السينما الأمريكية فى مأزق.. من الأفكار إلى الدولار: انعكاس سياسات «ترامب» على «هوليوود»

آلاء شوقى
عندما تتحول السياسة إلى اقتصاد منغلق، يصبح الفن أول الضحايا؛ فيتأثر التمويل، ويتراجع الإنتاج، ويصمت صوت الإبداع.
ففى ولاية الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» الثانية، لم تكن الرسوم الجمركية مجرد أرقام على الورق، بل امتدت إلى كواليس «هوليوود»، وتأثرت عدسة السينما ذاتها، انطلاقا من مبدأ أن الفن لا يعيش فى عزلة عن القرار السياسى.
ولم تتوقف تحديات هوليوود عند تداعيات الرسوم الجمركية فحسب، بل تجاوز أزمة الدولار، ليؤثر على الأفكار، بعد أن أعاد «ترامب» إحياء الشكاوى ضد شبكات التلفزيون، وطعن فى تمويل وسائل الإعلام العامة؛ ما دفع بعض الاستوديوهات إلى تغير نمط الحرية السائد والتنوع والشمول فى القضايا، بصورة أثارت قلقا واسعا فى أوساط الفن وشركات الإعلام والترفيه الأمريكية.
رسوم قيدت الشركات الكبرى
إن التداعيات العديدة التى أحدثتها تصريحات «ترامب» عن الرسوم الجمركية أدت إلى وقوع صناعة السينما كضحية غير متوقعة على أصعدة مختلفة.
فكشف موقع «ستاتس» عن إرسال شركة «وارنر براذرز ديسكفرى» مذكرة إلى عدد من مسؤولى الشركة، تأمرهم فيها بخفض الإنتاج استجابة إلى (زيادة حالة عدم اليقين الاقتصادى)، و(تراجع ثقة المستهلك).
كما أكد مصدران صحة هذا الأمر لموقع «فولتشر»؛ قائلين إن العديد من قادة أقسام «وارنر براذرز ديسكفرى» أبلغوا فرقهم بوقف أى سفر غير ضرورى، والحد من الإنفاق على ساعات العمل الإضافية، وتجميد النفقات غير الضرورية.
بدوره، قال موقع «هوليوود ريبورتر» إنه فى الوقت الذى لم تفرض ضريبة «ترامب» ـ مباشرة حتى الآن - على الصادرات الرئيسية لهوليوود، إلا أن التعريفات الجمركية تجعل كل شيء فى صناعة السينما أكثر تكلفة؛ وهو ما أكده مدير تنفيذى لإحدى الاستوديوهات، للموقع حين قال: «إننا نحصل على الأخشاب من كندا، من أجل البناء؛ لذلك إذا ارتفع سعر الأخشاب، فعلينا أن ندفع ثمنها».
وعلق موقع (هوليوود ريبورتر) على تلك التصريحات مؤكدًا أنه قد تكون هناك زيادات مماثلة فى أسعار مجموعة من الموارد الأخرى التى تدخل فى صناعة الأفلام، مثل: الفولاذ، وخزانة الملابس للممثلين، والأضواء المتخصصة، أو الميكروفونات المصنوعة فى الخارج، وغيرها.
ومع ذلك، لا تتوقف أزمة ارتفاع التكاليف عند هذا الحد، بل يخشى مسؤولو الاستوديوهات- أيضًا- مما سيحدث إذا استمر ضعف الدولار الأمريكى، مثلما حدث فى الأسابيع الأخيرة. فعندما تُصور شركات الإنتاج خارج «الولايات المتحدة» فإنهاـ غالبًا- ما تشترى العملة المحلية مسبقًا بسعر صرف مناسب، من أجل ضمان استمرارية دولاراتها. لكن، إذا حدثت تقلبات حادة فى أسعار الصرف، أو انخفض الدولار بشكل كبير، فسيكون من الصعب جدًا تحقيق ميزة اقتصادية بهذه الطريقة.
أزمة فى الداخل الأمريكى والخارج
إن الهجمة المرتدة للتعريفات الجمركية الأمريكية على هوليوود لا تتوقف عند صناعة السينما المحلية فحسب، فلطالما ارتبطت هوليوود بالاقتصاد العالمى.. إذ أثرت هذه التعريفات الجمركية، التى تهدف إلى تقليل الاعتماد على السلع الأجنبية، بشكل غير مقصود على إنتاجات هوليوود فى الولايات المتحدة، وتعاونها الدولى، وقدرتها على الوصول إلى الأسواق، وخاصة مع دولتى كندا، والصين.
فبالنسبة إلى كندا- التى تُعرف غالبًا باسم «هوليوود الشمالية»- فلطالما كانت وجهةً مفضلةً لإنتاجات الأفلام والتليفزيون الأمريكية بفضل حوافزها الضريبية الجذابة، وقوتها العاملة الماهرة؛ إلا أن فرض رسوم جمركية على السلع الكندية، قد أثّر سلبًا على هذه العلاقة التكافلية.
وأعرب خبراء فى هذا القطاع عن مخاوفهم من أن تصاعد التوترات التجارية، قد يدفع كندا إلى إلغاء الحوافز الضريبية، أو تقييد الوصول إلى مرافق الإنتاج لديها. ومن شأن هذه الإجراءات الانتقامية أن تُجبر الاستوديوهات الأمريكية على البحث عن مواقع بديلة، قد تكون أكثر تكلفة، مما يؤدى إلى تضخم تكاليف الإنتاج وتعطيل سير العمل القائم.
«الصين» على خط الأزمة
إن الأزمة الحقيقية التى يخشى منها صناع السينما فى الولايات المتحدة هى الانعكاسات السلبية للرسوم الجمركية على ثانى أكبر سوق سينمائى فى العالم، وهى الصين.
أصبح سوق الأفلام المزدهر فى الصين منذ فترة مصدر دخل رئيسيًا لهوليوود، حيث حرصت الاستوديوهات الأمريكية على الاستفادة من اتساع قاعدة الجمهور الصينى، إلا أن احتمالات انخفاض عدد الأفلام الأمريكية المعروضة على الشاشات الصينية يؤرق هوليوود على الجانب الآخر.
وبالفعل، أعلنت الصين- رسميًا- منذ أيام تقليل عدد أفلام هوليوود المسموح بعرضها فى البلاد كجزء من حربها التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة.
فى وقت سابق من هذا الأسبوع، أفادت وكالة «بلومبرج» بأن الصين تدرس فرض حظر كامل على جميع أفلام هوليوود.
من جانبها، قالت إدارة الأفلام الصينية فى بيان، إن: «الإجراء الخاطئ الذى اتخذته الحكومة الأمريكية بإساءة استخدام الرسوم الجمركية على الصين سيقلل حتمًا من استحسان الجمهور المحلى للأفلام الأمريكية».
التحرك الصينى المضاد، رفع وتيرة قلق صناع الأفلام الأمريكيين، باعتبار أن الصين لاعب أساسى فى شباك التذاكر العالمي؛ فعلى سبيل المثال عُرض 42 فيلمًا أمريكيًا فى الصين العام الماضى وحده، وشكلت هذه الأفلام نحو خُمس إيرادات شباك التذاكر فى البلاد.
وبشكل أكثر تفصيلى، حقق فيلم (Alien: Romulus) العام الماضى، نحو 110 ملايين دولار فى الصين وحدها، وهو ما يمثل نحو 30٪ من إجمالى إيراداته العالمية، وفقًا لموقع «بوكس أوفيس موجو»؛ وبدون الجمهور الصينى، كان الفيلم سيحقق نجاحًا معتدلًا، لكنه ليس نجاحًا مفاجئًا، مثلما وصفه بعض النقاد.
وتفسر الأرباح السابقة تزايد القلق من قبل صناع الأفلام الأمريكية والاستوديوهات الكبرى؛ ومن بينها شركة (ديزنى)؛ فعلى سبيل المثال يُعد فيلم (Avatar: The Way of Water)، الذى حقق نجاحًا كبيرًا فى شاشات العرض الكبيرة فى الصين، ثانى أعلى فيلم إيرادات فى الولايات المتحدة عام 2022، محققًا أكثر من 245 مليون دولار هناك؛ ما يضع الشركة فى حيرة من أمرها، إذ تسعى لتحقيق أرقام ربحية أكبر من طرح فيلم (Avatar: Fire and Ash) فى ديسمبر المقبل؛ إلا أنها تقلق من تبدد تلك الآمال، فى ظل تهديدات بتقليص وصول هوليوود إلى أسرع سوق أفلام نموًا فى العالم.
من أزمة الدولار لتقييد الأفكار
فى الوقت الذى يثار فيه الجدل حول تداعيات رسوم «ترامب» الجمركية داخل أروقة (هوليوود)، يغتال الخوف قلوب البعض مما وصف بتحكم الرئيس الأمريكى فى الإبداع الذى لطالما ميز صناعة السينما الأمريكية لعقود طويلة.
فالأزمة لا تتوقف عند تبنِّى بعض الاستوديوهات ومنصات البث الأمريكية، البرامج القائمة على (الإيمان، والموضوعات المحافظة، والموجه للعائلة)؛ بل تجاوز حد مطالبة مسؤولى الاستوديوهات للمنتجين بتعديل خطوط القصة والشخصيات- أو إلغائها تمامًا، وفقًا لما نقله موقع «بيزنيس إنسايدر» عن عشرة كُتّاب ومنتجين وممثلين، الذى أوضحوا- بدورهم- أنه لم يصدر أحد أوامر بشكل مباشر، بل تجلت تلك الأفكار- حسب وصفهم- بطرق خفية، ما أدى إلى اضطرار بعض الشركات إلى البدء فى مراجعة توجيهاتها.
وقالت الكاتبة «زوى مارشال»، إن: «المنتجين والاستوديوهات أخبروهاـ صراحة- أن بعض القصص، مثل تلك التى تتضمن موضوعات (المثلية، والعدالة الاجتماعية) لم تعد مقبولة».
من جانبه، أكد محامٍ متخصص فى مجال الترفيه رفضت صحيفة «بى آى» ذكر اسمه، أن بعض الممولين كانوا يدققون فى آراء صانعى الأفلام السياسية، قبل اتخاذ قرار الاستثمار؛ موضحًا أن العديد من عملائه تلقوا ملاحظات من منصات البث أو الشبكات، رأوا أنها تسعى إلى تجنب استفزاز «ترامب» أو حلفائه.
وأضاف المحامى أن إحدى هذه الملاحظات كانت تهدف إلى تجنب إظهار شخصية بارزة متحولة جنسيًا بشكل إيجابي؛ قائلًا: «لم يسبق لى أن رأيت رئيسًا يلعب دورًا كبيرًا فى صنع القرار».
على صعيد متصل، قال محام متخصص آخر فى مجال الترفيه، «جوناثان هاندل»، إن فيلمًا وثائقيًا يتعلق بالمتحولين جنسيًا واجه تأخيرات كبيرة، لأن الأشخاص الذين يتناولهم كانوا مرعوبين من ردود الفعل العنيفة.
من جانبه، أكدـ أيضًا- المحامى المتخصص فى مجال الترفيه، «هارى فينكل» أن بعض الاستوديوهات التى بذلت جهودًا كبيرة فى السابق، من أجل تسليط الضوء على الأقليات، أكدت ـ الآن- أنها تركز بشكل أكبر على عدم الإساءة إلى التيار اليمينى.
فى النهاية، يبدو أن صناع السينما فى (هوليوود)، الذين مروا بالعديد من التحديات، بداية من أزمات التمويل، والاضرابات، مرورا بجائحة عالمية تغلق شاشات العالم فى كل مكان، وغيرها؛ أمام أزمة كبيرة وصلت إلى حد القيود على حرية الإبداع والأفكار.