آلام المسيح على الرصيف!

روزاليوسف الأسبوعية
هل وصل بنا الحال لأن نلقى بإبداعاتنا على أرصفة الشوارع، وأن نستهين بها كل هذه الاستهانة؟!
الأمر لا يتعلق فقط بالإهمال ولكن الأكثر كارثية هو الجهل الذى يجعلنا نلقى بها فى سلات المهملات، وفى أيدى من لا يعرف عنها شيئا ولا يقدر قيمتها.
هذا ما صدمنى عندما كنت أتجول فى شوارع وسط المدينة كعادتى لممارسة هوايتى الروحية المفضلة (شراء الأنتيكات) وكانت المفاجأة عندما عرض علىّ أحد باعة الأرصفة الذين يبيعون التحف كتالوجاً تصورت للوهلة الأولى أنه لصور فوتوغرافية أو ألبوم طوابع أوعملات.
المفاجأة أنه كان «سلايتس» أى صوراً فيلمية خاصة بالفيلم الإيطالى النادر «مات من أجلنا» الذى يحكى قصة سيدنا المسيح «عليه السلام» فى مرحلة «ما قبل الصلب».
المسيح الذى جاء لغفران الخطايا مؤكداً فكرة الخلاص من الذنوب ونشر «المحبة» التى تتجسد فى منهجه من خلال غرس «العاطفة» فى نفوس البشر من خلال تعاملاتهم الحياتية والإنسانية، متحملاً ما عاناه فى تحقيق رسالته من عذابات وآلام - حسب المعتقدات المسيحية - هو موضوع الفيلم الإيطالى الذى كان مكانه - للأسف الشديد - أرصفة الشوارع بدلاً من أن يكون بين أرفف المراكز والمكتبات وآلات العرض السينمائية.
«المحبة» و«العاطفة» اللتان نادى بهما السيد «المسيح» يؤكد عليهما الفيلم على أنهما اللحظة العليا التى من أجلها كان سبب نزوله «عليه السلام» إلى الحياة الدنيا.
الفيلم يصور مدى الآلام التى تحملها السيد «المسيح» وكيف تم صلبه وتعذيبه - حسب المعتقدات المسيحية - وأن هذه اللحظة كيف كان لها أثر نفسى مؤلم فى نفوس تلاميذه ومحبيه الذين صاحبوه خلال هذه الرحلة.
«رسالة الخلاص» هى الرسالة التى يستوحيها الفيلم من حياة «المسيح» وكيف أن غفران الخطيئة كان منهجه، وأن الخلاص من الآثام الدنيوية هو الأمل فى حياة أفضل.
«مات من أجلنا» يطرح فكرة «الناسوت» وتعنى الإله المتجسد على الأرض - فى علم «اللاهوت» - الذى يقول: «إن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين» بمعنى - حسب المعتقدات المسيحية - أن الروح الإلهى مازال فى الجسد لم يفارقه.
كما يستعرض الفيلم خيانة «يهوذا» - أحد تلاميذه الاثنى عشر- الذى سلمه لليهود والرومان مقابل 30 قطعة فضة ليقوموا باعتقاله وتعذيبه ومحاكمته وصلبه - فى حين أن القرآن الكريم أكد أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن شٌبه لهم! «يهوذا» الخائن.. كما أظهره الفيلم كان مصيره الانتحار بسبب إحساسه بتأنيب الضمير والندم اللذين أصاباه نتيجة خيانته لصديقه ومعلمه السيد «المسيح» عليه السلام.
الفيلم يستعرض موقف «بطرس» أحد تلاميذه الذى أنكر معرفته بالمسيح أثناء الصلب - حسب المعتقد المسيحى - ثلاث مرات خوفاً من التنكيل به رغم أنه سبق له فى إحدى مقابلاته مع المسيح أن قال له مجاملة - كما جاء فى الفيلم - أى أذى تتعرض له فداك له روحى.
مشهد مهم جداً يبرزه الفيلم ويعتبر- بلغة السينما - هو «الماستر سين».. هو مشهد المحاكمة أمام «بيلاطس البنطى» - الحاكم الرومانى - عندما خير الشعب فى أحد الأعياد - كما هو متبع بالإفراج عن أحد المساجين: إما الإفراج عن «المسيح» أو الإفراج عن «برباس» اللص.. ولم يكن متوقعاً أن يبيع الشعب «المسيح» رغم معجزاته الكثيرة التى صنعها من أجلهم ويختاروا «برباس» اللص للإفراج عنه؟!
من أصعب المشاهد التى استعرضها الفيلم.. تتويج السيد «المسيح» بتاج الشوك، وهى إحدى مراحل التعذيب التى عانى منها ومشى طريقها الذى سمى بـ «طريق الصليب» الممتد من نقطة وقوفه منذ بداية المحاكمة حتى لحظة وصوله إلى مكان الصلب.
الفيلم يؤكد على المعانى والصفات التى جاء «المسيح» ليبشر بها.. فأطلق عليه «ملك الحب»، لأنه كان يعلى من قيمة الحب على السلطة والنفوذ.∎