاكمة عاجلة وعلنية حفاظا على علاقة الجيش بالشعب وأيا كان المتورط فالإعلان عنه ومحاكمته هو الحل، خاصة أن المجلس أعلن عن محاكمة المتورطين فى قضية كشف العذرية ودهس المتظاهرين فى ماسبيرو، وفى هذا السياق مطلوب أيضا أن يعلن بعض التفاصيل فى هاتين القضيتين مثل عدد المتهمين وموعد المحاكمة.. وكيف تمت التحقيقات وكم استغرقت من وقت وعدد الشهود الذين تم الاستماع لهم.. وهى أسئلة لو تمت الإجابة عليها لأعطت مصداقية للمجلس وأنه بالفعل جاد فى تحقيقاته وأنها ليست للاستهلاك الإعلامى.. الوضوح والشفافية هما الحل الآن.. وما عداها يفتح باب جهنم.
«المؤصدة» على مصراعيها.. وهو ما نقطع - يقينا - أن أى مواطن بسيط لا يريد إلى هذا المنعطف سبيلا.. أو أن يجد فى طريقه تبديلا .