الإثنين 9 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

غزة.. السودان.. ليبيا.. سوريا.. المعاناة مستمرة عيدهم فى الشتات!

بينما يحتفل الملايين بعيد الأضحى مع الأسر وسط المتنزهات، يعيش أشقاؤنا فى غزة والسودان وليبيا وسوريا العيد بشكل مختلف تمامًا، تحت وطأة الحرب حيث تعلو أصوات الانفجارات والغارات على صوت تكبيرات العيد، وحيث براءة الأطفال نجد التجويع يسلبهم بهجتهم، بينما كبار السن والعجائز يجترون ذكريات أعياد مضت لم يعد لها وجود وسط ركام الخراب وأجواء الحزن التى تعشش فى قلوبهم على أحباء فقدوهم وجيران باتوا يقتسمون معهم العراء ورائحة الموت.



فى السودان، حيث الحرب الداخلية تمزق العاصمة والولايات والأقاليم بطولها وعرضها، يحل العيد على أسر نازحة فى المدارس والمساجد، بلا مأوى ولا طعام كافٍ، بينما تحاول الأمهات حفظ طقوس الفرح بما تيسر من الإمكانيات.

وفى اليمن، لا يختلف الوضع كثيرًا، فالعيد عصى على الدخول إلى مدن محاصرة، وأسواق خاوية، وبيوت خالية من الكهرباء والماء، حيث أصبح الحصول على اللحوم ضربًا من الخيال، والملابس الجديدة من الكماليات المنسية.

وفى فلسطين، وبالتحديد فى غزة والضفة فحدث ولا حرج يأتى العيد وأصوات القصف تتوالى والتجويع مستمر لا يرحم صغارًا أو كبارًا، والشهداء يُودّعون فى اليوم الذى يفترض أن يكون مملوءًا بالضحكات.

ولا تختلف الأوضاع فى سوريا، الجريحة منذ أكثر من عقد، تعيش أعيادًا مشوهة، فيها المغترب والمُهجر لا يعرف طعم الاجتماع الأسرى، والعائلات تفتقد بعضها البعض داخل البلاد وخارجها.. وفى ليبيا ولبنان، فالأزمة ليست فقط فى الحرب بل فى الفوضى الاقتصادية والسياسية، التى جعلت العيد باهتًا، أقرب للذكرى منه للواقع.

 السودان

فى السودان، تتلاشى ملامح العيد خلف دخان الحرب الأهلية. آلاف العائلات فرت من منازلها، وأصبحت الخيام بديلًا عن البيوت. الأطفال هناك لا يعرفون طعم الكعك أو بهجة الملابس الجديدة، بل يسألون عن الماء والأمان قبل أن يسألوا عن العيدية. ومع ذلك، تحاول بعض الأسر إحياء الطقوس ولو على استحياء، عبر تبادل التمر والدعاء بسلام قريب.

وفى بلاد يفترض أنها صاحبة مخزون كبير من الثروة الحيوانية تشهد أسعار خراف الأضاحى ارتفاعًا كبيرًا فى بعض ولايات السودان، وأرجع بعض التجار أسباب هذا الارتفاع إلى تصاعد تكلفة الأعلاف والنقل بجانب الظروف الاقتصادية الصعبة التى تشهدها البلاد، بينما يترقب المواطن السودانى حلول العيد بقلق، فى ظل صعوبة التوفيق بين الاحتياجات الأساسية وتكاليف الأضحية.

ويواجه المواطنون السودانيون تحديات كبيرة فى تغطية تكاليف الأضاحى، وسط تضخم متصاعد وانعدام مصادر الدخل لدى شريحة واسعة من الأسر، إلا أن التقاليد المرتبطة بالشعائر الدينية تظل دافعًا للعديد من الأسر للسعى لتوفير الأضحية مهما كانت الظروف.

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع فى أبريل 2023، يعيش السودان واحدة من أعقد الكوارث الإنسانية فى تاريخه الحديث. فى هذا العيد، تغيب الخرطوم التى كانت منارة الاحتفال والتقاليد الشعبية، لتحل محلها مشاهد النزوح، والخيام المهترئة، والمدارس التى تحولت إلى ملاجئ، أما الأسواق التى كانت تزدحم قبل العيد بطقوس الشراء والفرحة، فباتت خاوية أو مدمرة. الطرقات مقطوعة، وأحياء كاملة أُفرغت من سكانها. العيد هنا لا يُعرف إلا بتكبيرات خافتة، ودموع تتوارى خلف محاولات الأمهات لصنع لحظة فرح لأطفال لم يعرفوا سوى الحرب، فالمشهد فى السودان يعكس عيدًا مُعلّقًا بين الذاكرة والواقع، بين حنين إلى زمن مضى وأمل فى أن يكون العيد القادم بلا سلاح ولا دموع.

 اليمن

خلال أيام عيد الأضحى المبارك، الذى يمثل مناسبة دينية واجتماعية عظيمة للمسلمين حول العالم، يجد ملايين اليمنيين أنفسهم مرة أخرى فى مواجهة واقع مرير يحرمهم من أدنى مظاهر الفرحة والاحتفال. ففى بلد مزقته سنوات الصراع، تحولت شعيرة الأضحية، التى تعد ركنًا أساسيًا من أركان العيد، إلى حلم بعيد المنال بالنسبة للغالبية العظمى من السكان، وما يفاقم الأمر تدنى القدرة الشرائية وتدهور قيمة العملة الوطنية مما ألقى بظلال تعيسة على أوضاع الناس المعيشية، وجعل هذا العيد رمزًا صارخًا للفقر المتفشى، وبالطبع لا يمكن فصل هذه المأساة عن السياسات الاقتصادية الممنهجة التى تتبعها جماعة الحوثى، والتى فاقت الأزمة الإنسانية بشكل متعمد.

ويختلف المشهد هذا العام تمامًا عن الأعوام السابقة، ففى الأسواق، يسود ركود غير مسبوق، يعكس اليأس المنتشر بين الناس. لقد حلت مشاعر الحزن والاستسلام محل الأجواء الاحتفالية المعتادة. فبدلًا من التفكير فى الاحتفال، أصبح كل اهتمام اليمنيين ينصب على تأمين لقمة العيش، فى ظل شعور عام بـ «القلق المستمر تجاه الأوضاع المعيشية». هذا الركود وعدم الإقبال على الشراء لم يمنع أسعار الأضاحى من الارتفاع بنسبة تزيد على %20 مقارنة بالعام الماضى، مما جعلها خارج متناول معظم الأسر.

ومنذ سنوات، واليمنيون يعيشون أعيادًا ممزقة. فى صنعاء وعدن، يحاول الأهالى التشبث بذكريات العيد القديمة. المساجد ما زالت تقيم صلاة العيد، لكن الشوارع خالية من الفرحة.

أزمة الغذاء وانهيار العملة جعل شراء لحوم العيد حلمًا صعبًا، لذلك فإن العيد، الذى كان مناسبة للمباهج والكرم، تحوّل فى اليمن إلى معاناة مضاعفة. فى مدن مثل تعز والحديدة وصنعاء، يصطف الناس للحصول على المساعدات، بينما تخلو الأسواق من المشترين.

ومع ذلك، يحتفل اليمنيون بما تيسر. فى بعض القرى، يجتمع الأهالى لصلاة العيد فى باحات المدارس أو الساحات العامة، يتبادلون التهانى، ويطبخون معًا من طعام موحّد.

أضحت الفرحة فى اليمن اليوم رمزًا للمقاومة الصامتة أمام الانهيار، والاحتفال هنا يعد إصرارًا على البقاء والتمسك بالجذور، بينما الأطفال الذين ضاعت براءتهم لا يعرفون كل التفاصيل، لكنهم يشعرون بالفارق. العيد بالنسبة لهم ليس ما كانوا يسمعونه من القصص، لكنه يظل مناسبة ينتظرون فيها ضحكة من والد أو قطعة حلوى من جار، لتظل هناك شعلة أمل فى أعينهم رغم كل شىء.

وتفاقمت الأمور بعدما فرضت ميليشيا الحوثى حظرًا غير معلن على استيراد المواشى (الأبقار والأغنام) إلى مناطق سيطرتها. واحتجزت عشرات الشاحنات المحملة بالماشية لأسابيع فى نقاط  جمركية مستحدثة، مثل منطقة الراهدة جنوب تعز، دون تقديم أى مبررات رسمية.

وتسبب هذا الاحتجاز التعسفى فى خسائر فادحة للتجار، حيث نفقت العديد من المواشى بسبب الجوع والعطش وغياب الرعاية داخل الشاحنات المحتجزة. ويصف التجار هذا القرار بأنه «جائر وعبثى»، ويتهمون الحوثيين بالابتزاز عبر فرض جبايات غير قانونية واحتجاز البضائع، خاصة خلال المواسم التى تشهد حركة تجارية نشطة كالأعياد. وقد أُجبر بعض التجار على دفع «تبرعات» من المواشى لدعم «المجهود الحربى».

 غزة تحت الحصار

فى فلسطين، وتحديدًا فى غزة، يأتى العيد مرة أخرى وسط أنقاض البيوت ورائحة البارود والجثث المتحللة تحت الركام، فمنذ بدء العدوان الإسرائيلى، تحولت أحياء بأكملها إلى ركام، ومئات العائلات فقدت أبناءها وأحبتها، ليحل العيد الذى يفترض أن يكون فرحة جماعية، كذكرى لأحزان لم تنتهِ. تكبيرات العيد لا تغيب، لكنها ممزوجة بصوت الحداد. مساجد مدمرة، شوارع مهجورة، أطفال يرتدون ملابس لا يعرفون إن كانت جديدة أم صدقة.

وفى خان يونس وغزة والشجاعية، يخرج الناس إلى الساحات للصلاة بين الأنقاض، رافعين أيديهم بالدعاء لا بالتهنئة، وبينما تحاول بعض المؤسسات الإنسانية إدخال الفرحة بتوزيع هدايا رمزية، لكن الحصار والانقسام السياسى والواقع الأمنى يجعل أى مبادرة تذهب أدراج الرياح.

وفى الضفة الغربية، ورغم عدم وجود قصف مباشر، إلا أن الاحتلال والحواجز والاقتحامات اليومية تنزع من العيد ملامحه، إلا أن الفلسطينيين، بعزيمتهم، يصرّون على التمسك بالحياة. تزين بعض العائلات بيوتها من الداخل، وتجمع الأطفال لرواية قصص عن الأمل والتحرير، وتُجهز أطباق العيد بما تيسّر من فتات.

 لبنان..قدرة شرائية متراجعة

ومع حلول عيد الأضحى المبارك، تبدأ فى لبنان الاستعدادات على أكثر من مستوى، من التحضيرات الشعبية والدينية، إلى التأثيرات السياسية والاقتصادية التى ترافق هذا الموسم. وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية المستمرة، يحرص عدد كبير من العائلات اللبنانية على الحفاظ على الطقوس المرتبطة بالعيد.

وفى الأيام التى تسبق العيد، تنشط الأسواق الشعبية، ومحال اللحوم والحلويات والملابس. ومع ذلك، يبقى الإنفاق محدودًا مقارنةً بالسنوات الماضية، بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من المواطنين. والبعض يركّز على الحد الأدنى من التحضيرات، فيما يستفيد آخرون من المساعدات والجمعيات التى توزع الأضاحى أو تقدم الدعم الغذائى.

ويأتى هذا العيد فى ظل متغيرات سياسية توحى بشىء من الاستقرار النسبى. من خلال انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيسًا للجمهورية أضفى جوًّا من الترقّب الايجابى، خصوصًا بعد سنوات من الفراغ الرئاسى والتجاذب السياسى. وترافق هذا التطور مع التحسن فى العلاقات الخليجية، لا سيما رفع الحظر الإماراتى عن السفر إلى لبنان، ووصول ثلاث طائرات من الإمارات، إضافة إلى زيارة وفد سعودى تقنى، ما يُظهر اهتمامًا جديًا بإعادة فتح صفحة جديدة فى العلاقة مع لبنان.

انعكست هذه الأجواء مباشرة على حركة الحجوزات فى الفنادق والطيران. بحسب نقابة أصحاب الفنادق، بلغت نسبة الإشغال فى بيروت أكثر من 70 %، مع توقعات بالامتلاء الكلى فى المناطق الجبلية والساحلية خلال شهرى يوليو وأغسطس.

هذه الأرقام تعيد الأمل إلى القطاع السياحى، الذى يعوّل على المغتربين والسياح الخليجيين لإنعاش الاقتصاد المحلى. فيما يطرح السؤال عما إذا كان المغتربون سيختارون العودة إلى وطنهم هذا الموسم ليحتفلوا مع أهاليهم، خصوصًا فى ظل التطورات الأخيرة التى تبدو وكأنها تفتح باب الأمل لموسم عيد أكثر نشاطًا وترابطًا، أما المحال التجارية فتستعد لاستقبال الزبائن مع اقتراب العيد، وسط آمال بانتعاش الحركة الشرائية. 

 سوريا وظلال الحرب

فى سوريا، لا تزال آثار الحرب تُلقى بظلالها على العيد، سواء فى الداخل أو فى مخيمات اللاجئين بالخارج. الأسر السورية المشتتة تحاول أن تتصل ببعضها عبر الهاتف لتبادل التهانى. كثيرون فقدوا أهلهم أو منازلهم، لكنهم يتمسكون بعبارات «كل سنة وانت طيب» كأنها حبل نجاة يربطهم بجذورهم.

فى دمشق، تبدو الحياة ساكنة. الأسواق مفتوحة، لكن الحركة ضعيفة. الأسعار الجنونية حوّلت أبسط مستلزمات العيد إلى رفاهية، الملابس الجديدة للأطفال أصبحت حلمًا لطبقة محدودة، بينما تعتمد أغلب الأسر على التبرعات أو إعادة تدوير ملابس الأعوام السابقة. أما اللاجئون السوريون فى لبنان وتركيا والأردن، فيعيشون العيد وسط الشعور بالغربة والحنين يحاولون خلق أجواء شبيهة بما كان فى الوطن: حلوى منزلية، فيديوهات تهنئة، ولعب جماعى للأطفال. لكن الغصة لا تغيب، فالغربة عميقة، والحنين للوطن أشد ما يكون فى العيد.

 ليبيا.. هدنة غير مضمونة

فى ليبيا، حيث الانقسام السياسى لا يزال يُفرّق بين الشرق والغرب، يُطل العيد على الناس بثقل من الهموم الأمنية والاقتصادية، ورغم أن وتيرة القتال انخفضت نسبيًا، إلا أن الخوف لم يختفِ. الجميع يعلم أن الوضع قد ينقلب فى لحظة، وأن السلاح لا يزال حاضرًا فى الشوارع، عادت الأضاحى بشكل محدود، بفضل بعض الاستقرار، لكن بأسعار تفوق قدرة الكثيرين. العائلات تتشارك الأضحية، أو تلجأ إلى الجمعيات لتوفير اللحوم.

وفى بعض المناطق، تقام مصليات العيد، وتُقام زيارات محدودة، لكن غياب الدولة القوية والخدمات الأساسية جعل العيد أقرب لمناسبة خاصة منه لفرحة عامة.

العيد فى هذه الدول ليس كالعيد فى باقى أنحاء العالم العربى. إنه وقت للحزن الذى يحاول الأمل والرجاء اختراقه، فهم يتمسكون بالحياة وسط الموت. لكنه أيضًا لحظة لتذكير العالم بأن وراء كل خبر عاجل، هناك إنسان يحاول أن يحتفل… أن يصمد… أن يحيا.