ماذا يحدث لعاصمة النور؟ غضب واستياء عالمى بعد السخرية من لوحة «العشاء السرى»

وفاء وصفى
منذ أيام وباريس عاصمة النور تحتفل بأكبر حدث عالمى مقام على أرضها، فبلد الفن يقام على أرضها المسابقات الأولمبية والتى يشارك فيها العالم كله من كل حدب وصوب،ولأنها عاصمة النور فكانت كل الأنظار تتجه نحوها لتشاهد كيف ستحتفل بهذا الحدث الكبير، وبالفعل كان احتفالا مختلف بشكل صادم للجميع، فقد تفاجئ الجميع بمشهد تمثيلى يكاد يكون نسخة من لوحة «العشاء الأخير» للرسام العالمى ليوناردو دافنشى والتى هى صورة للمسيح وهو يتناول فيه العشاء الأخير مع تلاميذه قبيل تسليمه لليهود، وجاء المشهد المقتبس من تلك اللوحة فى حفل افتتاح باريس يمثله أشخاص عراه وشواذ بشكل مسىء للمسيحية بشكل لا يوصف.
ولأن المشهد كان غير عادى فبالتالى كانت ردود الأفعال غير عادية وغير مسبوقة من الجميع وجاءت ردود الأفعال غاضبة وتطالب باعتذار رسمى لما حدث حيث أعربت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية فى بيان رسمى لها، عن استيائها واستنكارها البالغين، مما تضمنه حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024، من تجسيد مشهد العشاء الأخير للسيد المسيح مع تلاميذه والذى أسس فيه سر الإفخارستيا أقدم وأقدس أسرار الكنيسة وممارساتها على الإطلاق.
وقالت الكنيسة فى بيانها: «من المؤسف أن الطريقة التى قُدِم بها هذا المشهد تحمل إساءة بالغة لأحد المعتقدات الدينية الأساسية التى تقوم عليها المسيحية».
ومن العجيب أن نرى هذا المشهد فى افتتاح الأولمبياد، فى الوقت الذى تتعارض فيه مثل هذه الأفعال مع ميثاق الأولمبياد والقيم الأساسية المعلنة له، التى تدعو إلى احترام المبادئ الأخلاقية العالمية الأساسية، وقيمة تقديم القدوة الحسنة، واحترام الجميع دون تمييز، وهو ما رأينا عكسه فى حفل الافتتاح المذكور، فى سبيل دفع أجندات فكرية بعينها تخدم تيارات لا علاقة لها بالرياضة، التى ينبغى أن تجمع، لا أن تفرِّق».
وأضافت قائلة: «إن هذه الإساءة تستدعى اعتذارًا واضحًا وجادًّا من الهيئات المنظمة لأولمبياد باريس 2024، لكل المسيحيين الذين استاؤوا من هذا المشهد المؤسف، الذى شاب ما كنا نظن أنه عرس رياضى عالمى من شأنه أن يدخل الفرح والبهجة على قلوب جميع المشاركين والمشاهدين، مع ضمانات كافية لعدم تكرار مثل هذه التصرفات المسيئة».
واختتمت بيانها قائلة «نصلى أن يحفظ الرب السلام فى كل العالم ويحمى الإنسان والإنسانية من كل شر».

كما أصدرت الطائفة الإنجيلية بمصر برئاسة الدكتور القس اندريا زكى بيانا رسميا حول مشهد افتتاح الألعاب الأولمبية بباريس 2024.
أعربت فيه عن حزنها العميق إزاء العمل الفنى غير اللائق الذى شهدته مراسم افتتاح الألعاب الأولمبية فى باريس 2024، والذى احتوى على مشهد يجسد رمزية صورة «العشاء الأخير»، والتى تحمل أهمية كبرى فى تاريخ العقيدة والإيمان المسيحيين.
وشددت الكنيسة الإنجيلية فى بيانها على أن احتفالات الألعاب الأولمبية يجب أن لا تُستغل أبدًا كمنصة للصراع الدينى والثقافى، أو محاولة للإساءة بأى شكل، بل على العكس، عليها أن تقوم بدورها التاريخى فى استيعاب وتشجيع الرياضيين من كل أنحاء العالم، واحترام التنوع وتعزيز التفاهم بين الشعوب والأمم والثقافات. وما حدث فى باريس يضرب جذور القيم الأخلاقية التى تسعى لها الروح الرياضية للألعاب الأولمبية، ونحن نحذر من أن مثل هذه المواقف قد تفقد اللجنة الأولمبية الدولية هويتها الرياضية المميزة ورسالتها الإنسانية.
واختتمت بيانها قائلة: «إن الحفاظ على كرامة الإنسان هو أساس القيم الأخلاقية الأصيلة للأديان، وحرية الفن والإبداع هو المصدر الأساسى لبناء السلام العالمى والتقارب بين البشر، وهذا يتطلب احترامًا دوليًّا من الجميع، واعتبارًا لكل المقدسات والخلفيات الإنسانية المختلفة».

كما استنكر مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر ما صدر أثناء افتتاح دورة الألعاب الأولمبية بفرنسا فى مراسم الافتتاح ووصفها بإنها «سخرية فجة من المسيح،» حيث تستبدل لوحة «العشاء الأخير»، بلوحة تضج بالشهوانية واحتقار الأخلاق الإنسانية عامة والمسيحية خاصة، مراسم كرّست القبح وأفرطت فى إعلاء اللذة والشهوة.
وأضاف المجلس فى بيانه قائلا: «تجاوزت لجنة الإعداد لدورة الألعاب الأولمبية بشكل جرح مشاعر المسيحيين، زاغت عن هدف الرياضة التى تسعى فى مثل هذه المناسبات إلى بناء جسور التقارب بين الشعوب والثقافات المختلفة، وتعميق مفاهيم القيم الإنسانية المشتركة والحفاظ على كرامة الإنسان».
وأكد المجلس على رفضه لاستخدام مثل هذه المناسبات الدولية للإساءة بأى شكل من الأشكال للقيم والمبادئ الدينية المسيحية، مناشدا الحكومة الفرنسية ورئاسة دورة الألعاب الأولمبية بمراجعه موقفها.
وأضاف قائلا: «كما إننا نشدد على وجوب احترام الرموز والمعتقدات الدينية».
إننا نرفع صلاتنا إلى الله لكى يبطل كل مخططات الشرير، ويلهم المسيئين إلى التوبة واحترام قدسية الأديان وكرامة الإنسان.
وإننا نؤكد رفضنا لاستخدام مثل هذه المناسبات الدولية للإساءة بأكى شكل من الأشكال للقيم والمبادئ الدينية المسيحية.
كما إننا نناشد الحكومة الفرنسية ورئاسة دورة الألعاب الأومبية بمراجعة موقفها، كما إننا نشدد على وجوب احترام الرموز والمعتقدات الدينية.
واختتم بيانه قائلا: «إننا نرفع صلاتنا إلى الله لكى يبطل كل مخططات الشرير».
ولم تقتصر ردود الأفعال على الكنائس المصرية فقط فقد أصدر مجلس كنائس الشرق الأوسط بيانا شديد اللهجة يستنكر فيه ما حدث وكان نص البيان «بكثير من المحبة الممزوجة بالاستغراب والاستهجان، شاهدنا ما جرى خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية فى فرنسا، من الاستهزاء بسر الأسرار فى المسيحية، وبما هو مقدس لدى مليارات الناس حول العالم.
إن الحرية والتنوع والإبداع لا يتماشون مع إهانة معتقدات الغير، ولا مع السخرية منها، بأساليب لا تمتّ إلى الرقى الإنسانى بِصِلة.
لقد كانت المسيحية هى السباقة فى صون الحريات، وحماية التنوع، والحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه، لذلك لا نقبل تعريضها للامتهان من بعض الجماعات، علما أن كل انسان هو على صورة الله ومثاله وهو مدعو للخلاص.
الحرية مسئولية كبرى فى تاريخ الإنسانية، ولا بد لمن يمارسها أن يشعر بمسئولية احترام الغير ومعتقداته، والدخول فى حوار معه. أن السخرية من معتقدات الغير يكشف عن نزعة دفينة نحو قمعه، قد تقود الذى يقوم بها إلى ممارسات لا تقبلها قيم الديموقراطية.
إن ما جرى إنما يدل على جهل تام لمفهومى الحرية والكرامة الإنسانية، وهذا أمر مقلق جدا بالنسبة إلى مستقبل الإنسانية، لأن استغلال منبر عالمى بهذا الأسلوب، إنما يعنى الانحدار بالتلاقى الإنسانى الحضارى العالمى إلى أدنى مستوى فى العلاقات الإنسانية، وتاليا إلى انتفاء القبول بالتنوع فى الحياة الاجتماعية مما يفضى إلى بروز النزعة الإلغائية والإقصائية تجاه الآخر.

لقد الهمت المسيحية، عبر تاريخها، التطور الإنسانى فى مجالات العلوم والثقافة والفنون، وهى مستمرة فى رسالتها هذه إلى منتهى الدهر، و«أبواب الجحيم لن تقوى عليها». (متى 16: 18)
إننا، نصلى أن يلهم الرب القدير سواء السبيل لجميع بنى البشر، وأن يمنع من أن تعود المجتمعات، باسم الحريات، إلى عصر الظلمات والانحطاط والبدائية. لقد شكّل انتشار المسيحية القائمة أساسًا على المحبة، حجر الزاوية لكل ما هو راق ونبيل فى العالم.
وفى الختام، نقول لمن قام بهذا العمل، إن الرب يسوع يقول لهم كما قال للذى صلبوه، «اغفر لهم يا ابتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون» (لوقا 23: 34)، وإن احترام حريات الغير، وصيانة كرامته الإنسانية، وبناء علاقات سليمة بين البشر، يفترضان الرجوع عن الخطأ، وتقديم الاعتذار العلنى والصريح من جميع الذين جرى جَرحُ مشاعرهم وتم الاستهزاء بمقدساتهم حول العالم».
أما من جانبه فقد اصدر مجلس كنائس مصر بيان يدين فيه ما حدث مطالبا اللجنة الأولمبية بالاعتذار عن المشهد المسئ وكان نص بيانه «نحن فى مجلس كنائس مصر، إذ تابعنا باهتمام بالغ حفل افتتاح الألعاب الأولمبية بباريس 2024، وخاصة العرض الفنى الذى تضمن إعادة تأويل لواحدة من أقدس اللوحات فى تاريخ المسيحية، ألا وهى «العشاء الأخير».
إننا إذ نحترم حرية التعبير والإبداع الفنى، إلا أننا نرى أن هذا العرض قد تجاوز حدود الحريات المشروعة، وأساء إلى مشاعر الملايين من المسيحيين حول العالم الذين يعتبرون لوحة العشاء الأخير رمزًا للتضحية المحبة والتجمع حول مائدة السيد المسيح.
نؤكد على أهمية الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية، واحترام المقدسات الدينية لجميع الأديان، ونطالب بضرورة توخى الحذر فى تقديم العروض الفنية التى قد تؤدى إلى إثارة الفتن الطائفية أو المساس بمشاعر المؤمنين.
ويعرب مجلس كنائس مصر عن استنكاره الشديد للعرض الفنى الذى تضمن إساءة صارخة لأقدس الرموز المسيحية خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية بباريس 2024. إن هذا العرض، الذى استهدف لوحة العشاء الأخير، يتجاوز حدود الحرية الفنية ويعد إهانة صريحة لمشاعر الملايين من المسيحيين حول العالم.
إن مجلس كنائس مصر، إذ يؤكد على أهمية الحوار واحترام التنوع الثقافى، ويدعو إلى ضرورة احترام المقدسات الدينية لجميع الأديان. إن الألعاب الأولمبية، باعتبارها حدثًا عالميًا يجمع الشعوب، يجب أن تكون رمزًا للسلام والمحبة، وأن تتجنب أى عمل من شأنه أن يثير الفتن الطائفية أو يمس بمشاعر المؤمنين.
وأخيرًا يطالب مجلس كنائس مصر اللجنة الأولمبية الدولية والمنظمين للألعاب الأولمبية بالاعتذار عن هذا الإساءة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث فى المستقبل. ويدعو مجلس الكنائس بمصر المجتمع المسيحى لليقظة والانتباه للمحاولات المستمرة لزعزعة ثوابت إيماننا والتمسك برسالتنا الأصلية، رسالة المحبة».
كما صدرت بيانات اخرى تدين ما حدث من أساقفة أمريكا بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومطرانية انطلياس المارونية بلبنان والتى طالبت أبنائها بالصوم والصلاة فى مواجهة ما اسموه «بالتجديف» على المسيح.
كما استنكرت الكنيسة الكاثوليكية فى فرنسا الاحتفال الذى تضمن مشاهد اعتبرتها استهزاء بالمسيحية.
وقام رئيس الأساقفة تشارل شيكلون، أعلى مسئول كاثوليكى فى مالطا ومسؤول المكتب العقائدى التابع للفاتيكان، بالتواصل مع سفير فرنسا فى مالطا للتعبير عن استيائه من: «الإهانة غير المبررة».
وفى محاولة منهم للتخفيف من ردود الأفعال الغاضبة قامت اللجنة الأولمبية بحذف المشهد المسىء وقررت اللجنة الأولمبية، مسح الفيديو الخاص بحفل افتتاح أولمبياد باريس 2024، كما أصدرت اللجنة الأولمبية الدولية، اعتذارًا رسميًا بعد تلقيها كل هذة الانتقادات المحاكاة الساخرة للوحة «العشاء الأخير» للرسام ليوناردو دافنشى.
قالت آن ديكامب، المتحدثة باسم «ألعاب باريس 2024»، خلال مؤتمر صحفى للجنة الأولمبية الدولية، بالتأكيد، لم تكن هناك أى نية لإظهار عدم الاحترام لأى مجموعة دينية، على العكس من ذلك، أعتقد مع توماس جولى أننا حاولنا بالفعل الاحتفال بالتسامح المجتمعى.
وأضافت: استنادًا إلى نتائج استطلاعات الرأى التى شاركناها، نعتقد أن هذا الطموح قد تحقق. وإذا شعر الناس بأى إساءة، فنحن بالطبع آسفون حقًا.