الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جمهورية الموز العظمى على الأبواب

جمهورية الموز العظمى على الأبواب

يبدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أقرب إلى مقامر أمام طاولة تديرها حسناء لامعة  في ‏قاعة بـ«لاس فيجاس»، منه إلى رئيس دولة عظمى يجلس خلف المكتب البيضاوي في البيت ‏الأبيض، وقد انتقد  الكاتب الصحفي البارز مايكل وولف سياسات ترامب وعقله وأفكاره ‏ووصفها بأنها معادلة صفرية، بمعنى أنه يعمل بقاعدة: كل شيء أو لا شيء، وهو عنوان آخر ‏كتاب لمايكل، وقد سبق له أن أصدر ثلاثة كتب يتتبع فيها صعود ترامب السياسي بسرعة ‏الصاروخ ويفسر فيها تفاصيل حياته وعلاقاته وحظوظه ونجاته من محاولتي اغتيال وأربع ‏قوائم من الاتهامات الجنائية، غير الدعاوى المدنية، وكان أول كتبه هو «نار وغضب» في ‏عام 2018، وحاول ترامب منع نشره، وقد بلغ غضب ترامب من الكتاب الأخير إلى حده ‏الأقصى، فقال عنه: عمل مزيف تمامًا مثل الخردة الأخرى التي كتبها، لكن الكتاب احتل ‏قائمة الأكثر مبيعًا!‏



من يتابع قرارات دونالد ترامب منذ قدومه إلى السلطة، يخيل إليه أنه أمام مسرحية ارتجالية، ‏بطلها يخرج على الناس بكل ما يعن له من أفكار، لا يهم أن تكون صالحة أو طالحة، المهم ‏أن تثير جدلًا وضجة، وبقدر الفوضى التي يحدثها في نظام التجارة العالمي، يصنع مثلها ‏داخل أمريكا، وربما أكثر صخبًا، وآخر المشاهد المثيرة هي المعركة الدائرة في مؤسسات ‏وزارة الخزانة الأمريكية، ووزارة الخزانة في أي دولة هي «كلمة السر» في أوضاعها ‏الاقتصادية والمالية وأحوال الناس المعيشية ، إذ تدل عليها موازنتها، بأرقام إيراداتها ‏ومصروفاتها، فالضرائب دالة على مستوى المعيشة، والجمارك دالة على حجم  الواردات ‏والصادرات، وبنود الإنفاق دالة على أولويات الاهتمامات العامة.. وهكذا!‏

وقبل أيام كتب روبرت كوتنر مقالًا على موقع «أمريكان بروسبيكت» بعنوان كاشف هو: «الشخص العاقل الوحيد في غرفة ترامب»، وكان يقصد وزير الخزانة سكوت بيسنت، ‏ويتساءل: هل أصبحت أيامه معدودة مع الرئيس؟

والسؤال يشى بحجم الصراعات المتفجرة في واحدة من أهم الوزارات الأمريكية، وبالطبع ‏ترامب هو الذي يمسك بالمفجر في يديه ويضغط على زر فيه كل بضعة أيام، وأحيانًا كل ‏بضع ساعات والمسألة ليست التعريفات الجمركية فحسب..‏

في الأسبوع الماضي على سبيل المثال هدد ترامب بعض المؤسسات الأمريكية بسحب صفة ‏‏«عدم الربحية» التي تمنع عنها المحاسبة الضريبية، منها ثلاث جامعات كبرى: هارفارد ‏وبرينستون وكولومبيا، وهي جامعات شهدت تعاطفًا إنسانيًا مع أهل غزة، وتظاهر عدد غير ‏قليل من طلابها ضد جرائم جيش الإبادة الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، خاصة ضد الأطفال ‏والنساء، وهو ما اعتبره ترامب «معاداة للسامية»، كما لو أن السامية الصهيونية من حقها أن ‏ترتكب جرائم حرب كما تشاء ضد مدنيين عزل، وكان هؤلاء الطلبة يدافعون عما تبقى من ‏ضمير الحضارة الغربية، الذي مرمغته البربرية الإسرائيلية في تراب غزة، وهو ما لم يعجب ‏الرئيس الأمريكي ولا حزبه الجمهوري الولع بالصهيونية، وضم إلى الجامعات الثلاث ‏منظمة «مواطنون من أجل المسئولية»، وهي مؤسسة مجتمع مدني، رفعت عددًا من الدعاوى ‏القضائية ضد ترامب وقراراته وقالت: الحكم الرشيد هو قلب الديمقراطية، وسنواصل القيام ‏بعملنا لضمان حصول الأمريكيين على حكومة أخلاقية خاضعة للمساءلة.‏

وطلب ترامب من هارفارد تعديل سياسات القبول، حتى يضمن خلوها من ‏‏«أصحاب الضمائر المناهضين للجرائم الإسرائيلية»، بزعم أن تصرفات هؤلاء المناهضين ‏عرضت الطلاب اليهود للخطر، لكن الجامعة رفضت، فجمد حصتها من الأموال الفيدرالية ‏البالغة 2.2 مليار دولار.‏

بالطبع لم تسكت جامعة هارفارد، التي تحتل المرتبة الأولى على قائمة أفضل الجامعات في ‏العالم، ورفعت دعوى قضائية ضد إدارة ترامب لإلغاء قرار التجميد، الذي يمس مستوى ‏التعليم في تلك الجامعة العريقة.‏ لم يهدأ ترامب وراح يهددها بأن مصلحة الضرائب سوف تسحب من الجامعة الإعفاء ‏الضريبي بإلغاء صفة «عدم الربحية» عنها.‏

فردت الجامعة على لسان متحدثها الرسمي جيسون نيوتن: «لا يوجد أساس قانوني لإلغاء حالة ‏الإعفاء الضريبي».‏

وبالفعل عزل ترامب ميلاني كراوس المفوض العام لمصلحة الضرائب دون علم وزير ‏الخزانة سكوت بيسنت، وعين بدلًا منه «جارى شابلي»، حليف البلياردير إيلون ماسك ‏المشرف على الكفاءة في الحكومة الفيدرالية، وما كاد بيسنت يستوعب المفاجأة حتى هرع إلى ‏ترامب معترضًا، فمصلحة الضرائب جزء من وزارة الخزانة، وشابلي لا يصلح لها، وأن ‏الأجدر بالمنصب ذي المهام الصعبة هو مايكل فولكندر نائبه، الأستاذ السابق في علم المالية ‏العامة، والذي سبق له الخدمة بالوزارة في ولاية ترامب الأولى، وبالفعل اقتنع ترامب، ‏ليصبح فولكندر رابع رئيس لمصلحة الضرائب في أربعة أشهر فقط!!‏

واشتعلت حرب المنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي بين بيسنت وماسك!‏

نعم.. تبدو التصرفات كأنها في دولة من دول العالم الثالث، أو أن أمريكا في طريقها أن تصبح ‏جمهورية الموز العظمى.‏

‏ عمومًا لم تكن هذه أول مرة ينتقد فيه بيسنت رئيسه من قرار عشوائي، المرة السابقة حين ‏سلم ترامب دماغه لمستشاره الأكثر تطرفًا بيتر نافارو، الذي يلقب بالمهندس الرئيسي ‏للتعريفات الجمركية، فانهارت أسواق المال، لكن بيسنت تدخل واتصل بوزير التجارة هوارد ‏لوتنيك، وأقنعه بأن يذهبا معًا إلى ترامب، وبالفعل شرحا له مخاطر الانهيار المالي، وظلا ‏يتحدثان إليه حتى كتب منشورًا على موقع  «سوشيال تروث» يعلق فيه الرسوم الجمركية عن ‏التنفيذ.‏

ويدور الهمس في واشنطن حاليًا أن بيسنت يحاول جاهدًا خلخلة فكرة ترامب المسيطرة عليه ‏بإقالة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جاي بول، وقد ظهر على فضائية بلومبرج واصفاً ‏السياسة النقدية للبنك بأنها «صندوق مجوهرات يجب الحفاظ عليه»!‏

لكن ترامب لم يتراجع عن الهجوم على محافظ البنك، ووصفه بأنه «مستر متأخر جدًا»، وقال ‏بالنص على منصة إكس: يطالب الكثيرون بتخفيضات استباقية على أسعار الفائدة، ومع ‏انخفاض تكاليف الطاقة سوف تتجه أسعار المواد الغذائية إلى الانخفاض، ومعها معظم ‏الأشياء الأخرى، لا يوجد تضخم تقريبًا، لكن من الممكن أن يكون هناك تباطؤ في الاقتصاد، ‏ما لم يخفض مستر «متأخر جدًا» أسعار الفائدة، وهو الخاسر الرئيسي، أوروبا فعلتها سبع ‏مرات، لكن «باول» يأتي متأخرًا للغاية كالعادة، باستثناء المرة التي حدثت خلال الانتخابات، ‏وخفض راتبه من أجل مساعدة «جو بايدن» النائم، الذي تراجع لمصلحة كامالا هاريس!!‏

فعلًا مسألة غريبة جدًا.. هل يعقل أن تناقش السياسات المالية لأمريكا على صفحات التواصل ‏الاجتماعي؟

عمومًا لا تقف الخلافات عند سياسات المالية العامة، وإنما امتدت إلى كل الجوانب تقريبًا، ‏والخلافات تعني شائعات ونميمة وغيبيات، وهي علامات بارزة تصاحب ولاية الرئيس دونالد ‏ترامب، وقد حدثت في ولايته الأولى، لكن هذه المرة أكثر حدة وشراسة، بسبب الصراعات  ‏بين كبار المسئولين بمن فيهم وزير الدفاع بيت هيجسيث، حول السياسات التجارية والأمن ‏القومي والولاء الداخلي!‏

هل تتخيلوا أن وزير الدفاع الأمريكي يتبادل معلومات عسكرية حساسة حول الغارات ‏الأمريكية على اليمن، على تطبيق مراسلات مشفر (سيجنال)، يضم في مجموعته زوجة ‏هيجيسث وشقيقه ومحاميه الشخصي، كما لو أن الأمن القومي مسألة مشاع.‏

هذه دولة عظمى في قلب إعصار عنيف، والمدهش أن الأمريكيين العاديين لا ينتبهون بالرغم ‏من تحذيرات كبار متعلميهم ومثقفيهم ومفكريهم، يبدو أن جمهورية الموز العظمى على ‏الأبواب!‏!‏