من «دوللى» لـ«الذئب الرهيب» طفرة فى الاستنساخ تعيد الحيوانات المهددة بالانقراض للحياة

مى زكريا
من النعجة « دوللى» إلى الذئب الرهيب.. أثارت تجارب الاستنساخ جدلا واسعا فى الأوساط العلمية والدينية حول العالم، ما بين من يعتبرها إنجازا ومعجزة علمية ومن يراها خطرا يهدد التوازن البيئى، وتحديا لقوانين الطبيعة.
أثبت نجاح تجارب الاستنساخ خلال السنوات الأخيرة أن الاستنساخ تحول إلى حقيقة علمية قائمة وواقع يتجسد داخل المختبرات فى دول العالم الأول والاحتفال بنجاحات متتالية والقدرة على إعادة الحياة من جديد لعدد من المخلوقات نجد على الجانب الآخر تخوفات من التأثير على التوازن البيئى، ومخاوف من طرح إعادة إحياء الديناصورات من جديد لنجد تجسيدا حيا لفكرة «Jurassic Park» رغم تأكيد العلماء على صعوبة الأمر بسبب أن الحمض النووى للديناصورات التى انقرضت قبل 65 مليون عام قد تحلل كليًا بمرور الزمن.
وفى خطوة غير مسبوقة أعلن باحثون أمريكيون بشركة «كولوسال بيوساينس» (Colossal Biosciences) الأمريكية المتخصصة فى التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية «إعادة إحياء» نوع من الذئاب يعرف بـ«الذئب الرهيب» انقرض قبل آلاف السنين، كأول حيوان يعاد إحياؤه بنجاح فى العالم.
وأوضحت الشركة أنها استخدمت «الهندسة الوراثية المتقدمة والحمض النووى القديم» لإعادة إحياء 3 جراء من «الذئاب الرهيبة»، حيث تم استخراج وتحليل الحمض النووى من حفريات قديمة لهذا النوع، بما فى ذلك أسنان عمرها 13 ألف عام وعظمة أذن داخلية عمرها 72 ألف عام.
وأدت ثلاث حالات من الحمل إلى ولادة أول نوع أُعيد إلى الحياة من خلال استخدام كلاب منزلية وتحديدا كلاب صيد كبيرة من سلالات مختلطة كأمهات بديلات حيث ولد جراء الذئب الرهيب الذكر فى أكتوبر 2024، بينما ولد الجرو الأنثى فى يناير 2025.
وذكرت الشركة أن «الذئاب الرهيبة كانت أكبر حجما من الذئاب الرمادية ورأسها أعرض قليلا وتتمتع بفراء خفيف وكثيف وفك أقوى».
التحليل الجينى
وتعيش الذئاب الرهيبة الثلاثة فى مكان غير معلن محاط بسياج مخصص لحدائق الحيوانات بارتفاع 3 أمتار، حيث تتم مراقبتها بواسطة أفراد الأمن والطائرات من دون طيار وكاميرات.
وذكر أحد الباحثين بالشركة أنّ الفريق أخذ الحمض النووى من سن عمره 13,000 سنة وجمجمة عمرها 72,000 سنة وأنتج جراء ذئاب رهيبة صحية.
وقال علماء فى شركة «كولوسال بيوساينسز» إنهم تمكنوا من تجميع جينومين عاليَيْ الجودة للذئب الرهيب Aenocyon Dirus أو مجموعتين كاملتين من المعلومات الجينية قارنها الفريق مع جينومات الحيوانات الكلبية الحية مثل الذئاب والكلاب البرية، والثعالب لتحديد المتغيرات الجينية التى تخص صفات الذئاب الرهيبة مثل الفراء البيضاء والكثيفة.
ثم استخدمت الشركة المعلومات الناتجة عن التحليل الجينى لتعديل خلايا الذئب الرمادى، حيث أجرت 20 تعديلًا فى 14 جينًا، قبل استنساخ أكثر خطوط الخلايا وعدا ونقلها إلى بويضات الأمهات البديلات بهدف الحمل وفق ما جاء فى البيان الصحفى.
هذه التجارب لم تكن الأولى من نوعها، ففى عام 1996 خرجت النعجة «دوللى» إلى الحياة فى معهد روزلين فى أسكتلندا كأول كائن حى يتم استنساخه من خلية جسدية بالغة وهو ما يعد إنجازا علميا كبيرا فتح أبوابا جديدة لعالم الاستنساخ لتتوالى التجارب فى استنساخ ما بين حيوانات أليفة ومتوحشة من الكلاب والقطط والثيران والنمور بعضها لأغراض طبية وبعضها لأهداف بيئية أو اقتصادية أو بهدف تحقيق رغبات شخصية لبعض الأشخاص فى «استعادة» حيواناتهم الأليفة المفضلة.
النعجة دوللى هى أنثى خروف فنلندى عاشت قرابة 6 أعوام واشتهرت بكونها النعجة الأولى التى نتجت عن استنساخ لحيوان ثديى بالغ وذلك بعد عقود من المختصين فيها بأن الثدييات البالغة لا يمكن استنساخها نهائيًا وحاليا يتم الاحتفاظ بالنعجة دوللى بعد وفاتها داخل متحف أسكتلندا الوطنى فى إدنبرة.
لم تكن تجربة استنساخ النعجة دوللى أول تجربة استنساخ ناجحة فى التاريخ، وإنما سبقتها بعض عمليات الاستنساخ الأخرى، منها استنساخ الضفدع عام 1958 من قبل أحد علماء الأحياء فى بريطانيا ولكن عملية استنساخ هذه النعجة تميّزت بكونها أول تجربة لاستنساخ حيوان ثديى من خلية بالغة ولم تنجح هذه التجربة قبل النعجة دوللى.
لم تتوقف عمليات الاستنساخ بعد النعجة دوللى وإنما تابعت مراكز الأبحاث المختصة دراساتها دون توقف حتى استطاعت استنساخ بعض الحيوانات المهددة بالانقراض عام 2001 كما نجحت التجارب فى استنساخ الخلايا الجذعية الجنينية الرئيسية عن طريق نقل نواة الخلية الجسدية فى أحد القرود عام 2007 وفى عام 2013 نجحت التجارب فى إنشاء الخلايا الجذعية الجنينية البشرية عن طريق نقل نواة الخلية الجسدية من البشر.
أنواع الاستنساخ
جدير بالذكر أن الاستنساخ هو عبارة عن خلق نسخة متطابقة من الأصل وتختلف أنواع ما بين الاستنساخ الجينى وهو الشكل الأكثر شيوعا للاستنساخ والاستنساخ التناسلى هو عملية صنع نسخة حية كاملة من كائن حى؛ حيث ينقل للحيوانات نواة من خلايا الجسم إلى بيض تمت إزالة نواته ثم يتم تحفيز هذه البويضة على الانقسام باستخدام شحنة كهربائية ثم يتم زرعها فى رحم الأنثى والاستنساخ العلاجى عبارة عن عملية يؤدى فيها زرع الخلايا النووية للمريض إلى تكوين بويضة يمكن من خلالها اشتقاق الخلايا المتوافقة مع المناعة للزرع. ويتم تحفيز هذه الخلايا على الانقسام والنمو فى طبق بترى وليس فى الرحم.
انقسام المجتمع العلمى
رغم تكرار تجارب الاستنساخ على مدار سنوات عديدة إلا أنه لا يزال هناك انقسام واضح داخل الأوساط العلمية والأكاديمية فبعض العلماء يرون أن الاستنساخ أداة واعدة لإنقاذ الأنواع المهددة والآخرون يحذرون من فقدان التنوع الجينى وعودة أمراض منقرضة واضطرابات بيئية لا يمكن التنبؤ بها.
الأزهر يحرم والفاتيكان: اختراق للحدود الأخلاقية
وعن البعد الدينى والموقف من تحارب الاستنساخ فكان للأزهر الشريف والكنيسة الكاثوليكية موقف واضح من عشرات السنوات حيث أصدر الأزهر عدة فتاوى تحرّم استنساخ الإنسان معتبرا أن فيه تدخلا فى «سنن الله فى الخلق»، واعتداءً على كرامة الإنسان. لكنه لم يحرم استنساخ الحيوانات إذا كانت النوايا علمية أو علاجية ولا تسبب ضررا بيئيا أو أخلاقيًا.
كما أكدت الكنيسة الكاثوليكية عبر الفاتيكان كثيرا عن رفضها لاستنساخ البشر باعتباره يهدد الكرامة الإنسانية، فى حين لم ترفض استخدام تقنيات الاستنساخ لأغراض طبية مشروعة غير متعلقة بالتكاثر البشرى.