
أسامة سلامة
رئيس التحرير يكتب : حتي لا تضيع الثورة
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 04 - 06 - 2011
هل المجلس العسكري فوق النقد؟ هذا السؤال مطروح بقوة الآن في المنتديات وعلي صفحات «الفيس بوك» وفي الشارع السياسي، وإذا كان الكل يجمع علي احترام الجيش وأنه خط أحمر فإن معظم الثوار والكتاب والمواطنين يرون أن المجلس العسكري له طبيعتان.
الأولي: أن تشكيله يضم كبار قادة القوات المسلحة وبالتالي لهم كل الاحترام والتوقير، والثانية: أنه يدير البلد الآن وهو ما يتطلب إصدار قرارات وقوانين وهذه بطبيعتها محل للنقاش والحوار والاعتراض والقبول، إذن ما يصدر من المجلس بصفته العسكرية لا يجوز التعرض له ولكن ما يصدر من المجلس بصفته يدير البلد يمكن أن يكون محلا للحوار.
أقول هذا خوفا من تصاعد الخلاف بين بعض ائتلافات الثوار وبين المجلس العسكري، مما ينعكس سلبا علي مستقبل بلدنا وعلي استمرار الثورة في تحقيق أهدافها، حقيقة «الشعب والجيش إيد واحدة» وهو أمر مؤكد وينبغي أن يترجم أيضا إلي أن الشعب والمجلس العسكري «إيد واحدة» ومهما كان تباين وجهات النظر في بعض القضايا، فلابد أن يحدث تقارب بين الاثنين، وحتي يحدث هذا يجب أن يدرك الطرفان طبيعة كل منهما.
المجلس العسكري من المؤكد أنه يعرف أن الحرية - بعد زمن طويل من الكبت - تجعل هناك حماسا للانتقاد قد يصل أحيانا إلي حد يراه المجلس تجاوزا، وفي نفس الوقت علي شباب الثورة أن يدرك أن المجلس مكون من قيادات عسكرية تنتمي إلي مؤسسة ظلت طوال عمرها بحكم طبيعة عملها ودورها تحافظ علي نفسها بعيدا عن الأضواء والإعلام.. وأن قراراتها لا تناقش إلا داخلها وبضوابط محددة.. وفي معظم الأمور فإن نشر أخبارها يتم بإذن مسبق ومن يتغافل عن هذا الأمر يتعرض للمساءلة، فضلا عن أن طبيعة اتخاذ القرار العسكري تتم بتأن، وبعد دراسة عميقة وهذا ما يجعل الشباب يحسون أنه بطيء، هذه القواعد يجب أن توضع نصب الأعين، شباب متحمس للديمقراطية والحرية وضع روحه علي كفه من أجلها ووقع أصدقاء وأقارب لهم شهداء من أجل تحقيقها.
وقادة عسكريين وضعوا في تجربة غير مسبوقة،وقد تضطرهم الظروف إلي اتخاذ كثير من القرارات تكون من وحي اللحظة ودون تخطيط مسبق، هؤلاء القادة يدركون المهام الجسام الملقاة علي عاتقهم ويعرفون أن دورهم الأول داخل الوحدات وحماية البلد من الأخطار الخارجية، ولهذا فإنهم يلحون في إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وإعداد دستور جديد بأسرع ما يمكن وفي أقرب وقت من أجل العودة لمهمتهم الأصلية بعد الاطمئنان علي تسليم البلد لمؤسسات مدنية.. ومن هنا فإن تفهم طبيعة الجانبين ضرورة.
وأعتقد أن ما حدث في الحوار بين شباب الثورة والمجلس العسكري مساء يوم الثلاثاء الماضي تجربة يجب أن نتعلم منها، ومهما كانت نتائج الحوار - إيجابية أو سلبية - فإنه مطلوب عدة قواعد من أجل مزيد من التفاهم، مثلا يجب توجيه الدعوة للحوار قبله بوقت كاف حتي يختار كل ائتلاف أو تجمع ممثليه وإبلاغ المجلس بالأسماء المحددة، وبالتالي ستكون الدعوة مخصصة لأسماء بعينها، ولن يستطيع أحد أن يقول إنه منع من الدخول أو أن الحاضرين كانوا من تجمعات أو كيانات بعينها.. أيضا سيكون معلومًا للجميع من سيحضر ومن يمثل.. وبكم فرد، وبهذا لا يستطيع أحد الادعاء بأنه تم إقصاؤه، بجانب ذلك مطلوب أن يكون هناك جدول أعمال معروف ومحدد يدور حوله الحوار بحيث يكون لكل ائتلاف أو تجمع أسئلة واضحة مطلوب الإجابة عليها أو مطالب محددة يتم مناقشة إمكانية تحقيقها.
الأهم من ذلك أن يستمع المجلس لكل وجهات النظر وقد يؤدي ذلك إلي تغيير أولوياته فيجعل مثلا إعداد الدستور سابقًا علي إجراء الانتخابات البرلمانية أو يقنع شباب الثورة بالعكس.
وخاصة أن المجلس في حالات كثيرة استمع لوجهات نظر مخالفة له واستجاب لها بعدما تأكد أن الاستجابة لمصلحة الوطن والشعب، وعمومًا فإن هذه الحوارات بين شباب الثورة والمجلس العسكري ليست بديلا عن الحوار المجتمعي في العديد من القضايا بل هي جزء منه، وتبقي قضية أخري يجب بحثها بعناية فمن الضروري ألا تظل بعض الجراح مفتوحة وألا تكون هناك قضايا عالقة بين المجلس وبعض الثوار مثل قضية الكشف عن عذرية بعض الفتيات اللاتي تم اعتقالهن في ميدان التحرير يوم 9 مارس الماضي وهو الأمر الذي نفاه المجلس ولكن منظمة العفو الدولية طالبت بتحقيق رسمي في الواقعة ولهذا مطلوب إجراء تحقيق سريع وشفاف إذا ما كان تم ذلك أم لا؟ وإذا تم اكتشاف أنه حدث بالفعل، فهذا يستوجب عقاب من قام به وإعلان الأمر للجميع، أما إذا كان هناك افتئات واختراع لواقعة لم تحدث فيجب عقاب من روجوا لها.. الشفافية هنا تشفي الجراح وأما تركها دون علاج فيؤدي إلي تعميقها، وربما وقتها نحتاج إلي البتر بدلا من العلاج البسيط.. إنني أؤكد علي أهمية ما قام به الجيش للحفاظ علي الثورة وأثمن ما قدمه المجلس العسكري من خدمات جليلة للوطن.. ولكن يبقي أن نتحاور معا جميعا دون حساسيات.. فلولا الشباب ما قامت الثورة ولولا الجيش ما تم الحفاظ عليها ومن هنا يجب أن نظل جميعا «إيد واحدة» وهذا لن يكون دون أن نستمع لبعضنا وأن نتعامل مع كل قضايانا بشفافية ووضوح.
إن الحوار المقصود هنا ليس بين قوتين متناقضتين ولكن بين طرفين علي أرضية واحدة ومكملين لبعضهما.. فالقوة الأولي هم الشباب الذين فجروا الثورة وكانوا ومازالوا الوقود النقي لها، وهم الذين أعطوا للمجلس العسكري شرعية القيادة في إدارة أمور البلاد.. والقوة الثانية هي المجلس العسكري صاحب السلطة في البلد الآن.. إذن الحوار مطلوب بين قوتين ستقودان البلد إلي المستقبل بغض النظر عن باقي الكيانات الأخري التي تحاول سرقة الثورة أو الانقضاض عليها.