الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
2010 ... مزيد من زيت التعصب على نار الفتنة !

2010 ... مزيد من زيت التعصب على نار الفتنة !




اسامة سلامة روزاليوسف الأسبوعية : 02 - 01 - 2010


هذه الأرقام مهمة لنعرف ماذا سيحدث فى 2010 وهى تقودنا للإجابة عن السؤال المبهم: هل تستمر حوادث الفتنة الطائفية فى العام الجديد، هل تزيد أم تنحصر؟ قبل أن نجيب نقرأ الاحصائيات ودلالتها.
خلال العام الماضى 2009 وقع 24 حادثا طائفيا بمعدل حادثين كل شهر تقريبا، الإحصائيات التى جاءت فى التقارير ربع السنوية لمنظمة المبادرة الشخصية للحقوق الشخصية وقمت بتجميعها تقول:
خلال الفترة من فبراير إلى سبتمبر وقعت 22 حادثة إذا أضفنا إليها حادثى ديروط بأسيوط وفرشوط بقنا اللتين وقعتا فى شهر نوفمبر الماضى يكون لدينا 42 حادثا.
حظيت محافظة المنيا وحدها ب11 واقعة، تليها كل من الدقهلية وبنى سويف ب3 حوادث، ثم واحدة فى كل من الإسكندرية والغربية والمنوفية وصفط اللبن بالجيزة، بالإضافة إلى حادثى أسيوط وقنا مما يعنى أن الحوادث الطائفية وقعت فى 10 محافظات وأن ما يقرب من نصفها كان مسرحها محافظة المنيا وحدها.
الأرقام تكشف أيضا أن 6 حوادث جرت على خلفية معاكسة شاب لفتاة من دين آخر أو شائعة عن علاقة بينهما أو هروبها للزواج منه، بينما تسبب محاولات تحويل مبنى لكنيسة أو إقامة شعائر دينية أو شائعة عن ذلك فى وقوع 6 مصادمات.. وتحولت 9 مشاجرات عادية بين شخصين أو عائلتين إلى خلاف طائفى، أما »لعب العيال« فقد أدى إلى وقوع 3 مشاحنات. ماذا تعنى هذه الأرقام؟
الإجابة ببساطة استمرار حوادث الفتنة فى 2010 وتوقع زيادتها بشكل أكبر وربما أعنف.
لماذا؟
لأننا لا نعالج الأسباب التى تؤدى إليها ونكتفى بوضع المرهم على الجروح، فنحن نعالج العرض لا المرض نفسه ولهذا تنخفض درجة الحرارة بينما يظل الفيروس كامنا فى الجسم ينتظر أى فرصة ولو صغيرة لكى يظهر ويمارس دوره القاتل.
الإحصائيات ووقائع الحوادث والأسئلة السابقة وإجاباتها تقودنا إلى أمر خطير، فنحن فى طريقنا - إن لم نكن أصبحنا بالفعل - إلى انقسام المجتمع المصرى إلى عائلتين أو قبيلتين.. عائلة المسلمين وعائلة المسيحيين، الدليل على ذلك أن 6 مصادمات وقعت بسبب علاقة فتاة بشاب ولو كانت الأمور طبيعية فإنه فى أسوأ الحالات كان الخلاف سينحصر بين عائلة الفتاة وعائلة الشاب، ولكن فى ظل الواقع الذى نعيشه والحال الذى وصلنا إليه فإن المسلمين ينتصرون للشاب والمسيحيون ينحازون للفتاة أو العكس، وهكذا أصبح الانتماء الدينى هو الأساس وليس الصلات العائلية..
فكل مسلم يرى أن المسيحى الذى تجرأ وأقام علاقة مع فتاة مسلمة قد أهان شرفه، وكل مسيحى يحس بالعار لأن مسيحية هربت مع شاب مسلم بينما كل منهما لا ينتابه نفس الإحساس إذا كان الشاب من نفس دين الفتاة، والخلاف يظل بين عائلتى الفتاة والشاب لا يجوز لعائلة أخرى أن تتدخل فيه.
المصيبة أن هذا يحدث رغم أن هؤلاء الفتيات لا هن أمهات المؤمنين ولا السيدة العذراء حتى يثرن كل هذا الاحتقان.
المثال على ذلك حادث ديروط والذى نشب على خلفية تصوير مسيحى لفتاة مسلمة فى أوضاع مخلة معه وإرسال صورها عبر الموبايل إلى أصدقائه، وهو ما أدى إلى فضحها، ورغم أن عائلة الفتاة انتقمت بقتل والد الشاب المسيحى وإصابة عمه بعد هروب الوغد واختفائه، إلا أن الشباب المسلم رأوا فيما حدث عارا فتجمهروا وحاولوا تحطيم وإحراق الكنيسة وبيوت المسيحيين بالمنطقة.. واللافت أن معظم هؤلاء الشباب المسلم من عائلات مختلفة وبيوت المسيحيين التى أحرقت لا علاقة لهم بأسرة الشاب المسيحى.
يحدث هذا رغم أنه فى الحالات المعتادة فى الصعيد يكون الانتقام من أسرة الشاب فقط دون تدخل من عائلات أخرى حتى لا يمتد الخلاف والثأر إلى أطراف بعيدة.
غير بعيد عن هذا تجمهر شباب قبطى أمام مطرانية ملوى على خلفية غياب فتاة وهروبها مع شاب مسلم، وأيضاً الاشتباكات التى جرت بسبب تحرش مسلم بفتاة مسيحية فى قرية رومان بأبو قرقاص ومقتل والد شاب مسيحى فى دماص بميت غمر بعد شائعة عن علاقة ابنه بفتاة مسلمة، وهو نفس ما جرى فى المحلة الكبرى ولكن مع تبادل الأدوار، إذ أصيب 20 شخصا بسبب مصادمات على خلفية شائعة عن علاقة مسلم بمسيحية.. هذه ليست كل الحوادث المماثلة وإنما مجرد حالات تقودنا إلى انقسام المجتمع خاصة إذا وضعناها بجانب الحوادث الأخرى التى وقعت لأسباب تافهة، فهناك 3 حوادث تطورت من خلافات بين أطفال إلى مصادمات، 8 مشاجرات عادية تحولت إلى فتنة طائفية أشهرها الخلاف حول ثمن زجاجة مياه غازية بين شابين انتهت بمقتل المسلم ثم تطورت إلى مشاجرة ثم صدام بين المسلمين والمسيحيين فى كفر البربرى بميت غمر بالدقهلية.. كل هذا يثبت أن المجتمع تحول إلى القبلية وأنه فى طريقه إلى عصور الجاهلية وبعد أن كنا نحاول أن نجد حلا لمشكلة الثأر بين العائلات خاصة فى الصعيد والتى كانت تحترم فيه كل عائلة التقاليد بألا تتدخل فى خلاف بين عائلتين آخريين وجدنا الأمر يتسع أكثر ليصبح هناك عائلتان فقط فى كل قرية، وأخشى أن يتسع الأمر ليصبح عائلتين فى كل مصر ووقتها ستكون الكارثة.
إن انقسام المجتمع يظهر أيضاً فى عدم قبول الآخر، فهناك 5 حوادث وقعت بسبب محاولة تحويل مبنى إلى كنيسة أو شائعة عن ذلك أو الصلاة بالفعل بداخله، وهو ما يثير غضب المسلمين فى القرية ويتظاهرون، ففى حالات عديدة يشعر المسلمون بالخديعة وأن هناك محاولات بناء كنيسة بطريقة غير شرعية، وفى حالات أخرى يكون هناك تعنت يمنع بناء الكنيسة وفى الحالتين الخطر قائم.
إذن ما الحل وكيف نتجنب فى 2010 ما حدث فى 2009؟
الحل ببساطة فى تطبيق القانون بصرامة حتى تستعيد الدولة هيبتها.. فى 9 حالات من المصادمات التى وقعت فى 2009 تمت المصالحة بين المسلمين والمسيحيين بواسطة المحافظين ورجال الأمن وأعضاء مجلس الشعب ويترتب على ذلك تغيير الأقوال حتى يتم الإفراج عن المتهمين وعدم توجيه اتهام لهم وبالتالى حفظ التحقيق.. وعلى سبيل المثال فى العام الماضى تم التوصل إلى مصالحة بين العربان والرهبان فى حادثة دير أبوفانا بالمنيا، الذى وقع عام 2008 فقد تصالح الرهبان مع والد القتيل المسلم وغير جميع الأطراف أقوالهم، فعلى الرغم من أن الرهبان اتهموا أشخاصا محددين فى النيابة وفى أحاديثهم للصحف ووسائل الإعلام بوقائع خطف راهب وضربه حتى أصيب إصابات خطيرة وكذلك اتهامهم لأشخاص بالحرق وإحداث إصابات وحمل السلاح، ورغم أن العربان اتهموا شخصا محددا وشقيقه بالقتل تراجع الجميع بعد المصالحة وقال الرهبان أمام النيابة أن الحادث وقع فى الظلام ولا نستطيع تحديد الأشخاص المعتدين، وكذلك قال والد القتيل المسلم من العربان أنه لا يستطيع تحديد من أطلق الرصاص على ابنه وتسبب فى قتله.. وبسبب تغيير الأقوال تم إطلاق سراح اثنين من المسيحيين ومثلهما من المسلمين ظلوا رهن الاعتقال منذ وقوع الاشتباكات منذ أكثر من عام.
المثير أنه طوال هذه الفترة لم تحول النيابة القضية إلى المحكمة.. ومن أغرب حالات المصالحة ما جرى فى مطاى بالمنيا عندما وقعت مشاجرة بسبب لعب الكرة بين الأطفال وتم الحكم على أحد المسلمين بغرامة 10 آلاف جنيه فتمت كتابة شيك بها على أن يتم تسليمه للخصم القبطى إذا عاد المسلم للمشاجرة مرة أخرى، كما تم أخذ تعهد ب 30 ألف جنيه يدفعها الطرف الذى يبدأ بالاعتداء مرة أخرى.. كل هذا لا يجدى ويساعد على تكرار الحوادث فى أماكن مختلفة، ولذا لابد من تطبيق القانون بمعاقبة الخارجين عليه بصرامة وأن يعرف الجميع أن المصالحات لا تعنى الإفلات من العقاب.. الحل أيضا فى حسم قضايا معلقة منذ سنوات مثل قانون بناء دور العبادة والذى يجب إقراره فى أقرب وقت لأنه سيوقف محاولات البناء غير الشرعى لبعض الكنائس والتى يلجأ إليها المسيحيون أحيانا لتعويض عدم وجود كنائس فى القرية أو بُعد الكنائس عن قريتهم أو لأنهم يريدون إقرار أمر واقع، فأحيانا يلجأون إلى إحداث مشكلة حتى يتم لفت النظر إلى مشكلتهم مثلما حدث فى عزبة باسيليوس ببنى مزار بالمنيا عندما تبادل المسلمون والمسيحيون الاتهامات بمحاولة حرق كنيسة كان لا يزال ترخيصها محل دراسة وقال المسلمون: المسيحيون لجأوا إلى ذلك لتحريك الأمر لدى المسئولين.. ووجه المسيحيون الاتهام للمسلمين فى إشارة إلى أنهم لا يرغبون فى وجود كنيسة بقريتهم.. ولا أدرى لماذا يظل مثل هذا القانون معلقا دون إقراره أو رفضه أو تعديله إذا كانت بعض بنوده لا تلائم ظروف المجتمع الآن.
المشكلة أن الأمر لا يقتصر على المصادمات والمشاحنات المباشرة وإن كانت خطورتها أنها بين المواطنين البسطاء فى الشارع.. فهناك نوع آخر من المنازعات يتم فى المحاكم والنيابات وشاشات الفضائيات وعلى صفحات الصحف وفى مواقع الإنترنت، فهناك العديد من القضايا الخاصة بالعائدين للمسيحية، وهم الذين أسلموا ثم عادوا إلى عقيدتهم الأولى.. وأيضا المتنصرون الذين يرغبون فى كتابة عقيدتهم الحقيقية فى بطاقتهم وهويتهم وترفض مصلحة الأحوال المدنية إثبات وضعهم الجديد وأرى أن على الأزهر أن ينهى هذا الموقف.. فماذا يستفيد الإسلام من وجود أشخاص مسلمين اسما ومسيحيين عقيدة.. وما أخطر ذلك على الأسر المسلمة التى قد يرتبط بعض هؤلاء ببناتهم ويتزوجوهن دون أن يعرفن حقيقة عقيدتهم.
من أجل الحفاظ على الأسر المسلمة يجب على الأزهر إقرار حرية العقيدة ومطالبة المحاكم وأجهزة الدولة بالسماح لمن يرغب إعلان عقيدته الحقيقية دون عراقيل.. إن ذلك لا يعنى السماح بالتبشير ولكن من أراد أن يترك الإسلام فليذهب لأنه لن يضر الإسلام بشىء، ولكن وجوده متخفيا سيكون بمثابة قنبلة وطابور خامس بين الأسر المسلمة.. ولعل هذا الأمر لو تم يخفف حدة الاحتقان فالإسلام أقر حرية العقيدة، ومعظم الفقهاء أكدوا على عدم وجود حد للردة إلا إذا أقام المرتد بمحاربة الإسلام وبنشر الفتنة فى المجتمع.
الأمر الأخير الذى يحل مشكلة الفتنة هو إصدار قانون تجريم التمييز على أساس الدين أو النوع أو الوضع الاجتماعى، وهو قانون يعاقب كل من يمنع مواطنا من الحصول على حقه مثل وظيفة بالجيش أو بناء دور عبادة على أن تكون هناك هيئة تتبع رئاسة الجمهورية للتحقيق فى مثل هذه الوقائع وإبلاغ النيابة بها ومتابعتها حتى صدور الحكم.. ووقتها لن يشكو أحد من عدم حصوله على حقه ومن يدعى ذلك زورا وظلما يستحق أيضا نفس العقاب.
إذن الحل السريع فى تطبيق القانون وبصرامة وبسرعة، فالعدالة الناجزة هى أول الطريق.. ولنا فى قضية مروة الشربينى أسوة حسنة.. فمنذ وقوع الجريمة حتى صدور الحكم لم يتعد الأمر شهرا واحدا.. وأخيرا فإن هذا هو أحد الحلول أما الباقى فيأتى فى التعليم ووسائل الإعلام التى يجب أن تلعب دورا فى إعداد العقول لتقبل الآخر وتعريف كل مواطن بالمواطنة الحقيقية.