الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

علاقات قوية ومحبة عميقة جمعت قيادتى الكنيستين البابا تواضروس: كان صوتًا للسلام والحق وترك مثالًا رائعًا فى خدمة الإنسان فى كل مكان

رحل بابا السلام والوداعة، حبيب الفقراء، البسيط... رحل البابا فرنسيس بابا الفاتيكان بعد رحلة عطاء امتدت نحو 12 عامًا اتسمت حبريته بالتركيز على الرحمة والتواضع وكذلك انفتاحه على الجميع، فشهدت تلك الفترة تقاربًا شديدًا بين الفاتيكان وجميع الأديان والطوائف.



 

ومن أبرز ملامح حبرية البابا فرنسيس كانت علاقته الوطيدة والمتميزة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولا سيّما بالبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والتى بدأت فى مايو عام 2013، حين قام البابا تواضروس بزيارة تاريخية إلى الفاتيكان، كانت الأولى من نوعها منذ زيارة البابا شنودة الثالث للبابا يوحنا بولس الثانى قبل أربعين عامًا.

ومن ثَمّ، أُعلن عن يوم العاشر من مايو من كل عام يومًا للصداقة بين الكنيستين، فى دلالة رمزية تعبّر عن الرغبة الصادقة فى تعزيز أواصر المحبة والوحدة.

كما قام البابا فرنسيس بزيارة إلى مصر فى أبريل من عام 2017، بعد أحداث مؤلمة طالت كنائس طنطا والإسكندرية، وزار خلالها الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، حيث وقّع مع البابا تواضروس بيانًا مشتركًا أكّد على الاحترام المتبادل، والتزام الكنيستين بالسعى نحو الوحدة، ونبذ العنف والطائفية.

ولم يتوانَ البابا فرنسيس عن الإشادة بصمود الأقباط، واصفًا إياهم بـ«شهداء هذا العصر»، ومؤكدًا أنّ دماءهم توحّد الكنائس أكثر من أى حوارات لاهوتية.

ونعاه قداسة البابا تواضروس الثانى فى تصريحات إعلامية له قائلا «نعزى العالم كله فى وفاة هذا الرجل الذى خدم البشرية كلها، البابا فرنسيس رغم أنه ظل على كرسى مدينة روما لمدة 12 سنة لكنها مدة كانت مملوءة بالعمل والنشاط والخدمة فى كل مكان حل فيه، وترك لنا مثال القلب المفتوح لكل إنسان».

وأضاف: «لا شك أن البابا فرنسيس كان صوتًا للسلام فى كل الأزمات والصراعات على مستوى العالم، وكان دائمًا صوتًا للسلام وصوتًا للحق. يقف إلى جوار الإنسان المظلوم والمتعب والمهمش والمنسي».

وعن العلاقات المتميزة بين الكنيستين القبطية والكاثوليكية، قال البابا تواضروس: «علاقاتنا كانت طيبة كلها احترام وثقة فى قالب من الوداعة والتواضع، زارنا فى مصر سنة 2017 والتقى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى وكانت زيارة مباركة للغاية، وفى نفس الوقت زرته مرتين عامى 13 و23 والزيارة الأخيرة كانت بمناسبة مرور 50 عامًا على بداية العلاقات بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية».

ووجه قداسة البابا رسالة تعزية للكنيسة الكاثوليكية، جاء فيها: «انتقال الإنسان من هذه الأرض معروف لكل البشر وانتقال هذا الرجل الذى خدم العالم كله، خدمة حقيقية من القلب، لكل إنسان، نعزى كل الكنيسة وكل أولاده وشعوبه الكثيرة، وما يعزى أنه ترك لنا قدوة ومثالًا رائعًا فى خدمة الإنسان فى كل مكان».

وكلف قداسة البابا تواضروس وفدًا برئاسة نيافة الأنبا برنابا أسقف تورينو وروما لحضور جنازة بابا الفاتيكان الراحل.

البابا فرنسيس والكنيسة القبطية الأرثوذكسية

رحلة طويلة فى علاقة الكنيسة القبطية بالفاتيكان وباباوت الكنيسة الكاثوليكية، من محطاتها الرئيسية كان مع الراحل قداسة البابا كيرلس السادس البابا الـ116 وطلبه لجزء من رفات مارمرقس من روما وبالفعل تمت تلبية طلبه واستقبل قداسته رفات مارمرقس فى مصر عام 1968، ثم فى عهد قداسة البابا شنودة الثالث والذى زار الڤاتيكان عام 1973، كان أول بابا من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يزور الڤاتيكان، وعادت العلاقات بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية فى روما، بعد انقطاع الحوار بين الكنيستين لمدة خمسة عشر قرنًا من الزمان، إلى أن نصل الى آخر محطاتها حين جلس قداسة البابا تواضروس الثانى على السدة المرقسية فى 18 نوفمبر 2012، ففى يوم تجليسه حضر وفد رسمى لحضور الصلوات وفى شهر أبريل 2013 زار البابا سفير الفاتيكان ودعاه لزيارة الفاتيكان، رحب البابا بالزيارة على أن توافق 10 مايو حتى تكون استكمالا لمسيرة البابا شنودة الثالث، وهنا وجه الفاتيكان لقداسة البابا تواضروس دعوة رسمية يوم 10 مايو من نفس العام برغم أن الفترة الزمنية قبل إعداد الزيارة للفاتيكان 8 شهور إلا أن كل البروتوكولات والقواعد كسرت من أجل المحبة وقد كانت استجابة سريعة عنوانها الصداقة والأخوة.

وفى لقائه الرسمى قال قداسة البابا تواضروس لقداسة البابا فرنسيس: لقد جئت من «بلد النيل»، ومن كنيسة عريقة من 19 قرنًا ووطن الرهبنة، معربًا عن الأمل أن هذا اللقاء يكون الأول فى سلسلة طويلة من الاجتماعات من المحبة والأخوة بين اثنتين من كبرى الكنائس، مقترحًا أن يكون يوم 10 مايو من كل عام هو «يوم المحبة الأخوية» بين الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية القبطية.

 وقد ألقى البابا فرنسيس كلمة قال فيها: إن هذه الزيارة اليوم تقويّ روابط الصداقة والأخوّة التى تربط كرسى بطرس بكرسى مرقس، الوريث لميراث نفيس من شهداء ولاهوتيين ورهبان قديسين وتلاميذ أمناء للمسيح شهدوا للإنجيل عبر الأجيال وغالبًا فى أوضاع فى غاية الصعوبة.

كان اللقاء تاريخيًا ومميزًا فى كل أركانه حتى فى التوقيت الذى استغرقته الجلسة بأكثر من 90 دقيقة، بينما لا تتجاوز لقاءات البابا مع الرؤساء والملوك أكثر من 20 أو 30 دقيقة على الأكثر، وفيها استعرض البابا تواضروس تاريخ الكنيسة الشرقية، وسط إنصات وجدانى للبابا فرنسيس، أعقبه أداء صلاة مشتركة من أجل السلام باللغة اللاتينية والقبطية والعربية والإنجليزية. وكانت الزيارة التاريخية للبابا تعد دفعًا جديدًا للعلاقات الجيدة بين الكنيستين، وتعزيز أداء لجنة الحوار المشتركة بين الجانبين.

فى أبريل 2017 زار البابا فرنسيس البابا تواضروس الثانى على أرض مصر واعتبر قداسته زيارته للكاتدرائية المرقسية علامة صلابة للعلاقة التى سنة بعد سنة تنمو فى التقارب والإيمان ومحبة يسوع المسيح، ووقع البابوان فى هذا اللقاء التزامًا بالسعى من أجل الوحدة.

 وحرص البابا فرنسيس فى هذه الزيارة أن يصلى على أرض الأنبا رويس الصلاة المسكونية ليشارك فى مسكونية الآلام متذكرًا شهداء الكنيسة البطرسية.

 ورحب البابا تواضروس به قائلًا «إن زيارتَكم اليوم هى خطوة جديدة على طريق المحبةِ والتآخِى بين الشعوب... فأنتم رمزٌ من رموزِ السلامِ فى عالم صاخب بالصراعات والحروب، عالم يتوقُ لجهود مخلصة فى نشر السلام والمحبة ونبذ العنف والتطرف... فأهلًا بكم فى أرضِ مصرَنا الحبيبة، التى تدفع كل لحظة ضريبة الدم من زكِيّ الدماء وزهرةِ الشباب، لأجل أن تبقى أرضَ السلامِ للجميع، فمرحبًا بقداستكم بابا السلام فى أرض السلام. إننا إذ نستقبلكم اليوم فى الدار البطريركية وبمزيجٍ من المحبِة والسعادة، نتذكرُ حفاوةَ قداستِكم وكرمَ ضيافتِكم إبانَ زيارتنا لحاضرةِ الفاتيكان منذ أربع سنوات، إذ وجدنا رجلا مملوء بروح الله، ولمسنا -والوفدُ المرافقُ لنا- جهدَكم الحثيث المبارك فى سبيلِ تضفيرِ وتوثيقِ العلاقات بين اثنين من أقدم الكراسى الرسولية؛ كرسى بطرس وكرسى مرقس، وهو ما يستحقُ كلَ إعزازٍ وإجلال». 

وتكررت المقابلة الرسولية بين البابا فرنسيس والبابا تواضروس فى يوم الصلاة العالمى فى مدينة بارى بإيطاليا يوليو عام 2018 للصلاة من أجل السلام فى الشرق الأوسط، ويقول قداسة البابا تواضروس عن هذا اللقاء إنه بالحقيقة كان يومًا مشهودًا وربما ليس له مثيل منذ قرون عديدة، حيث اجتمعت كل مشاعر المحبة المسيحية الصادقة والتى تربط المؤمنين باسم مخلصنا يسوع المسيح فى لقاء حب وصلاة وسلام، وقد تبادل الآباء المساعدة لإعادة اكتشاف وجود المسيحى فى الشرق الأوسط.

وفى حدث تاريخى استثنائى، غادر قداسة البابا تواضروس الثانى، يوم الثلاثاء 9 مايو عام 2023، أرض الوطن متوجهًا إلى الفاتيكان، حيث التقى بقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، فى زيارة حملت أسمى معانى المحبة والوحدة المسيحية.

وجاءت الزيارة احتفالًا بمرور خمسين عامًا على بدء الحوار اللاهوتى الرسمى بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، بعد قطيعة امتدت نحو خمسة عشر قرنًا منذ مجمع خلقيدونية عام 451م، كما أحيت الذكرى العاشرة لإعلان «يوم المحبة الأخوية»، المبادرة التى أطلقها قداسة البابا تواضروس الثانى خلال زيارته الأولى للفاتيكان فى عام 2013، والتى مهدت لزيارة قداسة البابا فرنسيس التاريخية إلى مصر عام 2017، وتوقيع البيان المشترك الذى أكد التزام الكنيستين بالسعى نحو تعزيز الحوار والتقارب.

استهل قداسة البابا تواضروس الثانى زيارته بالصلاة من مزار القديس بطرس الرسول، مجسدًا بعمق صلاة السيد المسيح «ليكونوا واحدًا». وفى صباح الأربعاء 10 مايو، شارك قداسته فى اللقاء العام الذى أقيم بساحة القديس بطرس؛ حيث ألقى كلمة مؤثرة عبّر فيها عن فرحه العميق بمسيرة الحوار التى امتدت خمسة عقود، وأثنى على الجهود التى بذلتها اللجنة اللاهوتية المشتركة بين الكنيستين، والتى أثمرت عن نتائج مشجعة وأرست أسسًا صادقة لتعزيز الأخوة المسيحية.

كما شهدت الزيارة احتفالًا باليوبيل الذهبى للحوار، فى ذكرى البيان المشترك التاريخى الذى وقعه البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث عام 1973.

ولم تغب عن الاحتفال ذكرى السعى المبكر نحو التقارب، حين أرسل القديس البابا كيرلس السادس مراقبين عن الكنيسة القبطية إلى المجمع الفاتيكانى الثانى عام 1965، وطالب بعودة رفات القديس مارمرقس الرسول إلى مصر عام 1968، مما شكل تمهيدًا لجهود الحوار الرسمية.

وفى يوم الخميس 11 مايو، التقى قداسة البابا تواضروس الثانى مع قداسة البابا فرنسيس مجددًا فى لقاء خاص مع وفدى الكنيستين، أعقبته إقامة صلاة مسكونية فى كنيسة «أم الفادي» بالقصر الرسولى، حيث صلى البابوان صلاة مشتركة.

وقد حملت هذه الزيارة التاريخية بكل محطاتها رسالة قوية للعالم: أن الحب الذى يجمع الكنائس أقوى من الجراح التى فرقتها، وأن الرجاء لا يموت ما دامت قلوب الرعاة مفعمة بالإيمان، وما دامت الكنائس تسير معًا فى طريق الحوار والمحبة.