الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أنا العطشان ماليش ميّه إلا فلسطين!

أنا العطشان ماليش ميّه إلا فلسطين!
أنا العطشان ماليش ميّه إلا فلسطين!


«ولا ف قلبى ولا عنيّه إلا فلسطين    وأنا العطشان ماليش ميّه إلا فلسطين
 
ولا تشــــــــــــــــــــيل أرض رجليّـــــــــــــــــــــــــــــــا
 
 
  وتنقـــــــــــــــل خطــــــــــــوتـــــــــــــــى الجـــــــــايّــــــــــــــه
 
إلاّ فلسطـــــين.. إلا فلسطــــــــين!»
 
(فؤاد حداد)
 
منذ أن اغتُصبت فلسطين، وتم إعلان الدولة الصهيونية عام 1948،تربت أجيال بعد أجيال، من العرب والمصريين، على أن القضية الفلسطينية هى قضيتهم المركزية الأولى، وأن فلسطين، أو «إقليم الشام»، الأوسع، الذى يضم سوريا والأردن ولبنان، هو خط الدفاع الأخير عن سيادة واستقلال مصر والمنطقة.
 
ولم يكن هذا الأمر اختراعًا جديدًا، أو مفهومًا مصطنعًا أو مختلفًا، على العكس، فمنذ نحو 150 عامًا، أعلن «شريف باشا» الجنرال الفرنسى الذى عمل فى معيِّة «محمد على»، لتحقيق رغبته فى بناء جيش مصرى قوى أن: «أمن الشام يبدأ من جبال طوروس، (على الحدود السورية التركية)، وأمن جبال طوروس يبدأ من ممرات سيناء، وأمن القاهرة يبدأ من هذه الممرات، والشام مفتاح المنطقة»، ولذلك سنرى أن هذا المبدأ، كان استجابة لحقائق التاريخ وشروط الجغرافيا، فكل صنّاع الاستراتيجية الحربية المصرية، وقادتها السياسيين والعسكريين الكبار، من أحمس حتى صلاح الدين، ومن قطز حتى إبراهيم باشا، ومن محمد على حتى جمال عبدالناصر، كانوا ينظرون إلى أمن هذه المنطقة ككتلة واحدة، إذا انهار فى قسم منها تداعت باقى أقسامه، وحينما كان يحيق الخطر بجزء منها، كانوا يُسارعون لملاقاته هناك، خارج الديار، (فى الشام) قبل أن يطل على أسوارنا ويقتحم علينا منازلنا.
 
وليس صدفة أن أغلب التهديدات العميقة لأمن ومصالح مصر العليا، كانت تأتينا من جهة الشرق أيضًا، حتى قبل اصطناع الدولة الصهيونية، التى كان ضمن مهامها الرئيسية على حسب تحديد «الفايكونت بالمرستون»، رئيس وزراء إنجلترا على عهد الإمبراطورية الاستعمارية، (التى لم تكن تغرب عنها الشمس)، فى رسالة وجهها إلى سفيره فى القسطنطينية، يشرح فى سطورها لماذا ينبغى على الخليفة العثمانى، أن يُشجع هجرة اليهود إلى فلسطين: «إن عودة الشعب اليهودى، بموافقة وحماية ودعوة السلطان، سوف تجعله يقف حائلا دون أية مخططات شيطانية مقبلة لمحمد على أو لخليفته»، أى أن أحد أدوار الدولة الصهيونية، التى ستنشئها الدول الاستعمارية فى خاصرة منطقتنا، هو تمزيق لحمة المنطقة، ومنع توحدها تحت عباءة أى نظام حكم مصرى قوى، حتى يتسنى التهام ثرواتها، وبالذات البترول، عصب المدنية الحديثة، وسر تقدم الغرب والعالم.
 
ولقد قدم الشعب المصرى للقضية الفلسطينية، ولأمنه الوطنى والقومى، من خلالها، أعز ما يملك من الدماء الطاهرة والمال والسلاح، وسقط الآلاف من خيرة أبنائها على أرضها المقدسة فداء لمصر والعروبة، بل إن الرئيس الأسبق، الزعيم «جمال عبدالناصر»، سقط وهو يسابق الزمن، ويعاند حاجة جسده المنهك للراحة، وهو يسعى جاهدًا لإيقاف نزيف الدماء الفلسطينية، على يد جيش الملك الأردنى، حسين، خلال وقائع «مذبحة سبتمبر»، أو «مجزرة أيلول» الدامية، عام .1970
 
ويعرف الفلسطينيون المخلصون لقضيتهم وأرضهم، أن دور مصر فى دعم شعب فلسطين، لا غنى عنه ولا تعوضه مساندة قوة أخرى فى الأرض.
 
وأذكر أن القائد الفلسطينى الراحل «جورج حبش» الذى توفى فى شهر يناير عام ,2008 وكان قد شرفنى باختيارى عضوًا فى مجلس أمناء مؤسسة ثقافية، أطلق عليها اسم (الغد العربى)، ترأسها آنذاك، أسرَّ لى، وهو يضم يدى بكلتا يديه، فى ختام حديث طويل، جرى بمكتبه بدمشق، فى ظل تراجع دور مصر بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»: «يا أحمد، إياك أن تتصور أننا كفلسطينيين قادرون وحدنا، على تحرير فلسطين بعيدًا عن مصر.
 
إن جلَّ ما نستطيع عمله أن «نشاغب» حتى لا تُقبر القضية (تموت)، أو يتمكنوا من تصفيتها، حتى تعود مصر، ذات يوم، وكسابق عهدها، إلى قيادة المنطقة وإنقاذ قضيتنا!».
 
والاعتراف بدور مصر فى حماية ودعم نضال شعب فلسطين، حديث ممتد طالما جمعنى بأصدقاء كبار من قادة شعب فلسطين، وفى مقدمتهم الأستاذ «نايف حواتمة»، الزعيم القومى واليسارى الفلسطينى المعروف، والذى لا يترك مناسبة دون الإشادة بدور مصر وعطائها لفلسطين: قضية وشعبا.
 
بل إن الرئيس الفلسطينى المُغتال، والرمز الوطنى العظيم «ياسر عرفات»، (أبو عمار) والذى درس الهندسة بالقاهرة، وعاش بها سنوات طويلة، وظلت أسرته تقطنها حتى بعد رحيله، كان دائمًا ما يتفاخر بلهجته المصرية، وبهواه المصرى، وبكونه حارب فى صفوف جيش مصر ذات يوم!».
 
لكن هذا الأمر لم يكن مجرد مشاعر رومانسية حرص جميع القادة الفلسطينيون المسئولون على إبدائها، وإنما كانت تعكس، بالأساس فهمًا عميقًا للصالح الفلسطينى العام، الذى لا يمكنه الاستغناء عن مصر ودورها أبدًا، ولذا ظلت العلاقة بين مصر وفلسطين خطًا أحمر، يحرص الطرفان على استمرارها مهما كان بينهما من خلافات، وحتى فى أشد لحظات فتور العلاقة بين الطرفين، حرصا على ذلك لمصلحة شعب فلسطين فى المقام الأول، الذى يرتبط بعلاقات النسب والعمل والتعليم مع مصر، الأخت الكبرى، كما أنه يدرك ألا بديل لمصر فى كل لحظة فارقة حين تحيط بقضيتهم المخاطر، وتهددها التحديات من كل حدب وصوب، كما يحدث الآن.
 
لكن عواصف عاتية عصفت بهذه القواعد الثابتة فى العلاقة بين البلدين الشقيقين، صاحبت استيلاء حركة «حماس» الجناح الفلسطينى لجماعة الإرهاب الإخوانية، على السلطة فى غزة، ليلة الرابع عشر من يونيو 2007 أى منذ أكثر من سبع سنوات، بعد صدام دام ضد باقى أبناء شعب فلسطين.
 
وحينما تم انقضاض جماعة الإخوان على مقاليد الحكم فى مصر فى 30 يونيو 2012 عاشت حماس سَكرة النصر، إذ دان لجماعتها مُلك مصر الكبيرة كما توهمت، وأصبحت على مرمى حجر من تحقيق مطامحها فى سيناء، وانفتحت لها الأبواب على الغارب، فتدفق السلاح والإرهابيون، وشّقّت آلاف الأنفاق، يُهرّب من خلالها، وبإذن «حماس» وإشرافها، كل شىء: البشر والمخدرات، والسيارات والسلاح، لا بأس ما دامت تجنى المليارات من الدولارات، نصيبها (الحلال!)، الذى يدخل جيوبها كل عام.
 
ولذلك لم يكن مستغربا هذا الموقف الأحمق، والعصبى، من «حماس» تجاه شعب مصر وثورته فى 30 يونيو .2014
 
تجاهلت «حماس» قضية شعبها العادلة، واحتياجها الماس لرص الأصدقاء من حولها، وبدلا من أن تلبى حاجاته وتحفظ أمنه، وتتحرك لتلبية متطلبات وجوده، تبنت مواقف جماعة «الإخوان» الإرهابية، وبددت جهدها فى تشويه نضال مصر وشعبها وجيشها، والتحريض على أمنها وسلامتها، وأعماها انحيازها لجماعتها عن الخطر على المصالح العليا للقضية الفلسطينية، والتى لا يتصور عاقل إمكانية الحفاظ عليها، دون دعم مصر وحمايتها.
 
وقد ذكرت فى أواخر عام 2012 أثناء مؤتمر للتضامن مع شعب فلسطين، عُقد فى ظل حكم مرسى، بمركز إعداد القادة بالعجوزة، تحت رعاية المناضل الوطنى المهندس يحيى حسين عبدالهادى، ووسط الامتعاض الواضح لعدد من قادة حماس وجماعة الإخوان الحاضرين، أن القضية الفلسطينية تعرضت لثلاث ضربات قاصمة: الأولى عام 1948 باغتصاب فلسطين، وطرد أصحاب الأرض، وإعلان الدولة الصهيونية.
 
والثانية، بوقوع هزيمة 1967 الكارثية، وما ترتب عليها من نتائج أهمها تحطيم الجيش المصرى، والذى قدم الشعب ملحمة بطولية عظمى لإعادة بنائه، والعبور به إلى ضفة الحرية.
أما الثالثة، وهى الأخطر، فهى وصول الإخوان للسلطة فى مصر، حيث ستدفع سياساتهم الخرقاء، المصريين للنفور من كل من وما يمت لهم بصلة، وفى مقدمتهم «حماس» ذراعهم الإخوانية فى فلسطين!
ورغم كل شىء، فإن الأخ الكبير لا يتخلى عن مسئولياته مهما جرى، ولا يدير الظهر لواجباته مهما حدث!
 
فشعب فلسطين ليس حماس وحسب، وغزة ليست الإخوان وحدهم، والدم المراق على الأرض الطاهرة هو دمنا والجرح جرحنا.
 
والمدهش أن البعض بضيق أفقه ونزقه، لا يُقَدِّر عواقب خلط الأوراق، فيطالب الجيش الوطنى المصرى، الذى قتل الصهاينة آلافًا من أشرف مقاتليه، ودفنوا فى رمال سيناء وعلى ربى فلسطين، بأن يتعاون مع جيش العدو التاريخى، إسرائيل، التى خُلقت لتحطيم كل محاولات نهوض مصر والمنطقة، ولتحطيم إمكانات جيشها وقدراته الاستراتيجية، والتى هدمت بيوتنا ومصانعنا ومدارس أطفالنا، بالأمس القريب، كما يحدث فى فلسطين اليوم، ويتصور هذا البعض أن ذلك سيكون أمرًا مناسبًا للانتقام من شعب فلسطين، بسبب «حماس» وأخطائها الاستراتيجية، بل وخطاياها فى حق مصر وشعبها!
 
اليوم تجاوز عدد الشهداء، الذين سقطوا فى الهجمات الصهيونية الغادرة السبعمائة شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثرمن أربعة آلاف جريح ومصاب، وآلاف البيوت والمدارس والمعامل والطرق والكبارى والمرافق الأساسية حطمتها آلة الخراب الإسرائيلى، وتلفت فلسطين، فلا تجد إلا مصر ومحيطًا من المزايدات الكلامية، والمناورة الرخيصة من تركيا وقطر وعصابات الإخوان وفلول نظام مرسى وأعوانه.
 
ومصر أساسًا هى التى تستطيع اليوم أن تمد يد العون، لأشقائها الفلسطينيين دون تورط فى منزلقات لا تستطيع تحمل تبعاتها الآن، لكنها رغم ذلك لديها الكثير لتفعله.
 
فالضغط بكل السبل المتاحة لإيقاف العدوان الهمجى، وتوفير الجوانب الإنسانية، والدعم الطبى، والإسناد السياسى والدبلوماسى، فى كل صوره الممكنة، واجب لا ينبغى التأخير فى النهوض بمسئولياته.
 
وعلى الأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدنى الوطنية، والمفكرين ورجال الفن والفكر والإعلام، أن يُعلوا صوت مصر الثورة والانحياز للعدل والحرية وكرامة البشر، على وقع أصوات التدمير والقتل والخراب.
 
صهاينة اليهود يقتلون الفلسطينيين غيلة، وصهاينة التكفيريين الإرهابيين يقتلون المصريين غدرًا، وفى الوقت الذى يدمر فيه الصهاينة بيوت الناس فى «أرض الرباط»، لم نر سلاحا من أسلحة الكذبة والمدّعين، من «سرايا أكناف بيت المقدس»، وباقى عصابات القتل والترويع، يُرفع فى وجه أعداء فلسطين، و«الملايين» التى طالما صرخ «الإخوة» بأنها: «على القدس زاحفين»، أصابها العمى، وأقعدها الكساح، وأسكتها الخرس، لأنها لم تتلق الأمر، حتى الآن من «صبى قطر» المغناج، أو من «وقح استانبول»، عميل حلف الناتو، الأخ «رجب طيب باشا أردوغان»!
 
لن ينتصر شعب فلسطين فى معركة ضد الصهيونية المجرمة، إلا إذا انتصر شعب مصر على إرهاب إخوان الشيطان وحلفائهم.
 
لابد أن يكون هذا واضحًا، فكلانا فى حالة حرب ضد الإرهاب بكل وجوهه: الإرهاب المتصهين، والإرهاب (المتدين) وجهان لعملة زائفة واحدة، مكانها مزبلة التاريخ!!