مصيدة أوروبية للعائدين من «داعش»
مرفت الحطيم
شددت الدول الأوروبية إجراءاتها لملاحقة مواطنيها المنضمين لتنظيم داعش الذى ينشط فى سوريا والعراق، ويحتدم جدل فى الأوساط التشريعية والسياسية والإعلامية فى بريطانيا، حول الإجراءات الجديدة التى ستتخذها الحكومة البريطانية ضمن مكافحة الإرهاب، وتتضمن الإجراءات مشروع قانون تقدم به رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، بإصدار أمر إبعاد للمتشددين من المواطنين البريطانيين الذين يقررون الانضمام للقتال فى صفوف تنظيم داعش فى سوريا والعراق.
وتنوى لندن اتخاذ هذا الإجراء المتشدد فى مواجهة تصاعد موجة الإرهاب فى العالم، لكنها حذرت من إساءة استخدام القانون، الذى سيعطى السلطات الحق فى منع مواطنين بريطانيين من العودة إلى بلادهم، فى حال الاشتباه فى تورطهم بالانضمام إلى داعش، وسيخول القانون للشرطة حق إلغاء جوازات سفر المشتبه فيهم لمدة عامين.
رغم خطورة تطبيق هذا القانون والتى تتمثل فى تمديد سلطات مصادرة جوازات السفر الممنوحة لرجال الشرطة، بعد أن كان القرار يقتصر على وزيرة الداخلية «تيريزا ماى»، فإنه لابد من التشديد على وضع قيود تحول دون إساءة استخدام ذلك القانون، وعبر ناشطون فى مجال حقوق الإنسان عن قلقهم المتزايد من استغلال البعض شبهة التورط فى القتال فى صفوف «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة، للسعى إلى حرمان مواطنين بريطانيين من جنسيتهم وحقهم فى المواطنة.
وقال ديفيد كاميرون إن المواطنين البريطانيين الذين يصبحون مقاتلين أجانب فى الخارج، قد يمنعون من العودة إلى بريطانيا بمقتضى قوانين جديدة صارمة للتصدى لأولئك الذين يقاتلون فى صراعات دول مثل العراق وسوريا وسيمنع مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب، شركات الطيران التى لا تتقيد بقوائم حظر السفر التى تصدرها بريطانيا، أو إجراءات التفتيش الأمنى من الهبوط فى أراضيها.
ووفقا لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية قال وزير الخارجية البريطانى فيليب هاموند فى لقاء بنواب البرلمان البريطانى إن وزراء الحكومة الحالية يدرسون توجيه رد مناسب لانخراط العديد من الشباب البريطانى فى صفوف التنظيم الأكثر خطورة فى العالم، مشيرا إلى أن تهمة الخيانة تعتبر الحل الأمثل حاليا، وكانت عقوبتها الإعدام حتى عام 1998 لتخفف العقوبة بعد ذلك إلى السجن مدى الحياة.
من جهة أخرى، اعتقلت السلطات النمساوية امرأة ألمانية 33 عاما تنحدر من أصل عراقى كانت عائدة من سوريا مع ابنها البالغ من العمر ثمانية أعوام للاشتباه فى تخطيطها لشن هجوم وأنها قضت وقتا مع جماعة جهادية، وقالت متحدثة باسم هيئة الادعاء فى ولاية ميونيخ إن السلطات النمساوية تصرفت بناء على أمر اعتقال أصدرته ألمانيا واعتقلت أيضا صديق المرأة وهو ألمانى ينحدر من أصل تركى عمره 20 عاما، كان الثلاثة يسافرون عبر مدينة فيلاخ القريبة من حدود النمسا مع إيطاليا وسلوفينيا. وقالت المتحدثة إن المرأة وصديقها اعتقلا فى 11 من أكتوبر وأن موعد تسليمهما لألمانيا يتوقف على السلطات النمساوية، وقالت متحدثة باسم مدينة فيلاخ النمساوية إن الفتى الصغير تقوم على رعايته هيئة الخدمات الاجتماعية ومن المتوقع أن تأتى جدته من ألمانيا لتتسلمه.
وأكد مكتب المدعى الاتحادى الألمانى أن الشرطة فى فرانكفورت اعتقلت مواطنا ألمانيا عمره 27 عاما، يدعى «سفيان ك»، ويعتقد أنه قضى عاما فى القتال مع داعش فى سوريا، وتذهب تقديرات أجهزة الاستخبارات الألمانية إلى أن حوالى 450 شخصا غادروا ألمانيا للانضمام إلى الجماعات الجهادية فى سوريا وأن 150 منهم عادوا إلى الوطن، ويجرى اتخاذ إجراءات جنائية ضد 200 مشتبه به.
ويمثل الشيشانيون العدد الأكبر من المقاتلين هناك، حيث بلغ عددهم 41 ألفا قتل منهم 3700 وفقد 1400 ثم السعوديون وعددهم 21 ألفا، فالفلسطينيون بعدد 5 آلاف مقاتل، وهناك أعداد قليلة من جنسيات تونسية ومغربية، ومن لبنان والأردن، بالإضافة إلى 400 مقاتل بريطانى حسب تصريح لمسئول قوات مكافحة الإرهاب فى إقليم كردستان العراقى، تم رصد تحركاتهم بالقتال مع داعش ضد الجيش العراقى وميليشيات البشمركة الكردية، وبعض الفصائل الشيعية العراقية.
وهناك مقاتلون حسب صحيفة «التايمز» البريطانية جاءوا من سوريا لتلبية نداء داعش لتحرير العراق وكانوا قد وصلوا فى الأصل من بريطانيا، وعددهم 500 بالإضافة لمقاتلين تم تدريبهم فى تركيا قبل الذهاب لكل من سوريا والعراق، وجاءوا من بلجيكا وألمانيا وفرنسا وبعضهم من جنسيات غير عربية جاءوا من أفريقيا وبعض بلدان الشرق الأوسط، ووفقا لمجلة «فوكس» الألمانية فإن تحقيقات مكتب النائب العام الألمانى، أكدت وجود أكثر من 320 ألمانيا فى صفوف «داعش» وفى كل من سوريا والعراق وينتمى معظمهم للواء تم تأسيسه خصيصا لهم.
كما توجه اكثر من 100 هولندى حتى الآن إلى سوريا للقتال ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
وكانت الحكومة الهولندية أعربت فى منتصف يونيو الماضى عن قلقها من انضمام أوروبيين إلى داعش، وقالت إن «النجاحات العسكرية الأخيرة للتنظيم ستشجع دفعة جديدة من المقاتلين الجهاديين الأوروبيين على التوجه إلى منطقة الشرق الأوسط، واتخذت الحكومة الهولندية قرارا بسحب الجنسية الهولندية من الجهاديين الذين يقاتلون مع التنظيمات الإرهابية حول العالم.
كما أظهر تقرير خاص للأمم المتحدة أن أكثر من 15 ألف أجنبى انضموا فى السنوات الأخيرة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وأظهر التقرير الخاص لمجلس الأمن أنه فى الأشهر الأخيرة تزايد عدد الأجانب الذين دخلوا إلى العراق وسوريا من أجل الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن أكثر من 100 أمريكى شاركوا فى الصراع الدائر فى سوريا، وفقا لمسئولين فى الاستخبارات الأمريكية.
وامتدت رقعة الانتشار الجغرافى للمقاتلين الأجانب فى الحرب، إلى درجة تورط اليابان وسنغافورة، أكثر البلدان التى يعتقد أنها بعيدة عن الاضطرابات فى الشرق الأوسط. كما ترجمت مقاطع الفيديو الخاصة ببرامج التجنيد التابعة لداعش إلى لغات لا تعد ولا تحصى، بما فى ذلك الأوردية، والتاميلية، والبهاسا الإندونيسية.
فى حين كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» فى تحقيق لها أن عدد الشباب التونسى المنضم إلى «داعش» لا يقل عن 1400 شاب، ما يعنى أن عدد المنضمين من المصريين يزيد على هذا الرقم، ومما سبق يمكن تحديد أن أعداد المصريين فى صفوف «داعش» قد تصل إلى ألف تكفيرى، دخلوا إلى سوريا والعراق خلال السنوات الثلاث السابقة، مستغلين الاضطرابات التى مرت بها البلاد منذ قيام ثورة 25 يناير حتى الآن.
تمكنت الأجهزة الأمنية بمديرية الأمن بالتعاون مع جهاز الأمن الوطنى بمحافظة الدقهلية، من ضبط أول عضو من تنظيم «العائدون من داعش» وبحوزته أجهزة لاب توب وأجهزة محمول عليها خرائط وخطط وصور للتدريب على القتال وتصنيع العبوات الناسفة بشارع الترعة بمدينة المنصورة ويدعى أحمد مسعد المعداوى 30 سنة وكنيته أبو عبيدة ، وأكدت التحريات سفر المتهم إلى سوريا للقتال فيها وعقب ثورة 30 يونيو سافر إلى الإمارات وحاول السفر إلى تركيا إلا أنه عاد إلى مصر لارتكاب جرائم إرهابية داخل مصر وباشر المستشار شريف عماد الدين عون رئيس النيابة الكلية وسكرتارية أحمد كمال التحقيقات وتوجيه تهمة الانضمام لجماعة إرهابية تمارس نشاطها داخل مصر وخارجها.
كما صنفت الإمارات العربية المتحدة 83 تنظيما وحركة كـ«جماعات إرهابية»، وشملت القائمة روابط دعوية ومؤسسات حقوقية وفكرية، ومن أبرز هذه الجهات جماعة الإخوان المسلمين وهى أم الحركات الإسلامية وأكثرها تأثيرا وأوسعها انتشارا، كما تعتبر أهم التيارات السياسية المعارضة للأنظمة المتعاقبة فى مصر.
أوروبا استيقظت على كابوس الإرهاب الذى يدق أبوابها وبدأت بالفعل فى اتخاذ إجراءات جديدة لمكافحته من خلال «العائدون من داعش»، ولكن مصر حتى اليوم لم تبدأ فى سن قانون جديد لهؤلاء وسيتم معاقبتهم وفقا للقانون الجنائى الحالى مثل «العائدون من ألبانيا» وغيره، وفى حالة عودتهم خاصة أن معظمهم من جماعة «حازمون» ستتم معاقبتهم بتهمة الانضمام إلى تنظيم مسلح للقيام بعمليات إرهابية داخل مصر وخارجها، ولم تفكر مصر فى اتخاذ إجراءات جديدة منها سحب الجنسية مثل بريطانيا، التى تعد ثالث دولة من حيث عدد الجهاديين بعد بلجيكا والدانمارك، بدت أكثر حزما منهما، فاستعادت أحد قوانين العصور الوسطى والمعروف بقانون الخيانة العظمى للتعامل مع العائدين من مواقع التطرف. وهذا القانون الذى يعود إلى عام 1351 يتم بحث تطبيقه على العائدين من وهم داعش والنصرة، والعقوبة سابقا تحت هذا القانون هى الإعدام، ولكنه استبدل بالسجن مدى الحياة بعد إعدام بريطانى نشر دعاية نازية أثناء الحرب العالمية الثانية.
أما بلجيكا فقد تبنت نموذجا قريبا من النموذج السعودى المتمثل فى برنامج الأمير محمد بن نايف للمناصحة، ويسعى هذا البرنامج البلجيكى إلى توظيف علم النفس فى تفكيك العقل الداعشى، لتحديد دوافع خروجه إلى مواطن القتال. وهى ذلك تفكيك شبكة التغرير والاستدراج يقول المشرف على البرنامج النفسى الدكتور بيربن برلستن من جامعة ارهاس: لقد وضعنا برنامج «ارهاس لتفكيك راديكالية الجهاديين»، وهو برنامج مناصحة وتهيئة وإعادة إدراج فى الحياة العامة، فالشباب العائد من سوريا والعراق يمكن لبرنامجنا أن يعيدهم إلى الحياة الآمنة.∎