«هيروشيما».. فى أشمون!

إبراهيم الجيوشي و نهي سيف
تبدو مأساة وفاء عبدالحميد نصر (41 عامًا) التى لقيت حتفها مؤخرًا بسبب المرض الخبيث - السرطان - إحدى تجليات الإهمال والخطأ الطبى فى التشخيص والفقر والانفلات العام فى المجتمع، ما يطرح أسئلة كثيرة حول جدوى العلاج بالمستشفيات الحكومية ومسئولية الطبيب المتسبب فى التشخيص الخاطئ الذى أفضى إلى العلاج الخاطئ ومن ثم الوفاة، وهل يستمر الفقراء حقول تجارب لأطباء عديمى الكفاءة منزوعى الضمير والرحمة خصصوا وقتهم لعياداتهم الخاصة، وكأن عملهم بالمستشفيات الحكومية مضيعة للوقت؟
بدأت مأساة وفاء مع المرض اللعين منذ عامين، وظلت تعانى الآلام المبرحة دون جدوى للعلاج، وعندما رحلت تركت خلفها أسرتها تشكو حظها العاثر وتندب دون جدوى فى استعادة حق الراحلة من المجرمين الحقيقيين الذين قتلوها بإهمالهم أو تجاهلهم، فى عزبة سلامة مركز أشمون بالمنوفية عاشت وفاء مع زوجها بصحبة طفليها والفقر يكشر عن أنيابه فى كل مكان، لا يوجد سوى سرير واحد وحظيرة صغيرة، وتقتات الأسرة من عمل الزوج بائعًا بالموسكى.
يقول مبروك عبدالنبى عبدالعظيم (38 عامًا) زوج المتوفاة وفاء عبدالحميد نصر (41 عامًا):
بدأت الحكاية حين اكتشفت وفاء ورمًا صغيرًا فى حجم حبة الأرز فى ثديها، فتوجهت إلى عيادة الدكتور استشارى الجراحة العامة والمسالك البولية بمستشفى أشمون العام، وتم تشخيص الحالة بعد الأشعة أنه كيس دهنى بسيط سيعالج بالعقاقير الطبية، بعد عام ونصف العام زاد الورم وزاد معه الألم والعلاج لا يتغير إلى أن قرر الطبيب استئصال الكيس الدهنى وأجريت العملية فى فبراير الماضى بعيادته وأعطانى الجزء المستأصل فى قطعة من القطن، وطلب منى تحليلا لهذا الجزء الذى يشبه البرتقالة الصغيرة وبعد إجراء التحليل بالقاهرة حمل المركز المختص الطبيب المعالج مسئولية انتشار المرض وطالب بحجز المريضة بأحد المستشفيات.
اختار مبروك مستشفى الحسين بالقاهرة لقربه من مكان عمله، فهو يعمل بائعًا بالموسكى، يقول استقبل المستشفى زوجتى يوم 4 مارس وتم استئصال الثدى وبعد تحليل الثدى اتضح أنه ورم خطير، وعلى الرغم من ذلك خرجت من المستشفى بعد يومين لوجود حالات أخرى خطيرة ولابد من إخلاء سرير!! وكان لابد من أخذ 6 جلسات علاج كيميائى فكانت تأتى فى موعد الجلسة يومى الأحد والثلاثاء وبعد انتهاء جرعات العلاج الكيماوى بأسبوع ذهبت مرة أخرى للطبيب الذى طالب بإجراء مسح ذرى لمدة 10 جلسات خلال أسبوعين، وبعد إجراء 9 جلسات الإشعاع بدأت زوجته فى التحسن الظاهرى وبعد إجراء العاشرة والأخيرة بدأت علامات السخونة وإحمرار بالعين ونوع من أنواع الحساسية شديدة الاحمرار وفقاعات مياه.
أوضح: عدت مرة أخرى إلى مستشفى الحسين وهنا بدأ الدكتور الذى يباشر حالة المريضة ويدعى «إسلام» فى التهرب من المريضة، وقابلها دكتور آخر يدعى «محمد سمير» الذى أخبرنا أنهم غير مسئولين عما بعد الإشعاع، فهذا مرض جلدى وهم غير مسئولين عنه قائلا بنبرة حادة: روحوا دوروا على دكتور جلدية، وأعطاهم علاجا خاصا بالسرطان يجب على المريضة أن تأخذه بعد 15 يوما وتعود إليهم مرة أخرى بعد شهرين، وتحدث الأطباء باللغة الإنجليزية وهم ينظرون إليها فى حالة من الذهول.
ويمضى قائلا: ذهبت زوجتى المريضة إلى دكتورة جلدية تدعى شيماء بمستشفى اليوم اليوم الواحد بأشمون، التى أعطتها نوعين من العلاج، وأكدت أنها ستتحسن بعد أخذ العلاج بانتظام، ولكن ما حدث غير ذلك، فلقد ازدادت سوءا عما كانت عليه، وبدأت الفقاعات فى التزايد فى جسدها بشكل سريع وطالبت الطبيبة سرعة التوجه إلى المستشفى الجامعى.
وتوجه الزوج بالمريضة يوم الخميس ليلا إلى مستشفى شبين الكوم الجامعى الذى رفض استقبالها وقال الأطباء: نحن لا يوجد عندنا استقبال طوارئ جلدية والمستشفى إجازة يوم الجمعة.. فقالوا يوم السبت يكون الدكاترة رجعوا!!
∎ قرارات دون تفعيل
اصطحب الزوج المريضة مرة أخرى إلى مستشفيات القاهرة «قصر العينى- الدمرداش وعدة مستشفيات أخرى»، دون جدوى.
وبعد 16 ساعة متواصلة من البحث عن مأوى لزوجته بدأت الكارثة تساقط جلدى متفرق فى جميع نواحى الجسد.
∎ حالة نادرة
هنا وقف الزوج مبروك حائرا لا يملك أية حيلة، فهو لا يملك مالا لينقل زوجته لمستشفى خاص، أشارت عليه إحدى العاملات بتقديم شكوى لمجلس الوزراء فى الرقم الخاص بالشكاوى واتصل فعلا مستنجدا: مراتى بتموت أنقذونى حد يستقبل مراتى أرجوكم. ردت موظفة الاستقبال: سوف يتم الرد على الشكوى بعد 21 يوما!
عاد الزوج مرة أخرى إلى مستشفى شبين الكوم الجامعى واستقبلها هذه المرة بعد دفع رسوم ألف جنيه وتم استقبالها على أنها حالة حروق وتم تركها حتى جاء الدكتور المختص من إجازته يوم السبت وبدأت العلاج ولكن بلا جدوى، فالحالة بدأت فى تعداد الموتى وجميع العاملين بالمستشفى أكدوا أن الحالة غريبة ولم يتم رؤيتها من قبل، وكان السائد فى المستشفى أن من الواضح أنها تلقت إشعاعا زائدا، ومن ثم وضعت المريضة فى غرفة العزل حتى توفيت بعد أسبوع.
بعد الاستماع إلى هذه القصة المؤلمة توجهنا إلى الأطباء المعالجين، وتقول دكتورة الجلدية شيماء فاروق: أدى انتشار السرطان فى مخ وفاء إلى وجود حالة صرع، وبناء على ذلك كانت تأخذ علاجا للصرع يؤدى فى بعض الحالات إلى نوع من أنواع الحساسية «متلازمة استيفن جونسون» وهى تساقط الجلد يحدث بنسبة 35٪، سألتها: لماذا لم يتم إجراء تحليل للمريضة ضد هذا النوع من الحساسية، فردت قائلة: لأ ده هى ونصيبها يا جماعة المرض ده نصيب؟
استيفن جونسون
يقول الدكتور هانى الناظر أستاذ الأمراض الجلدية ورئيس المركز القومى للبحوث الأسبق: الوفاة نتيجة حتمية لتناول أدوية عن طريق الخطأ. موضحا أن متلازمة «استيفن جونسون» غير مرتبطة بمرض السرطان ولا يوجد لدينا سابقة مرضية لمثل تلك الحالة، ولكن معروف أنها مرتبطة بالتناول الخاطئ للأدوية، ولكى تتعرف على نوع العلاج المسبب للمتلازمة لابد من البحث عن أحدث الأدوية التى تناولتها الحالة، وعن ارتباط المتلازمة بمرض نقص المناعة «الإيدز» يقول هى أكثر ارتباطا بالإيدز والكثير من حالات المتلازمة مسجلة لمرضى نقص المناعة.
ويضيف: المتلازمة من الممكن أن تنهى على الجلد تماما فى أقل من 48 ساعة تبعا لكثافة الجرعات من العلاج المؤدى للإصابة بالمتلازمة.
نقص المناعة
والمتوفاة وفاء كانت فى آخر مراحل السرطان، هكذا علق الدكتور محمد سمير - نائب قسم علاج الأورام فى مستشفى الحسين - ويضيف: الجرعات الست للعلاج الكيماوى كانت لعلاج ورم الثدى وبعد الانتهاء منها بأسبوع تم اكتشاف الورم فى المخ، وكان لابد من الجلسات المكثفة للعلاج الإشعاعى وتمت 10 جلسات على مدار 14 يوما وهذه الجلسات المكثفة لم يثبت أنها مضرة، بل إنها كانت المطلوبة فى هذه المرحلة من المرض لهذه الحالة.
هيروشيما من جديد
بينما يؤكد الأستاذ الدكتور «أيمن حسن» استشارى أمراض الأورام بـ6 أكتوبر والمتخصص فى العلاج بالإشعاع النووى: لا يمكن أن تصل حالة مرضية إلى هذه الحالة إلا بتعرضها لجرعة علاج إشعاع نووى زائدة، فأدت إلى حدوث ضمور لخلايا الجلد وتساقطه وهذا معروف علميا بأحد أنواع متلازمة «استيفن جونسون» وهو ما يشبه ما حدث فى مدينتى هيروشيما وناجازاكى فى اليابان فى الحرب العالمية الثانية.
رد الوزارة
بالاتصال ومتابعة الشكوى المقدمة من زوج المتوفاة لمكتب الشكاوى فى مجلس الوزراء قبل طباعة العدد بساعات كان الرد مفاجئا بأن الشكوى رقم «209997» المقدمة من «مبروك عبدالغنى عبد العظيم زكى» بطاقة رقم قومى «276080331700574» بخصوص زوجته «وفاء عبدالحميد نصر الجزيرى» سيتم الرد عليها يوم 2014/10/1 وبسؤال الموظفة المختصة عن متابعة الشكوى قالت: بالفعل تم توجيه الشكوى ويتم متابعتها، ولكن إلى الآن لم يأت رد عليها، وبسؤالها عن الحالة المرضية للحالة وقت سؤالهم عنها ومتابعة للشكوى أكدت أنها مازالت على قيد الحياة وبنفس الصورة المرضية وقت تقديم الشكوى.
وهنا تكمن المفاجأة، الحالة توفيت بالفعل يوم الأحد 13/9/2014 أى قبل خمسة أيام كاملة من سؤالنا عن مجرى الشكوى.