الأربعاء 31 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بين الدراما والفتوى والـAI وغزة

معارك الأزهر فى 2025

لم يكن عام 2025 عامًا تقليديًا فى مسار الأزهر الشريف، بل شكّل لحظة فارقة فى تاريخ المؤسسة الدينية الأعرق فى العالم الإسلامى، حيث تداخلت ساحات الصراع، وتعددت أدوات الاشتباك، وتحوّلت قضايا الدين من المجال الفقهى الهادئ إلى قلب الجدل العام والسياسى والإعلامى.



 الخطاب الدينى

خلال 2025 وجد الأزهر نفسه فى مواجهة مفتوحة مع قوى متباينة، لا يجمع بينها سوى السعى إلى إعادة تشكيل الخطاب الدينى، أو توظيفه، فى وقت يشهد فيه العالم اضطرابًا غير مسبوق على المستويات السياسية والثقافية والتكنولوجية.

لم تكن تلك المواجهات اختيارًا، بل جاءت بوصفها رد فعل مؤسسى على وقائع فرضها الواقع، من شاشات الدراما التى أعادت فتح جراح التاريخ، إلى القوانين المنظمة للفتوى، مرورًا بالتحديات غير المسبوقة التى فرضها الذكاء الاصطناعى، وصولًا إلى أخطر المعارك وأكثرها حساسية، وهى معركة الأزهر مع الخطاب الصهيونى على خلفية القضية الفلسطينية.

التاريخ والأزهر

مع بداية الموسم الرمضانى لعام 2025، تفجّر جدل واسع حول مسلسل «معاوية»، الذى تناول مرحلة شديدة الحساسية من التاريخ الإسلامى، تتقاطع فيها السياسة بالدين، وتتشابك فيها الروايات التاريخية مع المواقف العقدية.

العمل الدرامى، منذ الإعلان عنه، أثار مخاوف حقيقية تتعلق بتجسيد شخصيات من الصحابة والخلفاء، وما يحمله ذلك من مخاطر تتجاوز الفن إلى العقيدة والوعى الجمعى.

موقف الأزهر لم يكن جديدًا، بل كان امتدادًا لرؤية فقهية مستقرة ترفض تجسيد الصحابة، باعتبار أن ذلك يفتح الباب لتقديس الصورة أو تشويهها، ويحوّل الرموز الدينية إلى مادة للاختلاف الشعبى والانقسام المذهبى.

 تنظيم الفتوى

وفى موازاة الجدل الدرامى، شهد عام 2025 نقاشًا واسعًا حول قانون تنظيم الفتوى، الذى استهدف ضبط حالة الفوضى فى إصدار الفتاوى العامة، خاصة عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعى؛ الأزهر أبدى ترحيبًا بمبدأ التنظيم، لكنه تحفَّظ على بعض الصياغات التى رآها تمس جوهر المرجعية الدينية.

من وجهة نظر الأزهر، الفتوى ليست قرارًا إداريًا، بل هى نتاج علمى معقد يقوم على فهم النص والواقع والمآلات، ولا يجوز اختزالها فى جهة واحدة أو توزيعها دون ضوابط علمية دقيقة.

المؤسسة الأزهرية أكدت أن أى تنظيم لا  بد أن يرسخ ثقة المجتمع فى المرجعيات الدينية، لا أن يخلق ازدواجية أو تضاربًا فى مصادر الإفتاء؛ هذه المعركة تمت بهدوء، بعيدًا عن الصدام الإعلامى، لكنها كشفت عن حساسية العلاقة بين الدين والدولة، وضرورة الحفاظ على استقلالية الفتوى، بوصفها أحد أعمدة الاستقرار الدينى والاجتماعى.

 الذكاء الاصطناعى

ومن أكثر التحديات حداثة وإرباكًا فى عام 2025، صعود تطبيقات الذكاء الاصطناعى التى تقدم إجابات دينية فورية، وتتعامل مع النصوص الشرعية بوصفها بيانات قابلة للمعالجة الآلية؛ الأزهر تعامل مع هذا الملف بوعى استباقى، محذرًا من تحويل الفتوى إلى منتج رقمى منزوع الروح والسياق.

علماء الأزهر شددوا على أن الفقه الإسلامى لا يقوم على حفظ النصوص فقط، بل على إدراك المقاصد وفهم الواقع الاجتماعى والنفسى والاقتصادى للسائل، وهى عناصر لا تستطيع الخوارزميات استيعابها.

 الأزهر وإسرائيل

ووسط هذه الملفات، جاءت المعركة الأخطر والأوسع صدىً، مع تصاعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة خلال 2025، وما صاحبه من جرائم قتل وحصار وتهجير قسرى.

الأزهر اتخذ موقفًا صريحًا لا لبس فيه، وأصدر بيانات متتالية أدان فيها ما وصفه بـالجرائم ضد الإنسانية، مؤكدًا أن الصمت على قتل المدنيين خيانة للقيم الدينية والإنسانية.

هذه المواقف وضعت الأزهر فى مواجهة مباشرة مع الخطاب الصهيونى، الذى سعى إلى نزع الشرعية الأخلاقية عن أى صوت دينى ينتقد سياسات الاحتلال.

فى هذا السياق، خرجت تصريحات إسرائيلية تتهم الأزهر بالتحريض ومعاداة السامية، فى محاولة لخلط المفاهيم وتسييس المصطلحات، وصرحت السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى القاهرة، أميرة أورون، بأن خطاب الأزهر تجاه إسرائيل يتسم بـ«عداء شديد»، وذهبت إلى حد الزعم بأن هذا الخطاب يقترب من معاداة السامية، وهو اتهام قوبل برفض واسع من دوائر دينية وفكرية.

ولم تكتفِ تل أبيب بهذا، بل شنّت حملة انتقاد مباشرة منها القناة 14 الإسرائيلية وصفت الإمام الأكبر بأنه «روح العداء تجاه إسرائيل فى العالم الإسلامى»، واتهمت الأزهر بـ«التحريض وإثارة الحنق فى الشارع العربى».

واعتبرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن «الأزهر»- أكبر مؤسسة سنية فى العالم- يشعل خطاب الكراهية ضد إسرائيل ويحرّض العالم الإسلامى، بينما حذرت معاريف من أن لهجة الأزهر قد تؤثر على صورة إسرائيل عالميًا وتغذى حملات المقاطعة.

فيما تحولت بيانات الأزهر إلى مادة للنقاش فى الكنيست، وتثير موجات انتقاد فى الإعلام العبرى، حيث تُتهم بأنها «تحريضية» و«معادية للسلام».

 شيخ الأزهر

الرد الأزهرى جاء حاسمًا وواضحًا، وعلى أعلى مستوى، حيث أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى تصريح مباشر أن: «نقد الاحتلال وجرائمه لا علاقة له بمعاداة السامية، فاليهودية ديانة سماوية نوقرها ونحترم أتباعها، لكننا نرفض قتل الأبرياء واغتصاب الأرض وتشريد الشعوب»، هذا التصريح وضع حدًا لمحاولات الخلط المتعمد بين نقد الصهيونية والكراهية الدينية، وأعاد تعريف المعركة بوصفها صراعًا أخلاقيًا لا دينيًا.

مرصد الأزهر لمكافحة التطرف دعم هذا الموقف، مؤكدًا أن استخدام مصطلح معاداة السامية فى هذا السياق ليس سوى أداة سياسية لإسكات النقد.

 معركة المفاهيم

لم تكن تلك المواجهة موجهة للرأى العام المحلى فقط، بل للرأى العام العالمى، حيث يسود خطاب يُجرّم انتقاد إسرائيل تحت لافتة حماية الأقليات الدينية، الأزهر خاض فى 2025 معركة المفاهيم، مؤكدًا أن الدفاع عن الشعب الفلسطينى ليس موقفًا دينيًا متحيزًا، بل التزام إنسانى وأخلاقى.

فى هذه المعركة، برز الأزهر بوصفه أحد الأصوات القليلة التى فرّقت بوضوح بين الدين والسياسة، وبين الإيمان والاحتلال، فى وقت اختلطت فيه الأوراق لدى كثير من المؤسسات الدولية.

 الهوية والقيم

إلى جانب كل ما سبق، خاض الأزهر خلال 2025 معركة هادئة لكنها عميقة، تتعلق بالهوية الدينية فى ظل ضغوط ثقافية متزايدة، وذلك فى قضايا الأسرة والأخلاق والقيم، حيث تمسك الأزهر بخطاب يؤكد ثبات الأصول مع مرونة الاجتهاد، رافضًا اختزال التجديد فى التفريط أو القطيعة مع المرجعية.

المعركة لم تكن محل ضجيج إعلامى، لكنها حضرت بقوة فى خطب الإمام الأكبر وبيانات المؤسسة، التى شددت على أن الدين ليس عائقًا أمام التطور، بل ضامنًا لإنسانيته.

ويبقى السؤال: لماذا كان 2025 عامًا مفصليًا للأزهر؟ والإجابة أن الأزهر واجه فى عام واحد: دراما تعيد كتابة التاريخ، وقوانين تعيد رسم خريطة الفتوى، وتكنولوجيا تنافس العلماء.. إضافة إلى ذلك كله واجه خطابًا صهيونيًا يخلط بين النقد والكراهية.. وفى كل ذلك، اختار الأزهر الدفاع عن الوعى لا النفوذ، وعن المعنى لا السلطة.

 

العاصفة

معارك الأزهر فى 2025 لم تكن علامة ضعف، بل دليل حضور وتأثير فى المؤسسة التى ما زالت قادرة على التأثير فى الوعى العام، وفى عالم مضطرب، بدأ الأزهر متمسكًا بدوره التاريخى كمرجعية لا تخضع للاستقطاب؛ وصوتًا دينيًا لا ينفصل عن العدالة، وحارسًا للقيم فى زمن السيولة.