الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفن برىء حتى تثبت إدانته

الفن برىء حتى تثبت إدانته
الفن برىء حتى تثبت إدانته


 
وقائع التحرش التى وقعت ليلة تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى الأسبوع الماضى، ما هى إلا تطبيق عملى لفيلم (حلاوة روح)، الذى منعته الدولة من العرض منذ أكثر من شهر، على الرغم من أنها ليست الأولى فى المظاهرات إلا أن انتشار الفيديو الذى رصد واقعة التحرش كان صادما للكثيرين، مما أعطى للقضية بعدا مدويا، فلطالما دفن المجتمع رأسه فى الرمال عن بلاغات التحرش الجماعى الذى تتعرض له فتيات وسيدات فى مظاهرات عدة، ملقين اللوم على الفتاة على أنها العنصر المدان دائما وأبدا.
 
وجود حدث لم يتعد عمره الأربعة عشر عاما ضمن المتهمين مرتكبى جريمة التحرش، يجعلنا نسأل: ما الذى تعرض له هذا الحدث حتى يعرف الاغتصاب والتحرش، هل ما يقدم من فن من نوعية (هاتى بوسة يا بت) و(قلعته ولبسته) و(البلح البلح) وافلام السبكى التى تعتمد على الإثارة سبب فى وجود ثقافة التحرش؟
 
الناقد الفنى طارق الشناوى قال لنا: الفن الهابط لم يبدأ بشعبان عبدالرحيم وتوابعه من مغنيين، الفجور موجود فى النفس الإنسانية والله ذكر ذلك فى كتابه العزيز عندما قال (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، إذا الفجور جزء من تركيبة الإنسان، ولكن مسئولية إظهارها وتهذيبها تقع على عاتق الأسرة والتعليم، وهذا ليس دفاعا عما يقدم من أفلام هابطة أو بورنو، ولكن أفلام البورنو أصبحت أكثر تداولا على شبكة الإنترنت ومجانيا، اليوتيوب ملىء بتلك النوعية الرديئة من الأفلام، حتى عندما قررت الحكومة إغلاق المواقع الإباحية لم تفعل، فكرة أن الفن هو أساس ما يحدث من انفلات أخلاقى غير صحيحة على الإطلاق، بدليل أن الشوارع مليئة بالخمارات والبارات الموجودة فى مصر منذ بدايات القرن الماضى، ولكن كان الشارع أكثر انضباطا، ولم تقع وقائع تحرش، النفس البشرية لديها التمييز الكافى لأن تفرق بين ما تراه وبين ما تطبقه لقد رزينا أفلاما كان البطل فيها بيحشش والناس لم تتخذه كسلوك يتبع، فترة السبعينيات كان بها أفلام بها مشاهد أكثر سخونة وتميل لأن تكون واقعية عما نراه اليوم فى الأفلام، ولكن لم نسمع بوقائع اغتصاب أو تحرش جماعى فى الشارع، الفن ما هو إلا مرآة لما يحدث وإلا يكون كالنعام الذى يدفن رأسه عن مشاكل المجتمع، هل إذا قدمنا فنا معقما سيكون المجتمع معقم، بالقطع لا، حتى كبار الفنانين قدموا فنا رديئا عبدالوهاب غنى أغنية اسمها (فيك عشرة كوتشينة)، وكان آخر الأغنية يقول (تيجى نلعب برهان)، لو بالمفهوم الذى يريد المجتمع تطبيقه فالأغنية تحض على لعب القمار وهو فعل محرم دينيا وقانونيا وبالتالى كان يجب منع إذاعتها، وهذا لم يحدث، كما لم يقدم أحد بلاغا ضد عبدالوهاب!!، أما عن مواجهة هذه النوعية من الأعمال سواء كانت غنائية أو سينمائية هو من خلال دعم الفن الجيد فى المقابل، فمثلا أغنية السح دح امبو تعد هابطة، بمعايير المجتمع آنذاك، وعلى الرغم من ذلك سمعها الشعب وكان يتغنى بالأطلال التى كان يتغنى بها حتى الأميون غير المتعلمين، دعم الثقافة السمعية لدى الناس هو ما كان موجودا حتى السبعينيات.
 الكاتب والمفكر د. جابر عصفور قال لنا: توقفوا عن جعل الفن شماعة لأخطاء سياسة دولة بأكملها، لا تبحثوا عن كبش فداء، ما يقدم من فن فعلا ردىء ولكنه ليس محرضا، فساد اخلاق الناس يرجع إلى سوء الأحوال الاقتصادية، انهيار منظومة التعليم على مدار أربعة عقود، عجز الدولة عن النهوض اقتصاديا والعنف الموجود فى دراما التليفزيون، إلى جانب شبكة الإنترنت المليئة بأفلام البورنو، معالجة الانفلات الأخلاقى الموجود فى الشارع ليس بفرض الرقابة ومصادرة الفن، ولكنه بعمل خطة استراتيجية وزيادة دور أجهزة ومؤسسات التوعية وهو ليس مقصورا على وزارة الثقافة فقط، بل على وزارات الإعلام والتربية والتعليم والأوقاف والشباب، مع وجود قوة صارمة تطبق القانون والعقوبات الرادعة حتى لا يستهين الناس بالجريمة.
 
 من جانبه يرى الكاتب الصحفى والناقد الفنى مصطفى بيومى أن الفن ما هو إلا انعكاس لواقع يعبر عنه ويصب فيه، فيقول : «مفهوم الفن الهابط مفهوم نسبى تختلف معاييره من شخص لآخر، وما هو هابط فى السبعينيات نراه الآن جيدا ولهذا صعب جدا أن تضع معايير محددة للقياس عليها، فيلم (زوجتى والكلب) لسعيد مرزوق هو أقرب ما يكون لشريط جنسى طويل أكثر منه فيلما، لكن فى نفس الوقت اللغة المكتوب بها الفيلم هى أقرب للشعب منها إلى لغة حوار عادى، الخلاف ليس على الأفلام أو المشاهد الجنسية، ولكن كيفية معالجة الجنس فى الأفلام، فهل هو ضمن سياق التوظيف الفنى وضمن بنية العمل الدرامى أم هو جنس للجنس، إذا فالموضوع مرتبط بالرؤية الشاملة لمضمون الفيلم وليس لمضمون الصورة، الدليل على ذلك أن أفلام الستينيات والسبعينيات كان بها لقطات جنسية كثيرة سواء لشمس الباردوى أو ناهد شريف، لكننا لم نسمع بواقعة تحرش أو اغتصاب، وكان أقصى سلوك مبتذل لشاب هو المعاكسة اللفظية، إذن لا يوجد ضوابط أو مفاهيم أو معايير للفن الجيد أو الهابط، وذلك لا يعنى أننى أدافع عن الأغانى الشعبية أو أغانى التوك توك، فهى أعمال مبتذلة لا تندرج تحت كلمة فن، ولكن علينا أن نضع أيدينا على المشاكل التى كانت سببا فى ظهور حالات التحرش الجماعى فى الشارع والتى لا تعد السابقة الأولى من نوعها، وهى أولا المشاكل النفسية : نحن نتغافل أن النضج الجنسى للشاب يكون عند بلوغه 15 عاما فى حين أن متوسط عمر الزواج فى مصر وهو 35 عاما أى أنه يظل يعانى من الكبت الجنسى طوال 20 عاما بسبب صعوبات وجود عمل، ومن ثم صعوبات فى الزواج الذى يعد الإطار المقبول لدى المجتمع، لتفريغ الكبت الجنسى، ثانيا : هناك فراغ ثقافى ناتج عن غياب القراءة والاطلاع والتعرض للأنواع المختلفة من الفنون كالفن التشكيلى أو الموسيقى، فخلقت حالة من الفراغ والخواء،لا توجهوا سهام اتهاماتكم للفن، لأنه ليس صانع الانحراف ولكنه تجليات للفساد وانعكاس لما يحدث فى المجتمع.
 
 أما عن الحلول فى مواجهة الفن المبتذل فيقول بيومى : هناك حلول كثيرة لمواجهة ذلك النوع من الفن المبتذل، لا تتضمن المنع أو مصادرة تلك الأعمال من قبل الحكومة أو الجهات الدينية، فالحل هو المقاطعة، مقاطعة ما يتم تقديمه من فن هابط سيلحق الضرر بشركات الإنتاج، خاصة أن تكلفة الفيلم تتعدى الملايين ومع تكرار الخسائر ستجعل أصحاب هذه الشركات تعيد التفكير فى نوع ما يقدمونه من فن، أما الحل الثانى فهو التجريس، بمعنى أن يتم عمل لجنة من خبراء ومتخصصين وفنانين من أصحاب المهنة وإبداء الرأى فى ما يقدم من أعمال، فإذا كان سيئا يتم إعلان ذلك داخل الوسط الفنى حتى يكف الفنانين عن التعامل معه، وهذا لا يعنى ألا ندرس القضية بشكل جاد وتكاملى مع وضع حلول استراتيجية على مستوى مؤسسات التعليم والثقافة والأوقاف وغيرها من المؤسسات المعنية، لأن المشكلة لن تنتهى بين يوم وليلة.