صفقات سياسية وتجارية وعسكرية كواليس الحرب فى الشرق الأوسط

آلاء البدرى
تشهد منطقة الشرق الأوسط أنماطًا مختلفة من العنف والصراعات والحروب، حتى أصبحت ساحة جيوسياسية مهمة لتغيير موازين القوة ليست الإقليمية فقط بل الدولية أيضا، لكن من الواضح أن كواليس الحرب تجاوزت استراتيجية ترامب وتتجاوز إيران وبرنامجها النووى ومساعى عزل الصين وإعادة ضبط الصراعات الإقليمية وإبعاد بكين عن موسكو وإعادة توجيه تدفقات الطاقة العالمية وأسعارها ودعم إسرائيل اللامتناهى حيث عقدت على خلفية الحروب صفقات سياسية وتجارية وعسكرية واستثمارية من شأنها أن تغير شكل ومستقبل المنطقة بأكملها.
الصفقات التجارية
فى الوقت الذى يفاجئ فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كل يوم بخطة جديدة للسيطرة على غزة وإخلاء منطقة يقطنها ما يقدر بنحو 2 مليون ونصف مليون نسمة بحجة إنهاء الحرب ويدعو إلى إدخال الولايات المتحدة بشكل أعمق فى المنطقة، تعقد عائلته مجموعة متنامية من الصفقات والمصالح العقارية والتجارية، على خلفية الحرب، مع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، إذا ما أخذنا فى الاعتبار كامل استثمارات ترامب بالإضافة إلى صهره جاريد كوشنر، فقد نجد أن الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية تحول إلى بؤرة اهتمام عائلة ترامب من حيث صفقات العقارات الدولية الجديدة، وتعد معظم هذه الصفقات أو ما تسمى بصفقات العلامات التجارية مصدر ربح مفتوحًا يدر على العائلة عشرات الملايين من الدولارات كرسوم مقابل حق استخدام الاسم للمساعدة فى تعزيز مبيعات الشقق الفاخرة وملاعب الجولف والفنادق، ومؤخرا تم توقيع صفقة مع شركة عقارية مقرها السعودية تدعى دار الأركان لبناء شقق فاخرة شاهقة الارتفاع وملاعب جولف أو فنادق فى عمان والمملكة العربية السعودية ودبى، وتدرس عائلة ترامب حاليا صفقة محتملةً فى إسرائيل، ورغم الحرب لا تزال مهتمة بتنفيذ مشروع ضخم هناك لم يعلن عنه بعد وفقًا لما ذكرته صحيفة التايمز إسرائيل، وصرح إريك ترامب نجل ترامب بأنه ينوى الانتظار حتى انتهاء الحرب قبل المضى قدمًا ومن المتوقع أن تكون هذه الصفقة تشمل جزءا كبيرا من الأراضى الفلسطينية المطلة على البحر كما يدير صهر الرئيس كوشنر شركة استثمار خاصة تسمى أفينيتى بارتنرز التى جمعت 4.5 مليار دولار معظمها من صناديق الثروة السيادية للدول الغنية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة استنادا إلى العلاقات التى بناها كمستشار للسيد ترامب خلال فترة ولايته الأولى.
و استثمر كوشنر أيضا فى شركتين على الأقل مقرهما إسرائيل، فينيكس القابضة وهى شركة تأمين، وقسم تأجير السيارات التابع لشركة شلومو القابضة وشريك كوشنر التجارى فى شركة شلومو القابضة هو أيضًا مالك جزئى لشركة بناء السفن الحربية المحلية الوحيدة فى إسرائيل، وهذا يضعه فى علاقة عمل مع مديرين تنفيذيين هم أيضًا مساهمون رئيسيون فى شركة مقاولات عسكرية إسرائيلية استخدمت سفنها فى حرب غزة وهى مزودة بأسلحة أمريكية الصنع، وكان كوشنر أول من طرح العام الماضى فكرة اعتبار غزة موقعًا محتملًا للتطوير العقارى، وقال كوشنر خلال فعالية رعتها كلية كينيدى للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد العام الماضى قد تكون العقارات المطلة على الواجهة البحرية فى غزة قيمة للغاية مقترحا أن تخلى إسرائيل السكان ثم تنظف المنطقة، ومن الواضح أن ترامب وكوشنر مهتمان بفكرة تطوير غزة كمشروع عقارى وليس كوطن لأكثر من مليونى فلسطينى يعيشون هناك حالياً حيث أثارت صفقاتهما وتصريحاتهما بشأن غزة ردود فعل غاضبة من الفلسطينيين وإدانات سريعة من مجموعة واسعة من الحكومات فى جميع أنحاء العالم، وهناك شكوك كبيرة حول جدواها على مستويات متعددة ومع ذلك، ونظراً لتنامى مصالح منظمة ترامب العقارية فى المنطقة والتعليقات الواضحة من جانب ترامب وصهره يبدو أنهما على الأقل جادان بشأن الفكرة على الأقل من الناحية التجارية.
الصفقات العسكرية
بلغ إجمالى إنفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الدفاع 220.6 مليار دولار أمريكى فى عام 2024، أى ما يعادل حوالى %9.5 من إجمالى الإنفاق العالمى فى ذلك العام وقد زادت جميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريبًا التى تنشر بيانات إنفاقها الدفاعى السنوى ميزانياتها على أساس سنوى بدءًا من أواخر عام 2023 بمعدل نمو متوسط بلغ %15.6 وهو أسرع معدل نمو فى العالم متجاوزًا حتى معدل النمو فى أوروبا مما جعل الصفقات العسكرية على خلفية الحرب هى الأكثر فى الفترة الأخيرة وتصدرت تركيا قائمة الصفقات العسكرية، حيث حصلت على صفقات تصدير بمليارات الدولارات على مدى السنوات الخمس الماضية صدرت تركيا %18 من أسلحتها إلى الإمارات العربية المتحدة و%10 إلى باكستان و%9.9 إلى قطر بحسب تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام وأظهرت البيانات أن تركيا نجحت فى خفض وارداتها من الأسلحة بنسبة %33 فى الفترة 2020-2024 مقارنة بالفترة 2015-2019 وقد أدت الإيرادات المتزايدة لشركات الأسلحة الكبرى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية المريرة وأبرزها هجمات إسرائيل غير المعقولة على غزة والتى أودت بحياة الآلاف بشكل مباشر والعديد غيرهم لأسباب غير مباشرة بمن فى ذلك أكثر من 62 ألف شخص ماتوا جوعًا وايضا الكوارث الإنسانية فى السودان والساحل الإفريقى ومن الآثار الرئيسية الأخرى للزيادة الكبيرة فى إيرادات كبرى شركات تصنيع الأسلحة تحويل التمويل والكفاءات عن معالجة المشاكل العالمية الملحة من تغير المناخ إلى الفقر وتفشى الأمراض وكلما ازداد اعتماد الشركات والدول على أرباح الحروب زادت صعوبة تحويل التمويل نحو أولويات أخرى كما أن استمرار عسكرة الاقتصاد العالمى له تكلفة مضاعفة أرواح تزهق فى الصراعات ومشاكل مدمرة تترك دون حل يجب التعامل مع هذا الوضع على أنه أكثر بكثير من مجرد عرض للإحصائيات حول المستفيد من عالم فى حالة حرب بل يجب التعامل معه كدعوة ملحة للعمل من أجل تغيير الأولويات العالمية.
ومن بين الصفقات العسكرية المهمة التى من الممكن أن تحدث توترا محتملا على الأراضى السورية مرة أخرى صفقة سرية أبرمتها تركيا مع السلطة السورية، حيث أكدت مصادر مطلعة أن تركيا تنوى السيطرة على قاعدة تياس الجوية السورية الواقعة قرب تدمر المعروفة أيضًا باسم T4 وتستعد لنشر أنظمة الدفاع الجوى هناك من نوع حصار لتوفير الغطاء الجوى للقاعدة وبمجرد تركيب النظام ستعاد بناء القاعدة وتوسيعها بالمرافق اللازمة كما تخطط أنقرة لنشر طائرات استطلاع وطائرات مسيرة مسلحة بما فى ذلك طائرات ذات قدرات هجومية موسعة وأضافت المصادر أن القاعدة ستساعد تركيا على ترسيخ السيطرة الجوية على المنطقة ودعم جهودها فى مكافحة تنظيم داعش الذى لا يزال لديه خلايا تنشط فى مخيمات السورية وملء الفراغ الذى تركته إيران وروسيا وتهدف أنقرة فى نهاية المطاف إلى إنشاء نظام دفاع جوى متعدد الطبقات فى القاعدة وحولها والذى سيكون لديه قدرات دفاع جوى قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى ضد مجموعة متنوعة من التهديدات من الطائرات النفاثة إلى الطائرات بدون طيار إلى الصواريخ ورغم أن المسئولين الأتراك قللوا فى السابق من احتمال وجود عسكرى فى سوريا ووصفوا مثل هذه الخطط بأنها سابقة لأوانها فإن المفاوضات استمرت بهدوء وابرمت الصفقة فى سرية تامة حتى أن وزارة الدفاع التركية رفضت التعليق.
صفقات الصين المتنوعة
أدى الدعم الواسع للتواصل مع الصين فى الخطاب العام والنخبوى والإعلامى فى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خاصة فى مصر والسعودية والإمارات إلى تحقيق بكين اختراقات استراتيجية مهمة فى المنطقة فى ظل الحروب المشتعلة وتشير آراء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجاه الصين فى أعقاب أحداث 7 أكتوبر أنها نجحت فى ترسيخ مكانتها كقوة بديلة فى المنطقة قوة تعتبر أكثر انسجامًا مع أولويات الجنوب العالمى، وبالتالى شريكًا مفضلًا أكثر من الولايات المتحدة أو أوروبا ومن خلال المشاركة الدبلوماسية المكثفة والتدخلات الإقليمية والعالمية الصغيرة والتدخلات الإبداعية برزت الصين كقوة استقرار فى المنطقة وعززت مكانتها كقائدة وأمنت أصولها ومواطنيها فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وضمنت الوصول إلى إمدادات الطاقة والأسواق المحلية كما عززت الصين دبلوماسيتها الثنائية ومتعددة الأطراف لضمان وصول النفط والغاز وتوسيع التعاون الاقتصادى لا سيما فى قطاعات التكنولوجيا المتقدمة الرئيسية مثل البنية التحتية الرقمية والمركبات الكهربائية والطاقة المتجددة فمنذ بدء حرب غزة وقعت الصين اتفاقيات طاقة رئيسية لإنتاج واستكشاف وتجارة النفط والغاز الطبيعى المسال مع الجزائر وإيران والعراق وقطر والإمارات العربية المتحدة كما أصبحت الصين الشريك الأجنبى الأول للعراق فى مجال النفط والغاز حيث استحوذت على ما لا يقل عن %35 من إجمالى صادرات البلاد اعتبارًا من نوفمبر 2024 بالإضافة إلى ذلك شهدت صناعة السيارات الكهربائية الصينية توسعًا ملحوظًا منذ حرب غزة سواءً فى الوصول إلى الأسواق أو الإنتاج فى عام 2024 أنشأت شركة نيو الصينية للسيارات الكهربائية مشروعًا مشتركًا مع شركة سى فى إن القابضة فى أبوظبى لتصنيع وتوزيع السيارات الكهربائية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتعاون مع مصر لدمج أسواق شمال إفريقيا كما وقعت شركتا شيجيت موتور وفاو جروب الصينيتان لصناعة السيارات اتفاقيات مع شركات جزائرية ومصرية للإنتاج والتوزيع محليًا وأنشأت أكثر من 10 شركات صينية للسيارات الكهربائية بما فى ذلك بى واى دى مراكز تصنيع فى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حيث يتزايد الطلب بالتزامن مع زيادة العرض الصينى كما عززت الصين استثماراتها فى الطاقة النظيفة فى المنطقة منذ حرب غزة وفى حين أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت منذ فترة طويلة نقطة محورية لمشاريع مبادرة الحزام والطريق فقد استفادت بكين من مكانتها الإقليمية الأقوى لتوقيع صفقات بارزة فى مجال الطاقة المتجددة ففى عام 2024 دخلت شركات صينية مثل شركة China Energy Engineering وJinko Solar وTCL Zhonghuan فى شراكة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودى لبناء محطات تصنيع المياه ومزارع الرياح والطاقة الشمسية ومصانع الخلايا الشمسية باستثمارات تتجاوز 3 مليارات دولار وتتماشى هذه المشاريع مع المبادرة الخضراء للمملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها بما يتجاوز الوقود الأحفورى كما تدعم الصين استراتيجية الإمارات العربية المتحدة للصفر الصافى 2050 وهى الجهود التى تسارعت عقب قمة شى جين بينغ فى يونيو 2024 مع الشيخ محمد بن زايد وهناك مبادرات مماثلة جارية فى الجزائر ومصر والمغرب وتونس بما فى ذلك تطوير مصانع الكيماويات الخضراء فى مصر ومصانع الألواح الشمسية فى الجزائر ووقعت بكين أيضا مذكرات تفاهم مع القاهرة والرياض وأبو ظبى فى مجالات الذكاء الاصطناعى والمراقبة والأمن السيبرانى كما أصبحت الصين بشكل متزايد المورد الرئيسى للأسلحة وأنظمة الفضاء الجوى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما فى ذلك الطائرات المقاتلة المتقدمة والطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية من شركات مثل مينو سبيس وبيدو للملاحة وتعد هذه المبادرات أساسية لاستراتيجية طريق الحرير الرقمى الصينية التى تهدف إلى تعزيز تفوقها التكنولوجى العالى مع تعزيز المعايير الرقمية العالمية المتوافقة مع النموذج الصيني.