بين نبوءات إسرائيل والخلافة والطموحات الاستعمارية مستقبل الشرق الأوسط فى 2025

آلاء البدرى
أدت الاضطرابات المتسارعة خلال عام 2024 فى الشرق الأوسط إلى تعميق الأزمات السياسية والمآسى الإنسانية والاقتصادية التى وصلت إلى مستوى غير مسبوق جعل مستقبل المنطقة بأكملها محاطًا بعدم اليقين فلا يمكن التيقن بنتائج الحروب الإسرائيلية متعددة الجبهات والصراعات الأهلية المتصاعدة فى السودان وعدم الاستقرار المتزايد فى ليبيا واليمن والعراق، فضلاً عن المستقبل الغامض فى سوريا، مما يجعل المنطقة رهينة للنبوءات الإسرائيلية وأساطير الخلافة والطموحات الاستعمارية.
من غير المرجح أن تحاول إسرائيل إنهاء حربها متعددة الجبهات بهدف إرساء الاستقرار فى الشرق الأوسط بحلول عام 2025 أو فى أى وقت آخر إلا من خلال الضغوط الخارجية وذلك لأن المعضلات القانونية والسياسية وتهم الفساد التى يواجهها نتنياهو تتلاشى فى حين أن الحرب لا تزال مستمرة فهو قادر على خلق شبكات أمان شخصية متعددة وترتيبات سياسية مؤقتة ودعم شعبى كافٍ كمحاولة بائسة للهروب من مصيره المظلم إما بإطالة أمد الحرب أو تحقيق انتصار استعمارى جديد يغير خريطة إسرائيل الحالية ويدعم نبوءة أرض إسرائيل الكبرى.
يطمح نتنياهو وحكومته لاستغلال الفرص الاستثنائية لإعادة تنظيم الشرق الأوسط بشكل شامل ومقاومة الدعوات إلى الهدنة عبر تعهده بتحقيق النصر ومواصلة حرب غزة وإرساء الأساس لوجود أمنى إسرائيلى طويل الأمد فى الجزء الشمالى من قطاع غزة.
ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلى لفرض نظام جديد على لبنان وضم الجولان السورى بالكامل وإغلاق صفحة الهلال الشيعى ورعاية جماعات الإرهاب المتجدد وتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها ودفن احتمالات حل الدولتين، واستكمال اتفاقيات إبرهام والتطبيع مع باقى الدول العربية.
ويعد استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلى فى التوغل والمخاطرة بالغرق فى عمق غزة ولبنان على الرغم من الهيمنة العسكرية الإسرائيلية هى فى الحقيقة علامات على التحول إلى مستنقعات على غرار فيتنام.
وسيظل أعظم نقاط ضعف إسرائيل هو صراعها الوجودى مع الفلسطينيين أصحاب الأرض وعدم القدرة على فصل القضية الفلسطينية عن مشاكل المنطقة الأوسع نطاقا وتصفيتها رغم إصرار الإدارة الأمريكية على تمكين هذه الآراء خاصة بعد أن أوضح مستشار ترامب السابق لشؤون إسرائيل جيسون جرينبلات هذا الموقف صراحة فى منتدى الدوحة قبل أيام فى أوائل ديسمبر المنصرم بحجة أن القضية الفلسطينية يمكن فصلها عن السياسة الإقليمية وأن ترامب لا ينبغى له ولن يقوم بالضغط على إسرائيل لحلها.
أوهام الخلافة
ولا يزال حلم مشروع الخلافة المزعوم فى الشرق الأوسط يراود الجماعات التى تطلق على نفسها أحفاد بنى أمية فى سوريا وأحفاد العثمانيين فى تركيا والملالى فى إيران.
ورغم أن المشهد يوحى بأن تركيا خرجت باعتبارها الفائز الإقليمى الذى حاز على أكبر قدر من المكاسب السياسية بعد أن دعمت أنقرة المعارضة السورية لفترة طويلة ودعمت بشكل غير مباشر هيئة تحرير الشام وعززت موقفها بعد سقوط الأسد وعودة ملايين اللاجئين السوريين الموجودين حاليا فى تركيا والسعى لإضعاف جماعات المعارضة الكردية على حدودها، يرى المراقبون أن المكاسب التركية ضد الأكراد بمثابة لعبة لكسب النفوذ قد تساعد فى تشجيع إدارة ترامب القادمة على سحب قواتها من سوريا.
إلا أن أحلام عودة الخلافة العثمانية وقيادة العالم الإسلامى لم تكن سوى أضعاث أحلام تراود أردوغان وحده وأن نموذج الدولة التركية ذات المجتمع العلمانى بامتياز بعيد كل البعد عن فكرة الخلافة وان الترويج المبالغ فيه للسياسة «العثمانية الجديدة» التى كثيراً ما يتم الحديث عنها هى نوع من التضليل يتمحور إلى حد كبير حول السياسة الخارجية لأنقرة وسيطرتها على الإمبراطورية العثمانية القديمة المترامية الأطراف ورغبتها فى بناء كيان سياسى مهيمن ومؤثر يمتد عبر الأراضى العثمانية السابقة كيان يتم تشكيله والحفاظ عليه ليس ببنادق الانكشارية ومحاربى السيباهى ولكن بالمال التركى والاستثمارات التركية كيان ذو قوة ناعمة يحافظ عليه من خلال الاستخدام الليبرالى للنفوذ مع رش القوة الصلبة من حين لآخر وهو ما يفسر المشاركة التركية المتزايدة فى المنطقة ومحاولات أردوغان المستميتة لافقاد بعض الدول سيادتها المستقلة وهو أيضًا أمر يستحيل تنفيذه على أرض الواقع لأن أنقرة نفسها لا تزال تواجه مخاطر بما فى ذلك احتمال تعزيز الجماعات المتطرفة إذا تزايد عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط وأدى إلى وقوع هجمات إرهابية داخل تركيا نفسها.
ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت القيادة الناشئة فى سوريا سوف تظل مدينة لتركيا بمجرد ترسيخ سلطتها والبدء فى ملاحقة الأهداف الوطنية أو ما إذا كانت المكاسب التركية فى سوريا سوف تترجم إلى نفوذ إقليمى أوسع.
وعلى الجانب الآخر، تقف أحلام إيران الإمبراطورية قيد الانتظار بعد انهيار هلالها الشيعى بالكامل فى الحرب الأخيرة، لكن هذا لم يمنع طموحها المتنامى المفضوح فى منطقة الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن تعود إيران فى العام الجديد لتضع لبنة فوق الأخرى من أجل إعادة بناء إمبراطوريتها المنهارة، ويبدو ذلك واضحا فى هوس رئيسها بالتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووى الإيرانى فى حين يتجاهل التجاوزات الإيرانية فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
ويناقش القادة الإيرانيون حاليًا ما إذا كان ينبغى للبلاد تغيير موقفها النووى وإن إعادة فرض جميع العقوبات الدولية او ما يسمى آلية الارتداد فى الاتفاق النووى الإيرانى الذى ينتهى فى أكتوبر 2025 قد يكون المحفز لإيران للخروج من معاهدة حظر الانتشار النووى أن هذا التهديد ليس سوى جانب واحد من الخطة الكبرى التى تنتهجها طهران والاتفاق السيئ يعد أسوأ من عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق.
الطموحات الاستعمارية
ويعد الطموح الاستعمارى الأوروبى ليس بمشروع سرى بل هو استراتيجية احتلال وضعها الاتحاد الأوروبى ونشرها بشكل صريح تحت عنوان برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية والمشروع.
ويؤكد ضرورة أن تتولى أوروبا دوراً أكبر فى السنوات القادمة لحماية مصالحها الأساسية ويزعم بعض المسئولين الأوروبيين أن الاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء بذلوا ما يكفى من الجهد لمعالجة تحديات الهجرة والإرهاب نظراً للعجز البنيوى الذى يعانى منه الاتحاد ولكن هذا من شأنه أن يقلل من تقدير النفوذ المحتمل للأوروبيين فى المنطقة والمخاطر التى يفرضها نهج عدم التدخل إلى حد كبير.
ويتألف المشروع من ثلاثة مكونات رئيسية أولاً يرسم خريطة ويقيس أدوات النفوذ الأوروبية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التى تغطى القدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية فى سلسلة من التصورات التفاعلية للبيانات،ثانياً يتضمن نظام مراقبة ورصد للنفوذ الإقليمى الأوروبى من خلال أبحاث يكتبها خبراء من دول رئيسية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها،وأخيراً يحدد وجهات نظر المسئولين فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخبراء من جميع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى حول الأصول والطموحات الأوروبية والتقسيم المحتمل.
وتبنت الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا فكرة الاستعمار الأخضر هو الوجه الجميل لاحتلال الشرق الأوسط وإفريقيا وهى مخططات تستخدم فيها الأهداف البيئية لتدبير سرقة الأراضى وغيرها من أشكال نزع الملكية ومن المثير للقلق أن الاستيلاء على الأراضى وموارد الدول العربية تحت مسمى الاستغلال الأخضر أصبح شائعاً على نحو متزايد، ولا نلاحظ هذا فى تركيب مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فحسب، بل إن الاستيلاء موجود أيضاً فى مشاريع الحفاظ على البيئة وائتمان الكربون التى تحرم المجتمعات الأصلية من أراضيها وأقاليمها وفى مصادرة الأراضى الجماعية لإنتاج الوقود الحيوى ففى الأراضى الفلسطينية المحتلة تتجلى ديناميكيات مماثلة وتنبع هذه الديناميكيات من مشروع صهيونى جعل فلسطين منذ فترة طويلة صحراء قاحلة وخاوية وتوسعت جهود إسرائيل بعد توقيع اتفاقيات إبراهام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان فى عام 2020 وبعد ذلك تم توقيع اتفاقيات لتنفيذ مشاريع بيئية مشتركة تتعلق بالطاقة المتجددة والأعمال الزراعية والمياه فى تتابع سريع وقد وفر التطبيع البيئى القمع الإسرائيلى والظلم وسرقة واحتلال المزيد والمزيد من الأراضى الفلسطينية لم تكن فلسطين هى النموذج الوحيد فقد اجتمع وسطاء القوة فى العالم على وصف الصحارى العربية باعتبارها مناجم للطاقة المتجددة لأوروبا التى تحتاج بشدة إلى طاقة نظيفة رخيصة وبالتالى فإن الخطابات والخطط السياسية السائدة عندما يتعلق الأمر بالتحول فى مجال الطاقة فى المنطقة هى منطق استعمارى لا يمكن تجاهله.