السبت 4 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بعد نشر تحقيق انسحاب المعونة الأمريكية من مصر

طــلاب «المنــــح الدوليـــة» مهددون بالطرد

بعد أسبوع من نشر تحقيقنا عن «انسحاب المعونة الأمريكية من مصر»، وصلتنا استغاثة من 25 طالبًا وطالبة، قالوا إنهم يتحدثون باسم 125 من زملائهم الذين كانوا فى المرحلة التأهيلية لدخول الجامعة الأمريكية، أو ما يسمى بـ Bridge Year والذين لسوء حظهم لم تعترف بهم الجامعة ضمن المقيدين لديها بالفعل، الذين تكفلت بهم بالكامل، مما استدعى تدخل الحكومة المصرية متمثلة فى وزارة التعليم العالى التى وزعتهم على جامعات دولية أخرى، ووعدت بتغطية كل مصروفات الدراسة.



 

الاستغاثة جاءت بسبب عدم تغطية المنح البديلة المقدمة من قبل الوزارة لمصروفات السكن والمواصلات التى كانت تغطيها منحة المعونة الأمريكية، وكان من بين شروط القبول فى المنحة عدم المقدرة المادية لأسرة الطالب على تغطية نفقات الدراسة. 

هذا الأمر أدى بعدد كبير من الطلاب إلى الاعتذار عن عدم قبول المنحة، وكنا قد أشرنا فى تحقيقنا السابق إلى أحد هؤلاء الذين لم يتمكنوا من قبول المنحة البديلة، واسمه محمد أشرف، لكننا لم نكن نعلم أن هناك كثيرين مثله قد يضطرون لتضييع فرصة عمرهم بسبب غلاء تكاليف المعيشة والمواصلات لتلك الجامعات البديلة. 

بصوت مخنوق تقول هناء نجم الدين، والدة مريم زكريا، طالبة من الإسكندرية اضطرت لعدم قبول منحة للدراسة فى الجامعة الألمانية الدولية GIU بالعاصمة الإدارية الجديدة: «ابنتى وزملاؤها من طلاب المرحلة الانتقالية بالجامعة الأمريكية تعرضوا لتحطيم نفسى ومعنوى إثر إلغاء المنحة، ابنتى مرت بحالة نفسية صعبة، كانت تبكى باستمرار وأنا أبكى معها لأننى فعلت كل ما فى وسعى من أجل أن يتم قبول ابنتى فى هذه المنحة، لم أتأخر عليها أو أبخل بأى شيء».

وأضافت: فرحنا حين تدخلت وزارة التعليم العالى ومنحت ابنتى منحة بديلة للدراسة بالجامعة الألمانية الدولية، واصطحبها والدها بالفعل للكلية، لكننا فوجئنا بأنه سيكون علينا تحمل نفقات المبيت والمواصلات وهى مصاريف فوق طاقتنا. 

عندما ذهبت مريم برفقة والدها – محاسب بشركة أخشاب – كان عليها أن تجتاز امتحانات القبول، ونجحت بالفعل فى امتحان اللغة الإنجليزية والـ IQ، إلا أنهما فوجئا بأن المنحة البديلة لن تغطى تكاليف المبيت والمواصلات. 

الجامعة أبلغت مريم بأن عليها أن تقبل بهذا الوضع وتبدأ الدراسة فورًا أو ترفضه بلا رجعة، لأنه لن تكون هناك فرصة بديلة. 

اضطرت مريم ووالدها لاتخاذ القرار الصعب جدًا، وهو الاعتذار عن المنحة، وضاعت فرصة العمر للمرة الثانية. 

عادت مريم إلى بيتها فى العامرية وأملها الوحيد أن تتدخل وزارة التعليم العالى بتغطية بقية الدعم الذى كان مقدمًا من قبل الـ USAID كما وعدت فى بيانها الرسمى. 

تكلفة المبيت فى بيوت الطلبة التابعة للجامعة الألمانية الدولية 90 ألف جنيه فى العام الدراسى الواحد، كما يقول أحمد ممتاز، أحد طلاب المرحلة الانتقالية الذى يعيش فى الفيوم، بالإضافة إلى أن سكن الطلبة يوجد خارج العاصمة الجديدة، ما يتطلب مصاريف إضافية للمواصلات لن تستطيع أسرة أحمد تغطيتها «أرخص بديل هو شقة لأربع أشخاص بـ 16000 جنيه شهريًا، وسيكون عليهم الذهاب للجامعة سيرًا على الأقدام لمدة ساعة يوميًا». 

أحمد مثل بقية زملائه، ينتمى إلى أسرة مصرية متوسطة، والده مدرس بمدرسة صنايع بالفيوم، ووالدته ربة منزل لديهما 3 أبناء، ولا يستطيعان بأى حال تحمل النفقات التى من المتوقع أن تزداد عبر السنوات الدراسية الأربعة بطبيعة الحال. 

قرأ أحمد فى سن مبكرة كتاب «الأب الغنى والأب الفقير» للكاتب الأمريكى من أصل يابانى روبرت كيوساكي، وتمنى من كل قلبه أن يصبح مثل «الأب الغني» الذى يستثمر ويحقق أرباحًا، لذلك كان أحمد مصرًا على دراسة البيزنس بالجامعة الأمريكية، ثم الجامعة الألمانية، وليس دراسة الهندسة التى كان يحاول أبواه إقناعه بها، أراد أن يصبح رائد أعمال لكن حالت مصروفات الإقامة دون الالتحاق بالكلية الحلم. 

لم يستسلم، كان يذهب برفقة زملائه للوزارة لإيجاد حل، كما حاول مراسلة أكثر من جهة على أمل أن يدعموه هو وزملاءه، لكن مطالبهم ما زالت دون رد حتى اللحظة. 

بينما اتخذت مريم هيثم قرارًا مختلفًا، حيث قررت قبول المنحة، لكنها لعدم استطاعتها تحمل تكلفة المعيشة فى القاهرة، تضطر إلى السفر3 ساعات يوميًا من بيتها بكفر الشيخ حتى الجامعة الألمانية بالعاصمة الجديدة، ونفس الأمر فى طريق العودة. 

تقول مريم: «بعد إلغاء منحة الجامعة الأمريكية شعرت بأسوأ شعور فى الدنيا خاصة وأننى كنت رفضت منحة مؤسسة ساويرس من أجل هذه المنحة». 

وأضافت: «لم أرغب فى تضييع الفرصة للمرة الثانية، وقبلت المنحة البديلة لكننى أغادر بيتى يوميًا فى الخامسة فجرًا وأعود فى الثامنة مساء منهكة تمامًا». 

تحلم مريم بأن تدمج البيزنس بالتكنولوجيا فى مشروع ستارتاب، لكنها لم تؤجل حلمها حتى التخرج من الجامعة،  فبدأت مع مجموعة من زملائها العمل بالفعل على نموذج أولى لجهاز يستخدم الحساسات لتنبيه الأهل فى حال تعرض الطفل لتحرش، وذلك من خلال قياس نبضات قلبه ونبرة صوته، ورصد تلفظه بكلمات معينة. 

لدى مريم طموحات مبهرة ومهارات وذكاء يشهد به حصولها على عدد من الجوائز وشهادات التقدير من مسابقات مهمة، ولديها إصرار بأن تدعم أحلامها بتعليم متميز لا تبخل عليه بسفر مدته ست ساعات يوميًا، وما زالت متعلقة بالوعد الذى سمعته من مسئول وزارة التعليم العالى على إحدى القنوات الفضائية، بتوفبر المنح الدراسية بكل مميزاتها كما كانت مقررة من قبل المعونة الأمريكية. 

تقول مريم: «فى آخر مرة ذهبنا فيها للوزارة قال لنا مساعد الوزير د. شريف كشك، إن الوزارة تبذل ما فى وسعها لحل المشكلة».  الطالب أحمد بكرى لن يستطيع أن يلجأ لنفس الحل الصعب الذى لجأت إليه مريم هيثم، وهو السفر يوميًا من العريش بشمال سيناء، وليس لديه فكرة عما يمكن أن يفعله وزملاؤه فى حال عدم إيجاد حل لتكاليف السكن. 

يستحيل عليه تحمل تكاليف المعيشة بالقاهرة، والده موظف على المعاش، ووالدته موظفة بالتربية والتعليم، ولديهما ثلاثة أشقاء غير أحمد. 

لدى أحمد ثقة أن هذه المنحة لن تضيع منه، يحدثنا عن حلمه قائلًا «سأدرس إما هندسة أو حاسبات ومعلومات، أريد أن أتخصص فى الذكاء الاصطناعي، وأعرف أننى سأقوم بعمل مهم فى يوم ما». 

أثناء كتابة هذه السطور كان طلاب المرحلة الانتقالية، وعددهم 125طالبًا يجمعون توقيعاتهم على خطاب طلب التماس جماعى لوزير التعليم العالى والبحث العلمى د. أيمن عاشور، يطلبون فيه التدخل لحل المشكلة التى تحول بينهم وبين خطوة مبكرة مهمة على طريق حلم كل منهم.. وتضم «روزاليوسف» صوتها لصوت هؤلاء الطلاب، شديدى التميز، كنز هذا الوطن.