عبد القادر شهيب
من الانفتاح إلى الانبطاح أمام شركات توظيف الأموال
سنوات الحـرب علـى «القطـط السمــان»!
سنواتى فى «روزاليوسف» كانت سنوات قتال صحفى مستمر لا يتوقف.. البداية كانت حملة صحفية حول القطط السمان وهو الوصف الذى أطلقه الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق على الأغنياء الجدُد فى سبعينيات القرن الماضى الذين راكموا ثروات ضخمة بالكسب السهل السريع الذى أتيح لهم بعد أن تقررت رسميًا سياسة الانفتاح الاقتصادى التى أسماها أستاذنا الكبير أحمد بهاء الدين «انفتاح سداد مداح»!..
وختام هذه السنوات أكبر حملة صحفية ضد شركات توظيف الأموال التى غرر أصحابها بالمواطنين واستولوا على مدخراتهم. وبددوا هذه المدخرات الوطنية فى مضاربات بالبورصات الأجنبية وإنفاق يتسم بالبذخ وشراء بعض الشخصيات النافذة والتى عرفت بـ«كشوف البركة» التى ضمّت مسئولين سابقين ورجال دين وإعلاميين وصحفيين!
وما بين البداية والختام تم إبعادى قسرًا بعد انتفاضة يناير 77 عن «روزاليوسف» لنحو تسعة أعوام لجأت فيها إلى جريدة «الشعب» الناطقة باسم حزب العمل الاشتراكى، الذى فقد هويته السياسية فى سنواته الأخيرة بتحالفه مع الإخوان فى الانتخابات البرلمانية.. وطال هذا اللجوء حتى عام 86.
حملة البداية وحملة الختام
وقد كانت حملة البداية فى عام 76 بتكليف من فنان الصحافة المصرية الأستاذ صلاح حافظ، الذى كان يشارك أديبنا الكبير فتحى غانم فى رئاسة تحرير المجلة، وحققا خلالها نجاحًا كبيرًا.. وبدأت الحملة بتحقيق عن قطط المقاولات واستمرت لتتناول القطط السمان فى شتّى مناحى ومجالات الاقتصاد، واحتل العنوان الرئيسى على غلاف المجلة، واستمر الغلاف يحتضن عنوان كل حلفة من حلقات الحملة.
أمّا حملة الختام فعلها أطول حملة فى الصحافة المصرية؛ فقد استمرت لسنوات، وبدأت بمبادرة منّى شخصيًا عندما استشعرت خطر شركات توظيف الأموال اقتصاديًا المتمثل بتبديد المدخرات الوطنية، وسياسيًا المتمثل فى استغلال الإخوان لها، واجتماعيًا بالاستيلاء على مدخرات الطبقة المتوسطة، فضلاً عن نشر الفساد فى المجتمع والترويج لقيم الكسب السهل السريع، وتخريب قيمة العمل.. واستمرت تلك الحملة بعد أن تهاوت تلك الشركات وافتضح أمرها وقيام الدولة بتحمُّل مسئوليتها تجاه التخريب الذى قامت به فى المجتمع.. وشاركنى بشجاعة فى هذه الحملة الطويلة عدد من الزملاء الشبان، تعرَّض أحدهم وهو الزميل إبراهيم خليل لاعتداء عُمال فى مشروع لإحدى هذه الشركات، وحفّزنا ذلك أن اختار عنوان بلطجية توظيف الأموال عنوانًا رئيسيًا للعدد التالى لهذا الاعتداء.. وتمسكت باستمرار الحملة الصحفية رغم رغبة رئيس مجلس الإدارة وقتها فى إنهائها، فما كان منه إلا أن كتب مقالاً فى المجلة يهاجم فيه من يهاجمون شركات توظيف الأموال ويدافع عن فسادها!.. وتُعَد حملة توظيف الأموال هى دُرَّة التاج فى حملاتى الصحفية التى تعددت وتنوعت خلال عمرى الصحفى الممتد ما بين صحافة قومية وصحافة حزبية وصحافة خاصة، وما بين إصدارات يومية وأخرى أسبوعية!
لذلك أنا شديد الاعتزاز بسنوات عملى فى «روزاليوسف».. فقد عملت مع أساتذة كبار تعلمت منهم الكثير وزملاء أعزاء شاركتهم تجربة أن يكون الصحفى صاحب رسالة ويملك مصداقية ولا يَخدع أو يغش القراء أو يضللهم، وحريص على قول الحقيقة كاملة بعد التأكد من سلامتها وصحتها ولا يهاب أحدًا أو يخشى التداعيات.
وهكذا كانت سنواتى فى «روزاليوسف» هى سنوات تألق رغم أنها كانت سنوات قتال صحفى مستمر ومتنوع وعلى جبهات متعددة، وإن كانت الجبهة الاقتصادية هى الأهم والأبرز .
وهذا ليس بغريب؛ فإن هذه المجلة التى بلغ عمرها قرن من الزمان أنشأتها السيدة «فاطمة اليوسف» مطبوعة صحفية مقاتلة، ومنها تعلمت كيف يدافع الصحفى عن الحق دون أن يرتكب خطأً أو كما قالت أن يجرح دون أن يُسيل دما!











