
أسامة سلامة
قانون يشعل الفتنة وقانون يواجهها
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 15 - 10 - 2011
قانونان أمام الحكومة لمواجهة الفتنة الطائفية: الأول سيؤدي إلي إشعالها.. والثاني هو الحل لمشاكل المجتمع المصري كله
قانون بناء دور العبادة الموحد هو الفتنة بعينها.. ورغم أنه يبدو رائعاً ومثالياً، ولا يفرق بين أبناء الوطن في إجراءات بناء مكان عبادته إلا أن الشيطان يكمن دائما في التفاصيل مثلا، هل يقبل الأقباط أن تدخل الأديرة ضمن دور العبادة ويطبق عليها نفس بنود القانون؟ وإذا رفضوا ذلك معتبرين أن الأديرة لها طبيعة خاصة، فهل يوافق المسلمون علي هذه الرؤية؟ وماذا إذا طالب بعض المتشددين في عدد من التيارات الإسلامية بالحصول علي أراض مماثلة لأراضي الأديرة لإقامة تجمعات دينية بها؟ أو السماح لهم بضم أراض أو استصلاحها في الصحراء علي غرار ما حدث في بعض الأديرة؟!
هناك مشكلة أخري أيضا في القواعد التي سيتم علي أساسها منح الترخيص فوفقا للمسودة النهائية لمشروع القانون والتي تنشرها المجلة هذا العدد فإنه سيكون وفقا للكثافة السكانية فهل سيمنح كل طرف مثل الآخر، بمعني أنه لو كانت كنيسة لكل 50 ألف مسيحي، فهل سيمنح ترخيص جامع لنفس العدد أم أكثر؟
هناك أمر ثالث: هل سيتم تحديد مساحات مماثلة لدور العبادة كلها أم أنها ستكون مساحات مختلفة؟ ومن سيضمن في الحالة الأخيرة ألا يطالب المسلمون بأن يكون المسجد مثل بعض الكنائس يضم ملعبا للكرة ومساحات للأنشطة الاجتماعية ومسرحا ومكتبة ومستوصفا ودار مناسبات؟ وهل إذا تم رفض ذلك بحجة أن الجامع لا يحتاج هذه الإضافات وأنه مجرد مكان للصلاة من يضمن ألا يطالب المتشددون بأن تكون الكنيسة للصلاة فقط أيضا؟!
تخوف رابع: ماذا لو طالبت التيارات الإسلامية بغلق أبواب الكنائس بعد الصلاة مثلما يحدث في المساجد وألا تقام بها أي أنشطة، أو بفتح المساجد طوال اليوم علي غرار الكنائس مادامت تطبق عليها إجراءات بناء واحدة؟ ومن يضمن في هذه الحالة ألا تسيطر عليها تيارات متطرفة يرفضها الجميع بمن فيها التيارات الإسلامية نفسها؟!
هذه التخوفات سبق أن طرحناها علي صفحات «روزاليوسف» محذرين من صدور هذا القانون ونشر الكاتب الزميل سليمان شفيق مقالا مهما أشار فيه بوضوح إلي خطورة قانون دور العبادة الموحد علي المجتمع الآن والذي لن يتقبله بسهولة، وأن الأفضل هو صدور قانون خاص بتنظيم بناء الكنائس ووضع قواعد لترميمها تسهل وتيسر هذا الأمر دون عوائق أو عقبات. إذن قانون موحد لبناء دور العبادة خطر، لكن ما الحل؟
أعتقد أن صدور قانون تجريم التمييز هو الوسيلة المثلي الآن للحد من الفتنة الطائفية ولمواجهة أخطارها.
أتصور أن القانون لابد أن يحتوي علي عقوبة رادعة بالعزل من الوظيفة والحبس لمن قام بالتمييز علي أساس ديني أو نوعي أو طبقي، وهناك بالفعل اقتراح بذلك أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وأقترح أن ينص القانون علي تشكيل لجنة يختار ثلثها مجلس الشعب والثلث الثاني رئيس الجمهورية والثلث الأخير من اختيار المجلس الأعلي للقضاء، علي أن يكون أعضاؤها من المستشارين السابقين ورجال الفكر وأساتذة الجامعات ويكون لها حق الضبطية القضائية ويعاقب أي موظف مهما علت مكانته إذا امتنع عن إعطاء اللجنة الأوراق المطلوبة للتحقق من التمييز من عدمه.
وتتلقي اللجنة الشكاوي من الأهالي وتتولي التحقق منها، وإذا ثبت لها جدية الشكوي تحيل الأمر للنيابة العامة التي تتولي التحقيق وتقديم الجاني للمحكمة، وإذا رأت الأخيرة أن الجريمة حقيقية فتعاقب مرتكبها بالعزل من الوظيفة والحبس لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
علي سبيل المثال يشكو مواطن من أنه لم يتم تعيينه معيدا لأنه مسيحي، فإذا ثبتت للجنة صحة شكواه يعزل عميد الكلية أو رئيس القسم المتسبب ويتم حبسه بحكم قضائي.. أو أن مواطنة اشتكت من إبعادها عن وظيفة لأنها أنثي وأيضا لو أنه تم حرمان مواطن من وظيفة بسبب طبقته الاجتماعية، في كل هذه الحالات فإن المسئول عن هذا التمييز يتم عقابه، أيضا في بناء الكنائس لو شكا كاهن من عدم استخراج ترخيص بناء كنيسة دون سبب مقنع يتم عقاب المسئول عن ذلك، أو لو تم بناء الكنيسة أكبر من المساحة المرخص بها أو دون ترخيص أصلا يتم عقاب من بناها لأنه قام بالتمييز ضد الآخرين.
هذا القانون لو صدر وطبق بحزم وصرامة لانتهي كثير من المشاكل التي تؤدي إلي الصدام الطائفي.
ذلك بجانب تطبيق القانون في حالة وجود جرائم جنائية مثل الاعتداء علي الكنائس أو المساجد أو قيام مشاجرة بسبب معاكسة شاب لفتاة من دين آخر أو زواجها منه، وكذلك ترويج الشائعات التي تؤدي إلي الفتنة الطائفية أو السخرية من الدين الآخر أو ازدرائه.
هذا القانون سيؤدي إلي عدم اللجوء إلي المصالحات العرفية التي تعمل علي التهدئة مؤقتا حتي يتم اشتعالها مرة أخري بعدها بوقت قليل.
إننا نحتاج بالفعل إلي قانون تجريم التمييز لأنه يمنح كل شخص حقه في المجتمع، وإذا كان سيعمل علي وقف الاحتقان الديني فإنه سيمنع الاحتقان المجتمعي بعد أن يشعر محدود الدخل أنه يحصل علي حقه وأنه غير محروم منه بسبب فقره أو أنه مواطن درجة ثانية.. إنه قانون لا يضع مرهما للتهدئة، لكنه يداوي الجروح وما أكثرها الآن في مجتمعنا!