الأحد 28 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
 حين تتحول المسئولية المجتمعية من شعار إلى فعل

حين تتحول المسئولية المجتمعية من شعار إلى فعل

لم تَعُد التنمية المجتمعية فى مصر مجرد مفهوم نظرى أو بَند يُدرَج فى الخطط الاستراتيجية؛ بل أصبحت ضرورة وطنية تفرضها تحولات اقتصادية واجتماعية متسارعة، وتحديات معيشية تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص.. وفى هذا السياق، تبرز المسئولية المجتمعية بوصفها الأداة الأهم لتحويل التنمية من سياسات مكتوبة إلى واقع ملموس يشعر به المواطن فى حياته اليومية.



لقد قطعت الدولة المصرية شوطًا كبيرًا فى ترسيخ مفهوم التنمية الشاملة، التى لا تقتصر على النمو الاقتصادى فقط؛ بل تمتد لتشمل الإنسان بوصفه محورَ التنمية وغايتها.. فالمبادرات القومية التى أطلقتها الدولة، وعلى رأسها مبادرات «الحماية الاجتماعية، وتمكين المرأة، ودعم الشباب، وتطوير الريف المصرى»، تؤكد أن التنمية المجتمعية أصبحت نهجًا مستدامًا لا إجراءً مؤقتًا.. غير أن نجاح هذه الجهود يظل مرهونًا بمدى تفاعل المجتمع بمختلف مكوناته مع هذه الرؤية.

وفى هذا الإطار؛ لا يمكن الحديث عن التنمية المجتمعية فى مصر دون التوقف أمام الجهود الواسعة التى تبذلها الدولة لترسيخ هذا المفهوم على أرض الواقع.. فقد تبنّت مصر خلال السنوات الأخيرة رؤية تنموية شاملة، تُوِّجت بإطلاق مبادرات قومية كبرى استهدفت تحسين جودة حياة المواطنين؛ خصوصًا فى المناطق الأكثر احتياجًا.. وجاءت مبادرة «حياة كريمة» نموذجًا بارزًا لهذا التوجه؛ حيث لم تقتصر على تطوير البنية التحتية؛ بل امتدت لتشمل تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير فرص العمل، ودعم الفئات الأولى بالرعاية، بما يعكس فهمًا عميقًا لمعنى التنمية المجتمعية المستدامة.

كما عملت الدولة على تعزيز البعد الإنسانى والاجتماعى فى سياساتها الاقتصادية، من خلال التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية، ودعم التمكين الاقتصادى للمرأة والشباب، وتشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر باعتبارها ركيزة أساسية لخَلق فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية.. وتواكب هذه الجهود توجهًا واضحًا نحو إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدنى كشركاء فاعلين فى عملية التنمية، بما يرسخ ثقافة المسئولية المجتمعية ويحولها إلى ممارسة مؤسّسية تسهم فى دعم الاستقرار الاجتماعى وبناء مجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على مواجهة التحديات.

وهنا يأتى الدور الجوهرى للمسئولية المجتمعية، التى لم تَعُد ترفًا أخلاقيًا أو نشاطًا دعائيًا؛ بل التزام وطنى يعكس وعى المؤسّسات بدورها تجاه المجتمع.. فالمسئولية المجتمعية، حين تُمارَس بصدق، تسهم فى سد الفجوات التنموية، وتدعم الفئات الأكثر احتياجًا، وتخلق فرصًا حقيقية للتعليم والتدريب والتشغيل، بما يعزّز من استقرار المجتمع وتماسكه.

إن الربط بين التنمية المجتمعية والمسئولية المجتمعية فى مصر يمثل معادلة نجاح حقيقية؛ حيث تتحول الشركات والمؤسّسات من كيانات اقتصادية تسعى للربح فقط؛ إلى شركاء فى البناء والتنمية.. فالمؤسّسة التى تستثمر فى تعليم الشباب، أو تدريب العمالة، أو دعم المشروعات الصغيرة، لا تخدم المجتمع فحسب؛ بل تضمن استدامة أعمالها وتخلق بيئة اقتصادية واجتماعية أكثر استقرارًا.

كما يلعب المجتمع المدنى دَورًا محوريًا فى هذه المنظومة، من خلال قدرته على الوصول إلى الفئات المهمشة، ورصد احتياجاتها الحقيقية، وتحويل المسئولية المجتمعية إلى برامج فعالة تمس حياة الناس بشكل مباشر.. وقد أثبتت التجربة المصرية أن التعاون بين الدولة والجمعيات الأهلية والقطاع الخاص يمكن أن يُحدث فارقًا حقيقيًا، متى توافرت الشفافية وحُسن الإدارة وتكامل الأدوار.

ولا يمكن إغفال أهمية الوعى المجتمعى فى إنجاح هذه المنظومة، فالتنمية لا تُفرَض من أعلى؛ بل تُبنَى بمشاركة المواطنين أنفسهم.. وعندما يشعر الفرد بأنه جزء من عملية التنمية، ومسئول عنها، يتحول من متلقٍ للخدمة إلى شريك فى الحفاظ عليها وتطويرها.. وهنا تتجلى قيمة المسئولية المجتمعية كثقافة وسلوك، لا كمجرد مبادرات موسمية.

إن مصر اليوم أمامَ فرصة تاريخية لترسيخ نموذج تنموى متكامل، يقوم على الشراكة والمسئولية والعدالة الاجتماعية.. نموذج يدرك أن التنمية المجتمعية لا تنجح دون مسئولية مجتمعية واعية، وأن المسئولية المجتمعية تفقد معناها إن لم تصب فى صالح تنمية حقيقية ومستدامة.. وبين هذا وذاك؛ يظل الإنسان المصرى هو الرهان الحقيقى، وهو الهدف الأسمَى لكل جهد تنموى صادق.