
أسامة سلامة
ليسوا شيوخاً
اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 22 - 01 - 2011
نحن نهين هذا اللقب عندما نطلقه علي من لا يستحقه ونظلم الإسلام عندما نمنحه لمن لا يقدره ويفهم دوره ونخدع المجتمع عندما نتهاون في حجبه عن المدعين والمتكسبين منه وإذا كان المثل العامي يقول «ليس كل من ركب الخيل خيال» فإن الحقيقة تؤكد «ليس كل من تعمم شيخا ولا كل من قرأ كتابا أو تخرج من الأزهر فقيها».
الخطير أن سحر اللقب يجعل المتلقي من هؤلاء المدعين سواء كانوا سلفيين أو إخوانا أو جماعات يتعامل مع ما يقولونه علي أنه نصوص مقدسة وهو ما يدعونا إلي ضرورة اتخاذ موقف يعيد للقب احترامه وجلاله.
الشيخ في اللغة هو كبير السن وتجمع أيضا علي مشايخ وهي كلمة تطلق علي من تجاوز الخمسين من عمره وفي القرآن الكريم ورد اللفظ في أكثر من آية وكلها تعطي نفس المعني.
--
في سورة يوسف «قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا» وفي سورة غافر «هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا». وفي معجم الوسيط «الشيخ من أدرك الشيخوخة وهو غالبا عند الخمسين.. فوق الكهل دون الهرم».
ولأننا في مجتمعاتنا نوقر كبير السن ونحترمه فقد أطلقنا كلمة شيخ علي كل من له مكانة أو رئاسة أو علم مهما كانت سنه ففي مصر أعطيناه لكل رئيس حرفة ومهنة مادامت اجتمعت فيه الهيبة والرئاسة والعلم فهناك شيخ للنجارين وللسقاة والبنائين وهكذا في جميع الحرف في المهن اخترنا كبير الأطباء الأكبر سنا والأكثر وقلنا عليه شيخ الأطباء، وهناك شيخ للصحفيين ومثله في باقي المهن وهكذا التصق اللقب بكل من اكتسب جلال العلم وهيبة العلماء ولأننا شعب متدين ومع بدء التعليم الديني في الأزهر أطلق أهل الريف اللقب علي كل من يتلقي العلم في الأزهر بمجرد التحاقه بالجامع الجامعة تبركا به وأملا في أن يصبح شيخا حقيقة لا مجازا.
وفي الريف أيضا أطلقت الكلمة علي بعض من تولوا السلطة فقالوا شيخ البلد وهي رتبة تلي العمدة تقريبا وهو منصب شرفي يتولاه بعض الوجهاء وبعضهم كانوا أقباطا شيوخا وفي الدول العربية فإن للكلمة مدلولا يقترب من المعاني السابقة فقد أطلقت علي من ارتقت مكانتهم في مجتمعاتهم.. ففي دول الخليج يطلق اللقب علي أفراد الأسر الحاكمة وفي لبنان يحظي به بعض السياسيين الكبار مهما كانت دياناتهم مثل الشيخ بيير الجميل والشيخ رفيق الحريري والكنيسة المشيخية الإنجيلية تطلق علي قادتها وقساوستها شيوخا.
--
إذن الكلمة لم تكن لها علاقة بالدين ولكن مع مرور الزمن أصبحت لا تطلق في مصر إلا علي رجال الدين، ومن هنا جاءت المشكلة فمن المفترض أنها تسبق اسم ذوي العلم وأصحاب المكانة، ولكن اللقب هان علينا وأهناه وأصبحنا نطلقه علي كل «من هب ودب» فليس كل من تعلم عالما وليس كل من حفظ شيئا من القرآن وقرأ كتبا في الدين أصبح فقيها، حتي لو تعمم أو ارتدي أحدث صيحات الموضة، ولهذا كان معظم الذين يطلون علينا من شاشات الفضائيات يغتصبون هذا اللقب ويختلسونه دون أن يكونوا جديرين به.
هؤلاء المدعون الذين سمموا حياتنا ولوثوا أفكار أبنائنا ووضعوهم علي طريق التطرف وكراهية الآخر لا يجب أن نسميهم شيوخا فلا هم يملكون جلال العلم ولا هيبة الفقه.
أرجوكم ابحثوا لهم بدقة عن لقب آخر يليق بهم.
--
إذا بحثت بأمانة فالمؤكد أن الألقاب المطروحة ستكون سلبية ذلك أن المدعين الذين يحملون لقب شيخ وهم أبعد ما يكونون عن العلم والمعرفة وأدبيات الحوار التي جعلت من الرسول الكريم الشخصية الأهم والأعظم والأكثر إنسانية منذ فجر التاريخ وإلي الأبد لكنهم حولوا ما قرأوه وعرفوه إلي قنابل يفجرونها في وجوهنا وألغام تجعل خطواتنا إلي المستقبل مرتعشة كأننا مصابون بكساح ليس له من علاج إلا وضع هؤلاء المدعين في أماكنهم الصحيحة والعادلة وسحب اللقب من أمام أسمائهم احتراما لماضينا المليء بالشيوخ العظام وحاضرنا الذي تغطيه السحب ومستقبلنا الغامض الذي يشع بؤسا وإحباطا بسببهم.