الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بلـقـيس

بلـقـيس
بلـقـيس


 
دائما هى الضحية..
 
رغم أنها الأم والزوجة والابنة والحبيبة، تتحمل دوما فقد الراحلين .. أحيانا هى الشهيدة.
 
ففى زمننا العربى «القبيح» لا تفرق القنبلة بين الزهرة والأفعى وما بين النخلة والحنضل.
 
ونبل الحياة يأتى من نبل واهبه وخسة القتل لا تأتى إلا من غدر القاتل، وما أقسى الاغتيال على يد «الأشقاء».. إخوة الوطن.. وهاهو نزار قبانى يرسم بكلماته قبل عشرين عاما عن اغتيال زوجته «بلقيس» وينعى زمانا يغتال فيه أشقاء العروبة السنابل ويكممون أفواه البلابل.. فهل يأتى يوم يحترم فيه الرجال - إن كانوا رجالا- «جميع أشياء الجمال»؟!
 
شكراً لكم ..
 
شكراً لكم . .
 
فحبيبتى قُتلت .. وصار بوسعكم
 
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
 
وقصيدتى اغتيلت ..
 
وهل من أمـةٍ فى الأرض ..
 
- إلا نحن - تغتال القصيدة ؟
 
بلقيس ...
 
كانت أجمل الملكات فى تاريخ بابل
 
بلقيس ..
 
كانت أطول النخلات فى أرض العراق
 
كانت إذا تمشى ..
 
ترافقها طواويس ..
 
وتتبعها أيائل ..
 
بلقيس .. يا وجعى ..
 
ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل
 
هل يا ترى ..
 
من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل؟
 
يا نينوى الخضراء ..
 
يا غجريتى الشقراء ..
 
يا أمواج دجلة . .
 
تلبس فى الربيع بساقها
 
أحلى الخلاخل ..
 
قتلوك يا بلقيس ..
 
أية أمةٍ عربيةٍ ..
تلك التى
 
تغتال أصوات البلابل ؟
 
أين السموأل ؟
 
والمهلهل ؟
 
والغطاريف الأوائل ؟
 
فقبائلٌ أكلت قبائل ..
 
وثعالبٌ قتـلت ثعالب ..
 
وعناكبٌ قتلت عناكب ..
 
قسماً بعينيك اللتين إليهما ..
 
تأوى ملايين الكواكب ..
 
سأقول، يا قمرى، عن العرب العجائب
 
فهل البطولة كذبةٌ عربيةٌ ؟
 
أم مثلنا التاريخ كاذب ؟.
 
بلقيس
 
لا تتغيبى عنى
 
فإن الشمس بعدك
 
لا تضىء على السواحل . .
 
سأقول فى التحقيق :
 
إن اللص أصبح يرتدى ثوب المقاتل
 
وأقول فى التحقيق :
 
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول ..
 
وأقول :
 
إن حكاية الإشعاع، أسخف نكتةٍ قيلت ..
 
فنحن قبيلةٌ بين القبائل
 
هذا هو التاريخ . . يا بلقيس ..
 
كيف يفرق الإنسان ..
 
ما بين الحدائق والمزابل
 
..
 
بلقيس ..
 
يا بلقيس ..
 
يا بلقيس
 
كل غمامةٍ تبكى عليك ..
 
فمن ترى يبكى عليا ..
 
بلقيس .. كيف رحلت صامتةً
 
ولم تضعى يديك .. على يديا ؟
 
بلقيس ..
 
كيف تركتنا فى الريح ..
 
نرجف مثل أوراق الشجر ؟
 
وتركتنا - نحن الثلاثة - ضائعين
 
كريشةٍ تحت المطر ..
 
أتراك ما فكرت بى ؟
 
وأنا الذى يحتاج حبك .. مثل (زينب) أو (عمر)
 
بلقيس ..
 
يا كنزاً خرافياً ..
 
ويا رمحاً عراقياً ..
 
وغابة خيزران ..
 
يا من تحديت النجوم ترفعاً ..
 
من أين جئت بكل هذا العنفوان ؟
 
بلقيس ..
 
أيتها الصديقة .. والرفيقة ..
 
والرقيقة مثل زهرة أقحوان ..
 
ضاقت بنا بيروت .. ضاق البحر ..
 
ضاق بنا المكان ..
 
بلقيس : ما أنت التى تتكررين ..
 
فما لبلقيس اثنتان ..
 
بلقيس ..
 
تذبحنى التفاصيل الصغيرة فى علاقتنا ..
 
وتجلدنى الدقائق والثوانى ..
 
فلكل دبوسٍ صغيرٍ .. قصةٌ
 
ولكل عقدٍ من عقودك قصتان
 
حتى ملاقط شعرك الذهبى ..
 
تغمرنى،كعادتها، بأمطار الحنان
 
ويعرش الصوت العراقى الجميل ..
 
على الستائر ..
 
والمقاعد ..
 
والأوانى ..
 
ومن المرايا تطلعين ..
 
من الخواتم تطلعين ..
 
من القصيدة تطلعين ..
 
من الشموع ..
 
من الكؤوس ..
 
من النبيذ الأرجوانى ..
 
بلقيس ..
 
يا بلقيس .. يا بلقيس ..
 
لو تدرين ما وجع المكان ..
 
فى كل ركنٍ .. أنت حائمةٌ كعصفورٍ ..
 
وعابقةٌ كغابة بيلسان ..
 
فهناك .. كنت تدخنين ..
 
هناك .. كنت تطالعين ..
 
هناك .. كنت كنخلةٍ تتمشطين ..
 
وتدخلين على الضيوف ..
 
كأنك السيف اليمانى ..
 
بلقيس ..
 
أين زجاجة ( الغيرلان ) ؟
 
والولاعة الزرقاء ..
 
أين سجارة الـ (الكنت ) التى
 
ما فارقت شفتيك ؟
 
أين (الهاشمى ) مغنياً ..
 
فوق القوام المهرجان ..
 
تتذكر الأمشاط ماضيها ..
 
فيكرج دمعها ..
 
هل يا ترى الأمشاط من أشواقها أيضاً تعانى ؟
 
بلقيس : صعبٌ أن أهاجر من دمى ..
 
وأنا المحاصر بين ألسنة اللهيب ..
 
وبين ألسنة الدخان ...
 
بلقيس : أيتها الأميرة
 
ها أنت تحترقين .. فى حرب العشيرة والعشيرة
 
ماذا سأكتب عن رحيل مليكتى ؟
 
إن الكلام فضيحتى ..
 
ها نحن نبحث بين أكوام الضحايا ..
 
عن نجمةٍ سقطت ..
 
وعن جسدٍ تناثر كالمرايا ..
 
ها نحن نسأل يا حبيبة ..
 
إن كان هذا القبر قبرك أنت
 
أم قبر العروبة ..
 
بلقيس :
 
يا صفصافةً أرخت ضفائرها على ..
 
ويا زرافة كبرياء
 
بلقيس :
 
إن قضاءنا العربى أن يغتالنا عربٌ ..
 
ويأكل لحمنا عربٌ ..
 
ويبقر بطننا عربٌ ..
 
ويفتح قبرنا عربٌ ..
 
فكيف نفر من هذا القضاء ؟
 
فالخنجر العربى .. ليس يقيم فرقاً
 
بين أعناق الرجال ..
 
وبين أعناق النساء ..
 
بلقيس :
 
إن هم فجروك .. فعندنا
 
كل الجنائز تبتدى فى كربلاء ..
 
وتنتهى فى كربلاء ..
 
لن أقرأ التاريخ بعد اليوم
 
إن أصابعى اشتعلت ..
 
وأثوابى تغطيها الدماء ..
 
ها نحن ندخل عصرنا الحجرى
 
نرجع كل يومٍ، ألف عامٍ للوراء ...
 
البحر فى بيروت ..
 
بعد رحيل عينيك استقال ..
 
والشعر .. يسأل عن قصيدته
 
التى لم تكتمل كلماتها ..
 
ولا أحدٌ .. يجيب على السؤال
 
الحزن يا بلقيس ..
 
يعصر مهجتى كالبرتقالة ..
 
الآن .. أعرف مأزق الكلمات
 
أعرف ورطة اللغة المحالة ..
 
وأنا الذى اخترع الرسائل ..
 
لست أدرى .. كيف أبتدئ الرسالة ..
 
السيف يدخل لحم خاصرتى
 
وخاصرة العبارة ..
 
كل الحضارة، أنت يا بلقيس، والأنثى حضارة ..
 
بلقيس : أنت بشارتى الكبرى ..
 
فمن سرق البشارة ؟
 
أنت الكتابة قبلما كانت كتابة ..
 
أنت الجزيرة والمنارة ..
 
بلقيس :
 
يا قمرى الذى طمروه ما بين الحجارة ..
 
الآن ترتفع الستارة ..
 
الآن ترتفع الستارة ..
 
سأقول فى التحقيق ..
 
إنى أعرف الأسماء .. والأشياء .. والسجناء ..
 
والشهداء .. والفقراء .. والمستضعفين ..
 
وأقول إنى أعرف السياف قاتل زوجتى ..
 
ووجوه كل المخبرين ..
 
وأقول : إن عفافنا عهرٌ ..
 
وتقوانا قذارة ..
 
وأقول : إن نضالنا كذبٌ
 
وأن لا فرق ..
 
ما بين السياسة والدعارة !!
 
سأقول فى التحقيق :
 
إنى قد عرفت القاتلين
 
وأقول :
 
إن زماننا العربى مختصٌ بذبح الياسمين
 
وبقتل كل الأنبياء ..
 
وقتل كل المرسلين ..
 
حتى العيون الخضر ..
 
 
يأكلها العرب
 
حتى الضفائر .. والخواتم
 
والأساور .. والمرايا .. واللعب ..
 
حتى النجوم تخاف من وطنى ..
 
ولا أدرى السبب ..
 
حتى الطيور تفر من وطنى ..
 
ولا أدرى السبب ..
 
حتى الكواكب .. والمراكب .. والسحب
 
حتى الدفاتر .. والكتب ..
 
وجميع أشياء الجمال ..
 
جميعها .. ضد العرب ..
 
لما تناثر جسمك الضوئى
 
يا بلقيس،
 
لؤلؤةً كريمة
 
فكرت : هل قتل النساء هوايةٌ عربيةٌ
 
أم أننا فى الأصل، محترفو جريمة ؟
 
بلقيس ..
 
يا فرسى الجميلة .. إننى
 
من كل تاريخى خجول
 
هذى بلادٌ يقتلون بها الخيول ..
 
هذى بلادٌ يقتلون بها الخيول ..
 
من يوم أن نحروك ..
 
يا بلقيس ..
 
يا أحلى وطن ..
 
لا يعرف الإنسان كيف يعيش فى هذا الوطن..
 
لا يعرف الإنسان كيف يموت فى هذا الوطن..
 
ما زلت أدفع من دمى ..
 
أعلى جزاء ..
 
كى أسعد الدنيا .. ولكن السماء
 
شاءت بأن أبقى وحيداً ..
 
مثل أوراق الشتاء
 
هل يولد الشعراء من رحم الشقاء ؟
 
وهل القصيدة طعنةٌ
 
فى القلب .. ليس لها شفاء ؟
 
أم أننى وحدى الذى
 
عيناه تختصران تاريخ البكاء ؟
 
سأقول فى التحقيق :
 
كيف غزالتى ماتت بسيف أبى لهب
 
كل اللصوص من الخليج إلى المحيط ..
 
يدمرون .. ويحرقون ..
 
وينهبون .. ويرتشون ..
 
ويعتدون على النساء ..
 
كما يريد أبو لهب ..
 
كل الكلاب موظفون ..
 
ويأكلون ..
 
ويسكرون ..
 
على حساب أبى لهب ..
 
لا قمحةٌ فى الأرض ..
 
تنبت دون رأى أبى لهب
 
لا طفل يولد عندنا
 
إلا وزارت أمه يوماً ..
 
فراش أبى لهب !!...
 
لا سجن يفتح ..
 
دون رأى أبى لهب ..
 
لا رأس يقطع
دون أمر أبى لهب ..
 
 
سأقول فى التحقيق :
 
كيف أميرتى اغتصبت
 
وكيف تقاسموا فيروز عينيها
 
وخاتم عرسها ..
 
وأقول كيف تقاسموا الشعر الذى
 
يجرى كأنهار الذهب ..
 
سأقول فى التحقيق :
 
كيف سطوا على آيات مصحفها الشريف
 
وأضرموا فيه اللهب ..
 
سأقول كيف استنزفوا دمها ..
 
وكيف استملكوا فمها ..
 
فما تركوا به ورداً .. ولا تركوا عنب
 
هل موت بلقيسٍ ...
 
هو النصر الوحيد
 
بكل تاريخ العرب ؟؟...
 
بلقيس ..
 
يا معشوقتى حتى الثمالة ..
 
الأنبياء الكاذبون ..
 
يقرفصون ..
 
ويركبون على الشعوب
 
ولا رسالة ..
 
لو أنهم حملوا إلينا ..
 
من فلسطين الحزينة ..
 
نجمةً ..
 
أو برتقالة ..
 
لو أنهم حملوا إلينا ..
 
من شواطئ غزةٍ
 
حجراً صغيراً
 
أو محارة ..
 
لو أنهم من ربع قرنٍ حرروا ..
 
زيتونةً ..
 
أو أرجعوا ليمونةً
 
ومحوا عن التاريخ عاره
 
لشكرت من قتلوك .. يا بلقيس ..
 
يا معشوقتى حتى الثمالة ..
 
لكنهم تركوا فلسطيناً
 
ليغتالوا غزالة !!...
 
ماذا يقول الشعر، يا بلقيس ..
 
فى هذا الزمان ؟
 
ماذا يقول الشعر ؟
 
فى العصر الشعوبى ..
 
المجوسى ..
 
الجبان
 
والعالم العربى
 
مسحوقٌ .. ومقموعٌ ..
 
ومقطوع اللسان ..
 
نحن الجريمة فى تفوقها
 
فما ( العقد الفريد ) وما ( الأغانى ) ؟؟
 
أخذوك أيتها الحبيبة من يدى ..
 
أخذوا القصيدة من فمى ..
 
أخذوا الكتابة .. والقراءة ..
 
والطفولة .. والأمانى
 
بلقيس .. يا بلقيس ..
 
يا دمعاً ينقط فوق أهداب الكمان ..
 
علمت من قتلوك أسرار الهوى
 
لكنهم .. قبل انتهاء الشوط
 
قد قتلوا حصانى
 
بلقيس :
 
أسألك السماح، فربما
 
كانت حياتك فديةً لحياتى ..
 
إنى لأعرف جيداً ..
 
أن الذين تورطوا فى القتل، كان مرادهم
 
أن يقتلوا كلماتى !!!
 
نامى بحفظ الله .. أيتها الجميلة
 
فالشعر بعدك مستحيلٌ ..
 
والأنوثة مستحيلة
 
ستظل أجيالٌ من الأطفال ..
 
تسأل عن ضفائرك الطويلة ..
 
وتظل أجيالٌ من العشاق
 
تقرأ عنك . . أيتها المعلمة الأصيلة ...
 
وسيعرف الأعراب يوماً ..
 
أنهم قتلوا الرسولة ..
 
قتلوا الرسولة ..
 
ق .. ت .. ل ..و .. ا
 
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة