الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد التصفيق للقتل هل أخذ نتنياهو الضوء الأخضر من واشنطن؟

فى ست ساعات فقط جاء حادث اغتيال فؤاد شكر القيادى فى حزب الله اللبنانى فى الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، تليه عملية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى العاصمة طهران.. عمليتان كانت إسرائيل تطمح لأن تحصل على أى منهما خلال الأشهر الماضية لحفاظ ماء وجه نتنياهو أمام شعبه والعالم، وبعد أقل من يومين على «حفلة التصفيق» الجماعية فى الكونجرس لخطاب رئيس وزراء دولة الاحتلال ولقائه بزعماء الولايات المتحدة الرئيس جو بايدن والمرشحة المحتملة للرئاسة كمالا هاريس وأيضًا الصديق القديم والمرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، وكأن نتنياهو قد حصل على الضوء الأخضر من كل الأطراف.



 ضوء بفتح جميع جبهات الحرب مرة واحدة، على حزب الله فى لبنان، على إيران وحرسها الثورى وأيضًا فى العراق على الحشد الشعبى.. تصفيق الكونجرس وكأنه جرس إنذار معلن لأعداء الدولة الصهيونية.. الآن فقد يستطيع نتنياهو أن يُعلن فوز مخططه ونجاح بقائه على عرش دولة الاحتلال حتى بداية يناير المقبل بعد انتهاء انتخابات الرئاسة الأمريكية وعودة صديقه المأمول ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى.

> طبول الحرب

 عاد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من واشنطن بجرعة تطرف أكبر وضوء أخضر لتجاوز كل الخطوط الحمراء، والمضى قدما فى اقتراف جرائم أخرى، بتنفيذ عملية اغتيال مزدوجة على كل من لبنان وإيران من شأنهما أن يغيّرا كل المعادلات التى تحكم حركة الميدان حتى الآن، وتذهب بالمنطقة نحو طريق الحرب الشاملة حال استمرار هذا النهج.

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فجر الأربعاء اغتيال رئيس مكتبها السياسى إسماعيل هنية فى العاصمة الإيرانية طهران. وقالت حماس -فى بيان- إن رئيس الحركة «قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته فى طهران».

من جهته، قال الحرس الثورى الإيرانى «ندرس أبعاد حادثة استشهاد هنية فى طهران» وسنعلن عن نتائج التحقيق لاحقًا. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن إسماعيل هنية استشهد وأحد حراسه الشخصيين إثر استهداف مقر إقامتهم فى طهران.

 

 

 

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، من جهتها، إن هنية أغتيل بصاروخ أطلق من خارج إيران، بينما ترجح وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الصاروخ تم إطلاقه من الداخل الإيرانى فى إشارة واضحة إلى اختراق صفوف طهران والحرس الثورى أمنيًا واستخباراتيًا.

يأتى ذلك بعد ساعات من ضربة إسرائيلية استهدفت مساء الثلاثاء الضاحية الجنوبية لبيروت، وأكد الجيش الإسرائيلى أنه نجح خلالها فى اغتيال القيادى فى حزب الله اللبنانى فؤاد شكر وأسفرت أيضًا عن 3 قتلى مدنيين و74 جريحًا.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت إن الجيش الإسرائيلى «قضى» على من وصفه برئيس الأركان فى حزب الله فؤاد شكر بعملية «قاتلة ودقيقة» فى ضاحية بيروت الجنوبية، مضيفًا -فى منشور على منصة إكس- أنه باغتيال شكر «أكدنا اليوم أن بمقدرتنا الوصول إلى كل مكان لنجعل من يمسّ بإسرائيل يدفع الثمن»، وفق تعبيره.

من جهته، لم يؤكد حزب الله حتى الأربعاء حدوث عملية الاغتيال، لكنه أصدر بيانًا أوليًا أكد فيه وجود فؤاد شكر فى المبنى المستهدف، مشيرًا إلى أن فرق الدفاع المدنى ما زالت تعمل منذ وقوع الحادثة على رفع الأنقاض بشكل حثيث ولكن ببطء نظرًا لوضعية ‏الطبقات المدمرة.

> التصعيد الشامل

عملية بيروت يمكن أن تندرج ضمن قواعد الاشتباك المألوفة، على أساس أن حزب الله غير معنى بنشوب حرب واسعة، ومن الممكن أن يرد بضربة موضعية ومحدودة دون إلحاق دمار كبير بالعمق الاستراتيجى الإسرائيلى، طبقًا لقاعدة «ضربة بضربة»، لكن نتنياهو ذهب بعيدًا باستهدافه رئيس حركة حماس إسماعيل هنية فى طهران. وربما يكون خيار نتنياهو بمغامرة التصعيد الشامل قد استند إلى دعم أمريكى مباشر.

استقبال نتنياهو الذى حظى به داخل الكونجرس، وليس خارجه، وحالة التصفيق «الهستيرية» التى قطعت خطابه لنحو 86 مرة من أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهورى، بعد انسحاب أغلب أعضاء الحزب الديمقراطى اعتراضًا على وجود نتنياهو فى الكونجرس، وترويج رئيس وزراء دولة الاحتلال لجرائمه فى غزة ورفضه أى خطة للتهدئة وتعطيل صفقة التبادل؛ عوامل مثلت له إشارة للمضى قدمًا فى التصعيد إلى الحد الأقصى.

وكان ضرب صاروخ على بلدة «مجدل شمس» ذريعة للتصعيد بعد اتهام حزب الله الذى نفى نفيًا قاطعًا مسؤوليته عن الحادثة، وجعل نتنياهو من الحادثة «الملتبسة» فرصة لتوسيع الحرب ومحاولة استعادة الردع المفقود فى حرب ليس من مصلحته أن تنتهى، فأقدم على مغامرة توسيعها.

وباستهداف بيروت وطهران بحادثتى الاغتيال، جمعت إسرائيل كل أسباب اندلاع حرب واسعة فى ليلة واحدة، بما يشكل تجاوزًا كبيرًا وحادًا للقواعد التى تحكم سير الجبهات وتضبطها، ومن المرجح أن حزب الله سيرد على اغتيال قائده ويبقى الأمر معلقًا على استيعاب إسرائيل لحجم الضربة وعلى مدى ضبط الولايات المتحدة لرد فعل تل أبيب والجهود الدولية لمنع حرب واسعة النطاق والمخاطر.

يرى محللون أن نتنياهو أراد بشكل ما أن يوجه «الضربة الأخيرة»، باغتيال قائدين بارزين فى «محور المقاومة»، وهى مقامرة تعطيه «نصرًا ما»، إذا ما تجنب سيناريو الحرب الشاملة أو الرد القاسى من حزب الله وإيران.

> انتظار الرد

من المتوقع أن يرد حزب الله على الهجوم الإسرائيلى بناء على سوابق الصراع مع إسرائيل وتحذير قيادته من أى استهداف للضاحية الجنوبية وتوسيع دائرة المواجهات.

 

 

 

ومن المرجح أن يكون الرد بحجم عملية الاغتيال التى استهدفت قائدًا بارزًا فى صفوف حزب الله وفى معقله، يضاف إليها استهداف الراحل إسماعيل هنية فى إيران الذى عده الحزب «أحد قادة المقاومة الكبار فى عصرنا الذين وقفوا بشجاعة أمام مشروع الهيمنة الأمريكى والاحتلال الصهيونى»، أضف إلى ذلك أن هنية كان من الشخصيات التى نجحت فى التفاوض مع القوى الدولية والوسطاء مثل مصر وقطر للتوصل إلى حل للتهدئة فى قطاع غزة.

أما على الجانب الإيرانى، فطهران الآن فى وضع لا تحسد عليه، أما الرد القوى أو كسر هيبتها إلى الأبد، ومع وجود رئيس منتخب جديد مسعود بزشكيان يعتبر هذا أول اختبار صعب يواجهه بعد يوم من احتفال تنصيبه.

ووفق العقيدة الإيرانية، فمن الصعب تقبل مثل هذا الاعتداء على أراضيها باغتيال أحد ضيوفها فى ليلة تنصيب رئيس جديد لها، فضلا عن أن الراحل إسماعيل هنية هو رئيس حركة حماس ويعد أحد أركان محور المقاومة، واغتياله فى طهران يعد استمرارًا للحرب على غزة وعلى الأراضى الإيرانية.

وفى الأول من أبريل 2024، استهدفت غارة جوية القنصلية الإيرانية فى دمشق، مسفرة عن مقتل 16 شخصًا، من بينهم 7 من الحرس الثورى أبرزهم العميد محمد رضا زاهدى ونائبه محمد هادى رحيمى، وكان رد إيران هجوما على إسرائيل بطائرات مسيرة وصواريخ يوم 13 أبريل 2024، ولم تقع خسائر عسكرية أو مادية لكنها أثبتت القدرة على الرد ضمن قواعد اشتباك يمكن التخلى عنها وفقًا للمتغيرات.

وتعد عملية الاغتيال فى طهران تصعيدًا إسرائيليًا، ربما أخطر من ضربة دمشق ضد إيران إذ استهدف أراضيها وأحد حلفائها، وقال الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان عن اغتيال الشهيد هنية «إن إيران ستدافع عن سلامة أراضيها وشرفها وستجعل الغزاة يندمون على أعمالهم الجبانة». من جهته، قال المرشد الإيرانى على خامنئى إن «الكيان الصهيونى المجرم باغتياله هنية مهّد الأرضية لمعاقبته بقسوة».

ويبقى الرد الإيرانى وإمكانيته وحجمه فى حكم الاحتمالات والتكهنات، وقد لا يكون مباشرًا وسريعًا، ولكن الجبهات ستزداد سخونة خصوصًا على الجبهة الشمالية بين حزب الله وإسرائيل، أو مع جبهة الحوثيين فى اليمن أو العراق.

> المقامرة بالاغتيالات

عقب عملية السابع من أكتوبر الماضى فى غزة، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلى بتشكيل وحدة خاصة من الشاباك والموساد الإسرائيلى وأطلق عليها «نيلى» تكون منوطة باغتيال قادة حماس فى أى مكان فى العالم.

ويعتبر اغتيال إسماعيل هنية العملية الثانية لشخصية قيادية من حماس بهذا الحجم فى الخارج، بعد اغتيال الرجل الثانى فى الحركة «صالح العارورى» فى مطلع يناير الماضى إثر ضربة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت استهدفت مكتب الحركة وأودت بحياة العارورى و5 آخرين من الجناح العسكرى للحركة.

مع تكرار عمليات الاغتيال الخارجية، فإن نتنياهو من الواضح أنه اختار اللعب بكل أوراقه دفعه واحدة، باغتيال إسماعيل هنية والقيادى فى حزب الله فؤاد شكر، وتجاوز القوانين الدولية بمهاجمة دول ذات سيادة -رغم عدم الاعتراف الرسمى بالعدوانين- متكئا على دعم أمريكى قبل تنفيذ العمليتين وبعد التنفيذ، لكنه أيضًا يغامر ويقامر برد فعل أخطر، يتجاوز حساباته وتوقعاته.

من المفترض أن حزب الله فى حالة جهوزية كاملة، وهو ما يرجح أن يقوم الحزب بضربة مضادة على إسرائيل، لكن من غير المتوقع حجم الرد أو الضربة، فالمشهد مازال ضبابيًا حتى اللحظة الراهنة، وباتت إسرائيل بتجاوز الخطوط الحمراء فى موقف رد الفعل، وتنتظر ردًا من حزب الله وحركة حماس وإيران والحوثيين، ولعل حجم الرد ومكانه وقابلية إسرائيل له ما سيقرر مصير المواجهة وقواعدها الجديدة ومصير المنطقة بأكملها.