صفقات عزرائيل فى ملاعب الكرة
محمد الغنى
أصبح من المعتاد فى السنوات الأخيرة أن نرى بعض العنف فى ملاعب كرة القدم المصرية كإلقاء الشماريخ أو تكسير المقاعد أو التراشق بالحجارة بين الجماهير أو توجيه السباب لبعض اللاعبين، فمع الأجواء الحماسية والرغبة الجامحة من الجماهير فى رؤية فرقهم فائزة قد نجد ما نبرر به ذلك العنف، وأحيانا وصل ولع وجنون الناس بفرقهم إلى تهديد حياة الحكام الذين يتخذون قرارات ليست فى صالح الفريق الذى يشجعونه أو اللاعبين الذين يتسببون فى خسارة فرقهم عن طريق الخطأ بإضاعة ركلة جزاء حاسمة أو إحراز هدف بالخطأ فى مرماهم أو يتركوا أنديتهم وينتقلون إلى أندية أخرى.
بالإضافة إلى رؤساء الأندية الذين يوافقون على بيع لاعبين مهمين فى فرقهم إلى أندية أخرى وقد يمكن تبرير الأحداث السياسية المرتبكة التى شهدتها مصر خلال السنوات الماضية بأنها سبب فى نقل هذه الأصداء إلى الشارع الرياضى، حيث وجدت أرضا خصبة لتنبت وتترعرع.
هذه الظاهرة ليست حديثة، ولكنها موجودة منذ فترة فى ملاعب كرة القدم عامة وفى الكرة المصرية خاصة وأشهر حادثة لذلك ما حدث فى مونديال كأس العالم بالولايات المتحدة حين تسبب اللاعب أندرياس اسكوبار مدافع المنتخب الكولومبى فى خروج منتخب بلاده من الدور الأول حين أحرز هدفا فى مرماه أمام المنتخب الأمريكى، حيث قام أحد المشجعين المتعصبين بقتله أثناء تناوله العشاء فى أحد المطاعم وكذلك تهديد رئيس وزراء بولندا للحكم الدولى الإنجليزى هاورد ويب بالقتل بعد أن أخطأ فى إدارة مباراة منتخب بولندا أمام النمسا وقال بالحرف الواحد لو تمكنت منه، لخنقته بيدي هاتين وقتلته.
أما بالنسبة لهذه الظاهرة فى الملاعب المصرية فقد وجدت أرضا خصبة فى مدن القناة وخاصة فى الإسماعيلية واستفحلت هناك.
وكان آخرها منذ أسبوعين، حيث تلقى اللاعب أحمد العش تهديدا بالقتل عبر رسائل نصية على هاتفه الخاص تطالبه بترك النادى الإسماعيلى بعد أن تسبب فى ضياع ضربة جزاء فى مباراة فريقه أمام نادى وادى دجلة، حيث خرج الإسماعيلى من بطولة كأس مصر ونال على أثرها العش السباب من قبل الجماهير المتعصبة وقام بتحرير محضر بتلك الواقعة.
وقبل 3 سنوات تلقى رأفت عبدالعظيم رئيس النادى الإسماعيلى تهديدا بالقتل من أشخاص مجهولين فى حال بيعه للاعب الفريق عبدالله السعيد للنادى الأهلى وعقب توقيع العقد وضعوه أمام خيارين: إما تقديم استقالته أو القتل.
واستمرارا لمسلسل تهديد اللاعبين فى مدن القناة وصلت رسائل تهديد من قبل بعض جماهير نادى المصرى البورسعيدى لشادى محمد لاعب النادى الأهلى السابق بعد مساندته لجماهير النادى الأهلى عقب مذبحة بورسعيد وعلى أثر ذلك قام بتحرير محضر فى قسم شرطة أول مدينة نصر يحمل رقم .4623
أما الحادثة الأشهر فى مدن القناة فوقعت عام 7002 حينما تم تسريب أخبار مفادها أن حسنى عبدر7به لاعب النادى الإسماعيلى قام بالتوقيع للنادى الأهلى وخرج المئات من مشجعى النادى وتظاهروا أمام منزل اللاعب فى الإسماعيلية حاملين تابوتا ومهددين حياته وحياة أسرته، إما البقاء فى الإسماعيلى أو الرحيل فى هذا التابوت.
وبعيدا عن مدن القناة كانت هناك حالات أخرى كثيرة طالت نجوم كرة القدم المشاهير من تهديد ووعيد من قبل الجماهير أو المناصرين الغاضبين، حيث وصل سيناريو التهديد بالقتل إلى 6 من نجوم الأهلى وهم شريف إكرامى وعماد متعب وسيد معوض ومحمد بركات وحسام غالى ومدير الكرة وقتها سيد عبدالحفيظ عن طريق رسائل نصية ومكالمات على هواتفهم جاء نصها: لعيبة فرطوا فى دم الشهداء والثأر قريبا إن شاء الله وذلك من قبل بعض الجماهير المتعصبة من الألتراس اعتراضا منهم على خوض هؤلاء اللاعبين مباراة السوبر مع فريق إنبى عقب مذبحة بورسعيد.
وكان لنجمى الأهلى المعتزلين محمد بركات وأحمد حسن نصيب من تهديدات المتعصبين وقامت وقتها قوات الأمن بالقبض على المتورطين فى عملية تهديدهم عن طريق خاصية تتبع الهاتف المحمول وقد تبين من خلال التحقيقات أن شخصا واحدا هو من قام بتهديد النجمين وفى النهاية قررا التنازل عن المحضر والصفح عن الجانى.
الشيخ طه إسماعيل المحلل الرياضى يرى أن وجود هذه المشكلة فى مدن القناة هى بسبب كراهيتهم للنادى الأهلى أكثر من التعصب فالجماهير هناك بطبعها متعصبة للإسماعيلى والمصرى، ولكن لو كان انتقال أحد اللاعبين للزمالك أو لأى ناد آخر لما شهدنا مثل هذه التهديدات.
دكتور محمود أبوالعزايم أستاذ علم النفس أكد أن هذه التصرفات لا تتعدى مجرد تهديدات غرضها تفريغ الكبت أو الغضب الموجود لدى هذا الشخص تجاه اللاعب ولا تدخل حيز التنفيذ فالشخص الذى ينوى الإيذاء لا يقوم بإرسال رسائل نصية أو مبتزة.
ومثل هذه الشخصيات يكون سلوكها غير منضبط ولديها تطرف فى التفكير مضيفا: إن المصور النفسى لشخصية كل إنسان هى ثقافته، وهناك نوعان من المشجعين: مشجع يرى مشاهدته لمباريات كرة القدم أنها فن راقٍ يستمتع به، وهناك نوع آخر يقوم بعمل مباريات كرة القدم إسقاطا على مشاكله وتعصبه وتوتره النفسى فيعتبر مباراة كرة القدم بالنسبه له أشبه بمعركة!
وهناك سيكولوجية أخرى تتأثر بها الجماهير وهى الشحن الإعلامى وتعتبر هذه التصرفات تفريغا لهذا الشحن فنقد اللاعبين اللاذع فى البرامج الرياضية والصحف وتشبيههم بالجناة كان له رد فعل لدى القطاع المتعصب والذى يعتبر مهيأ لفعل مثل هذه التصرفات.