حـــرب مكافحة البراغيت

يارا اليمانى
الإنجازات التى يحققها الجيش فى مواجهة ميليشيات التكفيريين طوال الفترة الماضية، تغضب الكثيرين من أعداء مصر، وكان هذا واضحا فى التدخلات الأجنبية الأخيرة، ومنها التقرير الذى تدعى فيه وكالة (رويترز) العالمية فشل الجيش فى مواجهة تطاول (الناتو) و(الاتحاد الأوروبى) فكان من المهم أن نفضحهم بتقييم محايد لحرب الجيش والمجتمع المصرى ضد الإرهاب الدولى والمحلى، الذى كان أحدث إنجازاته فشل الإخوان الإرهابيين فى (91 مرس) وضربة (عرب شركس) ضد (أنصار بيت المقدس)!
(نبيل نعيم) مؤسس الجماعة الجهادية هاجم اتهام (رويترز) للجيش بالفشل بقوله: علينا أن ندرك جيدا قبل الحكم على مدى نجاح مهمة القوت المسلحة فى حربها على الإرهاب أن ندرك أن الحرب هذه المرة مختلفة تمام الاختلاف عن حرب التسعينيات، لاختلاف التنظيم، فاليوم الجهاديون والتكفيريون فى سيناء أكثر خطورة وقوة مما كانوا عليه فى التسعينيات، لوجود دول من خلفهم تمدهم بالدعم المالى واللوجيستى، مثل قطر وتركيا والولايات المتحدة، وما تشهده سيناء اليوم من إرهاب لا يذكر إلى جانب سوريا والعراق، وحتى نستطيع تقييم عمليات الإرهابيين يجب أن نعرف أن نشاط الجهاديين انحصر فقط فى تنفيذ عمليات بعضها انتحارية، وبعضها عن بعد، دون الدخول فى مواجهات مباشرة مع الجيش، لأنهم يدركون جيدا فرق النتيجة فى المواجهات المباشرة.
نستطيع أن نقيم عملياتهم فى حال أن استولوا على جزء معين من سيناء وفرضوا فيه سيطرتهم وطردوا منه قوات الدولة، وهذا الحمد لله لم يحدث، لا يوجد منطقة واحدة تقبع تحت سيطرة الجهاديين الموجودين، والحرب على الإرهاب فعليا لم تبدأ إلا بعد رحيل الإخوان لأن نظام الإخوان كان يقوض القوات المسلحة فى حربها، بالإضافة إلى أنهم كانوا يسربون مخططات الجيش لتلك الجماعات حتى تختبئ أو تفشل الكمائن التى كانت تخطط، كما أنه جزء من فشل تلك الجماعات تواجدهم فى المناطق السكنية لبدو سيناء والاحتماء بين الأهالى، لهذا من يقول أن الجيش فشل فى حربه على الإرهاب فهو مخطئ تماما !
وأضاف نعيم عن تقييمه للحرب الدائرة فى سيناء : الجيش استطاع أن يدمر العمود الفقرى للجماعات الجهادية والتكفيرية، سواء من خلال اعتقالهم أو كمية الأسلحة المضبوطة حتى تدمير الأنفاق والتى تعد متنفسا للإمدادات التى يحتاجونها لتنفيذ عملياتهم، والتى يشرف عليها محمود عزت الرجل الثانى فى جماعة الإخون الإرهابية، وعن سبب انتقال مسرح عمليات التكفيريين ووصولها إلى العمق المصرى فى المناطق الحضرية يؤكد نعيم : يرجع السبب لانتقال مسرح عمليات التكفيريين إلى جماعة الإخوان الذين حسبوا حساب سقوطهم، ولذلك سمحوا لهم خلال فترة حكمهم للبلاد بفتح الحدود واستغلال الأراضى المصرية للانتشار فيها، بعدما كانت عملياتهم فى سيناء فقط أصبحت فى كل القطر المصرى.
ويتفق معه خبير الجماعات المتأسلمة د. كمال حبيب بقوله أن تقرير رويترز فيه قدر من التحيز، كما استند إلى مصادر غير دقيقة فى معلوماتها، ولكن هناك جزءا من الحقيقة فيما قدمه، علينا أن نعترف أن الجماعات الجهادية والتكفيرية أصبحت أكثر خبرة وقسوة عما كانت عليه فى التسعينيات، كما أنها متفوقة نوعيا فى الانتشار داخل سيناء، هناك تفاصيل ومعلومات لا يعرفها المصريون عن الإرهابيين بخصوص تحالفات التكفيريين مع القبائل الموجودة أو البدو الذين يساعدونهم فى البقاء بعيدا عن أعين الجيش، وتخبئتهم فى دهاليز وكهوف سيناء، كما أن تلك العناصر تعتمد على نظام الكر والفر وبالتالى يقومون بضربتهم ويختبئون بين الناس، بينما يعتمد الجيش على الدخول بالأسلحة الثقيلة.
وأضاف حبيب : الحرب على الإرهابيين لا تكون خلال سنة و أيام لكنها حرب معقدة وليست سهلة، وعلى القوات المسلحة أن تتعامل فى حربها معهم على أسوأ الاحتمالات، كما علينا أن نضع فى الاعتبار أن تلك الجماعات لديها قدر كبير من الأمل فى ظل نجاح المتشددين فى سوريا والعراق، ولكن فى نفس الوقت الحكم بفشل الجيش فى التعامل مع الإرهاب ليس صحيحا بل انتقال مسرح العمليات إلى الدلتا والقاهرة يدل على أن الجيش قام بتضييق الخناق عليهم فى سيناء، لذلك اتجهوا بعملياتهم إلى المناطق ذات الكثافة السكانية للاختباء بين الأهالى، لتعقيد المواجهة بينهم وبين الجيش.
من جانبه أكد اللواء عبدالمنعم سعيد محافظ جنوب سيناء الأسبق ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة خلال حرب 73 أن الحرب على الإرهاب لن تنتهى بين ليلة وضحاها قائلا : الحرب على الإرهاب ستستغرق سنوات طويلة، لأن الجيش يتعامل مع أفراد منتشرين فى زى مواطنين، التشبيه الحقيقى لتلك الجماعة أنها مثل البرغوث الذى يلسع ويهرب سريعا، من الصعب أن تمسك به، التكفيريون يفرضون دائما من خلال عملياتهم مسرح الأحداث، والذى يكون دائما غير متوقع على العكس من حروب الجيوش التى تكون معروفة المواقع، كما يختار توقيتات غير معلومة، إذا أردنا التقييم فعلينا أن نراجع عدد الذين تم القبض عليهم خلال العام الماضى والذى وصل إلى 300 تكفيرى، إلى جانب اعتقال 750 آخر إلى جانب هدم ما يقارب 1300 نفقا على طول الشريط الحدودى مع غزة، والتى تعد مصدر تهديد للأمن القومى المصرى، ولكن علينا الاعتراف بدخول هذا العدد من الأسلحة فكان للأسف عن طريق الحدود المصرية المخترقة من حدود مصر الغربية من ليبيا ومن الشمالية الشرقية من ناحية سيناء، مصر يوجد لديها ألف كيلو متر حدود طولية، من الشرق والغرب والجنوب ومن الصعب أن تنشر جنودا على كل كيلو متر بطول الشريط الحدودى لمصر.
ويتفق معه اللواء محمد عكاشة فى أنه لا يوجد نظام أمنى كامل بنسبة 100٪، دائما هناك ثغرات عن طريق الشريط الحدودى لمصر مع دول الجوار، الأمر الذى سمح بتهريب عدد كبير من الأسلحة الثقيلة والخفيفة المتطورة ومن كل النوعيات، كمية الأسلحة التى دخلت مصر كانت لتكوين جيش تكفيرى فى نفس تعداد الجيش المصرى، عامان كاملان منذ أيام الثورة وحدود مصر معرضة لآلاف من الجهاديين من كل التنظيمات الجهادية والتكفيرية فى العالم، بالإضافة إلى قرار الإفراج عن المعتقلين منهم فى السجون العسكرية، كل ذلك من أجل تكوين جيش عصابى جهادى فى مصر، ولذلك فليس بغريب أن نجد ذلك العدد الهائل من الأسلحة التى تم ضبطها مثلا فى (عرب شركس) بالقليوبية، والتى لا تقارن بالتى لم يتم ضبطها حتى الآن.
أما عن فشل الجيش المصرى فى مواجهة الإرهابيين كما ادعى تقرير رويترز فيعلق (عكاشة) تلك النوعية من التقارير أحد وسائل الحرب النفسية التى تشنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على مصر، علينا أن نفهم العدو الذى نواجهه الذى جمع كل إرهابيى العالم فى سيناء، وتمويلهم بمعونة الولايات المتحدة وقطر وتركيا ومن ورائهم التنظيم الدولى للإخون، على الشعب المصرى أن يدرك أن كل حرب لها وقت وتكلفة، القوات المسلحة تواجه اليوم عدوا مسلحا ومدعوما من القوى الدولية، وكل حرب لها ضحاياها، وإن اختلفت طبيعة تلك الحرب ونوعيتها وحجم التمويل هذه المرة.