
أسامة سلامة
رئيس التحرير يكتب .. سوزان أنطوانيت التي حكمت مصر
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 16 - 04 - 2011
في 71 أكتوبر 5591 نشرت مجلة «الجيل» في باب «تذكر هذا الاسم» هذا الخبر :«سوزان ثابت» 51 سنة طالبة بمدرسة سانت كلير رئيسة فريق الباليه بمدرستها وعضو بنادي الهليوليدو، حيث تمارس السباحة ويأمل مدربها علي توفيق أن يخلق منها بطلة سباحة عالمية.. سوزي تجيد اللعب علي البيانو كما تهوي قراءة القصص البوليسية، أمنيتها بعد انتهاء دراستها أن تعمل مضيفة جوية ومثلها الأعلي «مويرا شيرر» راقصة الباليه الإنجليزية». وقالت مجلة «الجيل» مخاطبة القارئ: إننا نتوقع أن يصل أصحاب الأسماء التي تنشر في هذا الباب إلي القمة قريبا.. تذكر هذا الاسم.
نبوءة مجلة «الجيل» تحققت بعد 26 عاما «سوزان ثابت» التي صار اسمها سوزان مبارك بعد زواجها من الطيار حسني مبارك الضابط بسلاح الطيران المصري أصبحت سيدة مصر الأولي عام .1981
الفتاة الرقيقة التي ظهرت في الصورة التي صاحبت الخبر «دلني عليه الزميل الصحفي والكاتب والمؤرخ موفق بيومي» لم يكن أحد يتوقع ولا حتي هي أن يسبق اسمها لقب «سيدة مصر الأولي».. ولم يكن في مخيلة أحد بعد أن وصلت إلي قمة الحكم في مصر أن يقبع ولداها في السجن، «أحدهما كانت تتمني أن يرث والده في الحكم»، وأن يكون زوجها حاكم مصر حتي 3 شهور مضت محبوسا في المستشفي رهن التحقيقات بتهم قتل المتظاهرين والفساد المالي، وأن تكون هي أيضا في انتظار التحقيق معها، ومن المتوقع أن تذهب هي الأخري إلي السجن في انتظار المحاكمة والعقوبة، سوزان مبارك المرأة القوية في مصر حتي 3 شهور مضت والتي كان الطامحون والطامعون والفاسدون يتمنون أن تسلم عليهم أو حتي تلقي عليهم نظرة رضا.. ذكرت الجميع بماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر، فرغم أنها كانت تقوم بنشاط اجتماعي كبير مثل رئاسة مستشفي الأطفال للأورام وقيادة حملة التبرعات له ورئاسة جمعية الهلال الأحمر ورئاسة مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، وتبنيها مشروع «القراءة للجميع»، فإن هذا لم يعطها أي رؤية للفقراء ولم تكن نظراتها تبتعد عن الكاميرات التي تصورها فلم تشاهد الفقراء والمرضي والعاطلين عن العمل التي تسبب نظام زوجها في زيادة أعدادهم بدرجة مرعبة!
لم تشاهد مظاهر الجوع والفقر ولم تدرك معني المظاهرات الفئوية التي استمرت طوال عام كامل علي رصيف مجلس الشعب.. فكانت مثل ماري أنطوانيت التي سألت عن أسباب مظاهرات وغضب الشعب فقالوا لها إنهم لا يجدون الخبز، فردت: «ما ياكلوا جاتوه» فكان مصيرها أن الفرنسيين وضعوها هي وزوجها علي حبل المشنقة.
وضع سوزان مبارك مماثل ل«ماري أنطوانيت» فقد انفصلت عن الشعب وأعماها مخطط توريث الحكم لابنها جمال عن رؤية أي شيء آخر.. فوصلت بعائلتها إلي السجن.. سوزان التي أحكمت قبضتها في السنوات الأخيرة علي زوجها وكانت تتحكم في اختيار وزراء بأعينهم وإبعاد آخرين، جندت كل أجهزة الدولة لمشروع التوريث، ومن أجل ذلك تحولت الفتاة التي حلمت يوما بأن تكون راقصة باليه مشهورة إلي راقصة علي جثث الفقراء من أبناء الشعب وتحالفت مع ابنها جمال من أجل إيصاله إلي الحكم حتي قيل إن هناك مؤامرة كان يدبرها الوريث للإطاحة بوالده إذا أصر علي الترشح للرئاسة في أكتوبر المقبل!
مبارك نفسه بدا كما لو كان معزولا في سنواته الأخيرة لا يدرك إلا متأخراً ما اتخذه ابنه من قرارات ووقتها كان يحاول إصلاح ما أفسده الابن، ولكن في معظم الأحوال دون جدوي.. وهكذا بدأت الأمور في السنوات الأخيرة تزداد سوءا.. رئيس معزول تقريبا وزوجة راغبة في استمرار وجود العائلة في قصر الحكم وابن طامح تحيط به شلة فاسدة تحركها شهوات عفنة.. وابن آخر ابتعد عن الأضواء، لكنه لم يبتعد عن عالم البيزنس الذي تحركه أصابع السلطة.
هذه العائلة التي كتمت علي أنفاس المصريين طوال 30 عاما وزاد ضيق الشعب بها في السنوات الأخيرة.. أصبحت الآن مطاردة من جهات التحقيق ينتظر كل فرد منها مصيره.. الأب الذي ينتظر الموت بين لحظة وأخري، وهو المصير الأفضل له، إذ إن التهم التي وجهت إليه لو ثبتت لانتهي به الأمر إلي حبل المشنقة، أما الابن الطامح لوراثة الحكم فإذا لم يصل إلي حبل المشنقة، فإنه سيقضي بقية عمره في السجن، والابن الثاني ربما كانت عقوبته أقل ولو خرج فسيكون كهلاً يبحث عن مصدر رزق بعد مصادرة أمواله إذا ثبت أنها جاءت من الفساد واستغلال النفوذ.
--
«سوزان» التي حلمت يوما أن تكون مضيفة جوية وأرادت أن تكون أول مصرية بعد ثورة يوليو تحول الحكم إلي ملكية في عباءة الجمهورية، أحلامها ستتحول في الزنزانة الضيقة إلي كوابيس تطاردها، ربما يأتي لها في الحلم الطفل الذي لم يجد علاجا فمات قبل أن يدخل المدرسة، أو الشاب الذي انتهي من دراسته وجلس سنوات علي المقهي في انتظار العمل أو انتهكت آدميته وهو يعمل في البلاد العربية أو مات غرقا في البحر وهو يحاول السفر إلي أوروبا بحثا عن حياة بدلا من الموت يأسًا في بلده!.. أو عجوز لا يجد مأوي إلا الشارع أو قضي عليه البرد في إحدي ليالي الشتاء أو السرطان الذي أصيب به بسبب المبيدات المسرطنة التي استوردها نظام مبارك.. أو المرأة التي اضطرت لمد يدها لأن معاش زوجها تأخر سنوات ولم يتم صرفه لها رغم استحقاقها له.. هذه الأشباح التي ستطاردها في الزنزانة هي نفسها التي ستطارد مبارك في وحدته بالمستشفي الذي يقضي فيه آخر أيامه.. ووقتها قد يتذكر الفرص العديدة التي أضاعها بسبب حبه للسلطة ورغبة زوجته في الاستمرار كسيدة مصر الأولي، كان يمكنه أن يتخلي عن السلطة بعد دورتين رئاسيتين ويفي بوعده عندما تولي الحكم عام 1981 وقال: الكفن ليس له جيوب، جاء الإرهاب الذي ضرب مصر في التسعينيات ليكون ذريعة له في الاستمرار في الحكم وساعده علي ذلك حرب الخليج، وجاء حادث أديس أبابا ومحاولة اغتياله لتزين له البقاء في الحكم بعد أن قام المنتفعون بإيهامه بأنه المنقذ لهذا البلد حتي إن صفوت الشريف ذبح عجلا أمام التليفزيون فرحا بنجاة مبارك من هذا الحادث! وفي كل هذه المرات كان يمكنه إجراء إصلاحات سياسية حقيقية ولكنه لم يفعل، كانت أمامه فرصة أن يتم تخليده لو أنه صدق في تعديل الدستور وجعل الرئاسة بالانتخاب بدلا من الاستفتاء.. ولكنه عدل الدستور ليتلاءم مع ابنه فقط وفتح الترشح لرئاسة الجمهورية، ولكن بطريقة تؤدي إلي التوريث.
--
إضاعة الفرص استمرت مع مبارك حتي المشهد الأخير وكان يتأخر أربعة أيام في كل قرار يتخذه، فيكون المطلب الجماهيري قد تغير، أعلن أنه أقال الوزارة وسيحاكم المسئولين عن قتل المتظاهرين.. بعد فوات الأوان وخرج علي الناس ليعلن أنه لن يرشح نفسه مرة أخري بعد أن تجاوز المواطنون هذا المطلب.. وأعلن أن ابنه لن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية بعد أن انتقل المتظاهرون إلي مطلب رحيله هو شخصيا.. وتخلي عن السلطة بعد أن أصبح المطلوب محاكمته هو ونظامه الفاسد.. لقد منح هذا الرجل كل الفرص فأهدرها جميعا، وخسر كل شيء لأنه ارتكب جميع الأخطاء السياسية والإنسانية وارتكب كل جرائم الفساد المالي والسياسي.. لقد ترك الفاسدين ينخرون في عظام الوطن، وترك بركة الفساد تتسع حتي غرق فيها بعد أن أغرق البلد.. حقيقة نجحت ثورة 25 يناير في القضاء علي هذا الحكم ولكن المعركة المقبلة ليست فقط متابعة محاكمة رموز هذا النظام، وإنما التخلص من الآثار السلبية والسيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي خلفها النظام السابق.. حقيقة انتهت عائلة مبارك سياسيا ومعنويا وتحولت من القصر الرئاسي إلي القبر السياسي، ولكن علينا أن نبدأ معركة تنظيف المجتمع مما فعلته بنا طوال 30 عاما.
بورتريه: عماد عبد المقصود