
أسامة سلامة
جريمة بلا جناة!
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 08 - 10 - 2011
من أفسد الحياة السياسية في مصر؟
جريمة بلا جناة!
هل يمكن أن توجد جريمة بلا فاعل؟
أعرف أن هناك جرائم لا يتم الوصول إلي مرتكبها وتقيد ضد مجهول.. وحوادث أخري نعرف الجاني ورغم تأكدنا من مشاركته فيها إلا أنه لا يحصل علي عقوبة لعدم كفاية الأدلة ضده أو لوجود ثغرات ينفذ منها ويحصل علي البراءة.
لكن عندما ترتكب جريمة متكاملة الأركان.. والجميع يعرف الجاني ثم تتم المطالبة بعدم محاسبته، بل يتم التهديد باتخاذ موقف عنيف إذا عوقب علي أفعاله، فإن الأمر هنا يستحق وقفة جادة وجريئة من الجميع.
الذين يرفضون قانون الغدر يريدون أن يفلت المجرم بجريمته رغم بشاعتها، وهؤلاء - وبعضهم دون أن يدري - يساهمون في جريمة إفساد المجتمع ويرفضون تطهيره.
الجريمة ثابتة وبحكم قضائي نهائي وبات، فالمحكمة الإدارية العليا قالت في حيثيات حكمها بحل الحزب الوطني الديمقراطي: «إ ن الواقع القانوني والفعلي يشير إلي أن السلطة التشريعية بمجلسيها كانت واقعة تحت الأغلبية المصطنعة للحزب المذكور عن طريق الانتخابات التي شابتها مخالفات جسيمة علي مدي السنوات الماضية، وآخرها الانتخابات التي أجريت عام 2010».
أضافت المحكمة: «إن جميع التقارير الحقوقية والقانونية وغيرها بشأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة وما صدر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان ذكرت جميعا وبجلاء ووضوح شديدين أن هذه الانتخابات دمغت بمخالفات جسيمة تخرجها عن أي مفهوم صحيح للعملية الانتخابية».
وكشفت الحيثيات «صدور 1300 حكم نهائي واجب النفاذ لم ينفذ منها سوي 15 حكما فقط، الأمر الذي يعصف بمبدأ سيادة القانون».
وأكدت المحكمة: «أن الحزب الوطني نشأ في كنف السلطة الحاكمة، وظل ملتحفا بسطوتها مستغلا أموالها بحيث اختلطت أموال الدولة مع أموال الحزب، ومن ذلك علي سبيل المثال تمويل نشاط الحزب والدعاية له ولمؤتمراته واستيلائه علي أملاك الدولة في مختلف أنحاء الجمهورية، ومن ثم قضت المحكمة بأيلولة أموال الحزب إلي الدولة باعتبار أنها ابتداء وانتهاء أموال الشعب».
ذكرت المحكمة: «إن إسقاط النظام الحاكم والحزب الذي أفسده بتخلي رئيس الدولة الذي هو في ذات الوقت رئيس الحزب الوطني الحاكم عن السلطة يترتب عليه بالضرورة وبحكم اللزوم والجزم سقوط أدواته التي كان يمارس من خلالها سلطاته وأهمها الحزب الحاكم الذي ثبت بيقين إفساده للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبح واجبا علي المحكمة الكشف عن ذلك السقوط».
هذه الحيثيات تكشف عن العديد من الجرائم مثل تزوير الانتخابات والاستيلاء علي أموال الدولة وإفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والسؤال: من ارتكب هذه الجرائم؟ هل أشخاص معلومون قادوا الحزب الفاسد أم أنهم أشباح لا يمكن لأحد أن يراهم أو يعرفهم وهل ضاع حق المجتمع في الحصول علي حقه من الذين اعتدوا علي حقوقه؟
والسؤال الآخر هل كل من كان عضوا في الحزب الوطني يستحق العزل السياسي؟ إنني متأكد أنه ليس كل من انتمي إلي الحزب الوطني فاسدا أو شارك في إفساد الحياة السياسية، وأن البعض انتمي إليه لمجرد أنه حزب السلطة وكثير من العائلات في الريف والصعيد يحبون أن تكون علاقتهم وطيدة بالحزب الحاكم أيا كان توجهه، وهؤلاء انتقل معظمهم من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر ومنه إلي الحزب الوطني، هؤلاء يعتقدون أن مقعد البرلمان خاص بعائلتهم وعار عليهم أن يخسروه، ولهذا فإنهم يتقربون من حزب السلطة أيا كانت أملا في الاحتفاظ بهذا المقعد، أما العائلات المنافسة فتطمع في انتزاع المقعد، ويعتقدون أنه لا وسيلة لذلك سوي التعلق بحبال السلطة، هؤلاء ضحايا مثل باقي الشعب لأن قادة الحزب أقنعوهم بأنه لا وجود سياسيا لهم ولا مكان في البرلمان إلا من خلالهم فقط، ساعد علي ذلك التزوير الذي كان يقوم به الحزب الوطني لأنصاره، وهو ما جرأ هذه العائلات علي تقليده «وتقفيل» اللجان تحت سمع وبصر الشرطة! نعم هو تزوير بيد الأهالي، لكن بمباركة المسئولين والأمر الآخر الذي ساعد علي استمرار المواطنين العاديين في التزوير طوال دورات متعددة هو عدم تنفيذ أحكام محكمة النقض ببطلان الانتخابات في العديد من الدوائر، مما جعل العائلات لا يأبهون لهذه الأحكام ويستهينون بها!
إنني أري أن هؤلاء ضحية حقيقية للإفساد السياسي، هم لم يشاركوا فيه وبقدر ما تم استخدامهم لصالح نظام فاسد سياسيا، نماذج أخري كانت أعضاء في الحزب الوطني المنحل ولم تستفد منه ولم تشاركه فساده فقط مجرد عضويته، ومن هؤلاء علي سبيل المثال أساتذة الجامعات كانوا يتصورون أنهم لن يحصلوا علي حقوقهم في نيل العمادة أو رئاسة الجامعة دون أن يكونوا أعضاء في هذا الحزب، وربما كانت العضوية هنا حماية لهم من تربص أمن الدولة بهم، كثير مثل هذه الفئات كان هدفهم مكاسب بسيطة أو الحصول علي حقوقهم، لكنهم لم يكونوا فاعلين في الفساد أو تزوير الانتخابات، أو في مشروع التوريث، وأعتقد أننا نحتاج عند إصدار قانون الغدر ليس تحديد الفئات التي يطبق عليها، لكن توصيف الجريمة بشكل مانع جامع، وتحديدها بطريقة واضحة لا لبس فيها وأوصاف محددة وليست مطاطية حتي لا يفلت مجرم ولا يدان بريء، مع ضرورة إجراء تحقيقات ومحاكمات عادلة، وإذا قمنا بهذا فإننا نستطيع محاكمة وعزل كل من ارتكب الجريمة ووقتها لن يستطيع أحد أن يهدد أو أن يحشد من أجل وقف إصدار القانون لأن المجتمع نفسه هو الذي سيلفظه. إننا نحتاج حقيقة إلي تطهير الحياة السياسية من الذين أفسدوها، ولكن بعدالة لأن أول الإصلاح العدل.