
عاطف بشاى
الجمال والقبح فى تليفزيون رمضان
إذا كنا لا نتفق مع «المفهوم الإخوانى» الضيق والمتزمت للفن وربطه بثقافة الحلال والحرام فإننا نندهش فى الوقت نفسه من ذلك الذعر الغريب من الاعتداء على الفضيلة والأخلاق الحميدة.. وبين هذا وذاك تبكى حرية التعبير وتنتحب محتمية بالدستور الذى يقرها ويؤيدها.
لكننا فى النهاية أيضا لا نتفق مع شيوع الإسفاف والجنس والدعارة والحوار الفاحش والذى صار ظاهرة متفشية.. وصارمة وتشكل خطراً داهماً على الذوق العام..
بدت مسلسلات الشاشة الرمضانية فى العام الماضى تمثل خليطاً متنافراً ومكتظاً من دراما جادة تحتوى على قضايا مهمة تعكس الواقع السياسى والاجتماعى للمجتمع المعاش والزاخر بأحداث ساخنة شهدتها البلاد بعد قيام ثورة «25» يناير وحتى وصول الإخوان المسلمين للحكم.. وأعمال درامية أخرى لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يدور فى مصر ويسيطر عليها الميلودراما الفاقعة والهزل الغليظ والعرى والمخدرات والأزياء الصارخة والحوار البذىء «والذى من الواجب التصدى له بالرصد والتحليل ودراسة أسبابه الاجتماعية والنفسية من قبل أساتذة علم الاجتماع وعلم النفس، والعلاقات المثلية والقوادة والشخصيات الدرامية المنحرفة والساقطة فى أغلبها.. والتسجيل الفظ للواقع الاجتماعى المعاش ونقله إلى الشاشة كما هو بترهله وتدنيه وانحطاطه باسم الواقعية فى العمل الفنى بينما الواقعية تصرخ معترضة من جراء الإسفاف والفجاجة.
والمدهش فى الأمر ذلك التبرير المضحك الذى يواجهك به الكثيرون من مؤلفى ومخرجى تلك الأعمال المبتذلة والفاحشة مؤكدين سعيهم لكتابة العلامة الدالة على أن تلك المسلسلات للكبار فقط.. والمثير للسخرية والدهشة أن تلك العلامة تحمى الأطفال وتعاقب الكبار الذين لا ذنب لهم فى خدش مشاعرهم وإفساد أذواقهم والإساءة لهم من خلال كل ما هو غث ومتدن.
وهو ما يدعونا إلى إعادة تكرار بديهية أن الفن- أى فن- ليس نقلا مباشراً للواقع كما هو.. وإلا تحول الجميع- موهوبين وغير موهوبين.. مثقفين وجهلة.. خاصة وعامة- إلى مؤلفين.. لكن الفن تكثيف وارتقاء وتعبير موح وغير مباشر وبليغ للواقع واستخلاص لعلاقاته الجمالية وتركيز على مضمونه الفكرى والنفسى والإنسانى.
أما مسلسلات هذا العام والتى لا يمكن أن نحكم أو تقيم مستواها الفنى والفكرى بمجرد مشاهدة الحلقات الأولى فالإنصاف والموضوعية فى التحليل يستلزم التريث والمتابعة غير المتسرعة.
لكن برصد ردود الأفعال يتضح أن كثيراً من تلك الأعمال متهمة بخدش الحياء.. وعدم مناسبتها للعرض فى الشهر الفضيل.. بل وبتحرش الفنانين الجنسى بالمتلقين.
المهم أن الغاضبين على مواقع التواصل الاجتماعى يعبرون عن سخطهم بسبب وصلات الرقص فى مسلسل «دكتور أمراض نسا» لـ«مصطفى شعبان».. و«صابرين».. وارتداء بطلات مسلسل «ابن حلال» لمحمد رمضان.. «الهوت شوت»، بالإضافة إلى مشاهد الفراش المبتذلة التى تضم الممثلين «سارة سلامة» و«أحمد حاتم».
ويصل أمر المنتقدين إلى إطلاق الحملات التى تطالب بمقاطعة متابعة الأعمال الرمضانية ومطالبة رئيس الوزراء «إبراهيم محلب» بوقف عرض تلك الأعمال أسوة بما فعله عند وقف عرض فيلم «حلاوة روح» لهيفاء وهبى لعدم مراعاته للقيم الأخلاقية والتقاليد المرعية.
لكن المزعج أن مسلسل «سجن النسا» الذى شاهدت كل حلقاته المعروضة حتى الآن على الشاشة.. والذى يتمتع بمستوى فنى بالغ الرقى والتميز.. ويحتوى على دراسة عميقة وممتعة وبالغة الإنسانية لشرائح اجتماعية تعانى من القهر والهوان وظلم الأيام وقسوة المجتمع خلف الأسوار.. وتجمع فى تجسيدها بين الهم الخاص والعام.. البعد الاجتماعى وعلاقته بالمناخ السائد من خلال صورة خلابة وحوار ذكى مشحون بثراء عاطفى أخاذ.
هذا المسلسل متهم بالتحرش اللفظى الذى يقوم به «صابر» «الممثل أحمد داود».. والملاطفة الصريحة بالصوت والصورة قبل إقامة علاقة حميمية بينه وبين غالية «نيللى كريم».
لقد انصرف الناس هنا عن رؤية جمال المحتوى وعمق المعنى ودلالاته الفكرية والاجتماعية والسياسية والنفسية.. وتفرغوا لرصد عورات ومثالب تصوروا أنها مخلة وفاضحة.. دونما الإحساس بواقعيتها الحقة.. الصادقة.. الإنسانية.. غير المعقمة.
وهكذا اختلطت الأمور وتحول الجمال إلى قبح.. والقبح إلى جمال!!