الأحد 4 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هتك «الحرم»!

هتك «الحرم»!
هتك «الحرم»!


 
لا يمكن أن تمر جريمة التحرش الجنسى فى جامعة القاهرة بتغطيات إعلامية وصحفية مختلفة الألوان بين من يحمل «الفتاة» المسئولية وبين من يهاجم المتحرشين فقط، فالحادث على بشاعته يكشف مدى الأزمة الاجتماعية التى يمر بها المجتمع المصرى والجامعات التى تحولت من «حرم مقدس» إلى «حرم مدنس»، والحل ليس كما يتصوره البعض فى القانون مهما كانت غلاظة العقوبات فيه، والأمر لن نتجاوزه أبدًا إلا بمشروع حقيقى لإنقاذ المجتمع المصرى من أمراضه التى أصبحت مزمنة للغاية!
 
النقاش بين أطراف الحدث لم يصل إلى أى حل بل مجرد التعرض للأزمة التى ننساها قريبًا كغيرها من فضائحنا وكوارثنا، ما بين مهاجمين وشامتين وجلادين!
 
«إيمان عامر» - أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة استنكرت واقعة التحرش، مشيرة إلى أن هذا يعد انعكاسا حقيقيا للتراجع المجتمعى الذى تعيش البلاد فيه على كافة المستويات من تعليم وتربية.. فهم مجرد قشور لا تدخل إلى الجوهر، ففى الستينيات والسبعينيات كانت البنت تذهب للجامعة مع زميلاتها بالميكروجيب والفساتين CUT، ولم يتعرض أحد لهن بهذا الشكل القمئ من التحرش والاحتقار للأنثى، وخصوصيتها فى الشارع أو الجامعة، لأن المجتمع آنذاك كان لديه ثوابت وقيم مجتمعية حقيقية وليست مزيفة.
 
وأضافت عامر أنها تشعر بقدسية الجامعة لأنه جزء من الآثار المصرية العريقة، وتطالب طلابها باحترام المكان، لأنها شعرت بالفخر عندما دخلت أول يوم دراسى ووجدت تلك اللوحة الرخامية فى مدخل كلية الآداب محفورا عليها «أنه من آثار حضرة الأميرة فاطمة بنت إسماعيل»، ومع ذلك رغم ما أعطته الأميرة فاطمة للمجتمع إلا أنه رفض حضورها فى احتفالية افتتاح الجامعة المصرية آنذاك وحضر بالنيابة عنها ابنها «عمر طوسون»..!
 
وأكدت أنها تعتصر ألمًا عندما تقرأ كتابات كبار الكتاب ومنهم المؤرخ العالمى «جاك بيرك» عندما كتب أن طلاب الجامعة المصرية هم «خميرة العمل الوطنى» مقارنة بما يحدث الآن فى الجامعات من فوضى وعبثية والتى يقوم به الطلاب، وتحويل مظاهراتهم إلى أعمال عنف ضد الوطن ليس عملا وطنيا شريفًا، مشيرة إلى أنها من جيل كان يتمتع بحراك سياسى وحركة طلابية ملتهبة داخل الجامعة ولكن لم يحرقوا مكتبا أو يهدموا منشأة، فكانوا يرفعون اللافتات بمطالب محددة وواضحة دون سب وقذف بعبارات نابية كما هو موجود الآن على جدران قبة جامعة القاهرة العريقة.
 
وأضافت «عامر» أن التحرش الجنسى لم يكن بمفرده عنفا على الطالبة، بل هناك انفلات وفوضى وعنف لفظى يتعرض له الجميع يوميًا من سب لرموز الدولة المصرية ومؤسساتها على جدران الحرم الجامعى وهو شكل من أشكال التحرش السياسى، فلم تعد الجامعة مكانًا مقدسًا كما عرفه جيلنا بل أصبحت مكانًا لم يعد له احترامه!
وأوضحت أنه فى الستينيات والسبعينيات كان يحترم الجامعة بدءًا من الأستاذ إلى العامل والموظف والمنشأة نفسها، وكانت المظاهرات سلمية فعلاً وليست كما ينظمها الإخوان المأجورون اليوم والتى تبدأ بهمجية شديدة باستخدام طبلة ومزمار وصور إلى الشماريخ وحرق مكاتب عميد كلية حقوق وهو أثرى وتاريخى، بل شاهدت فتيات تدعين أنهن حرائر الأزهر ولكن أنهن مجموعة بلطجية يضربن الأساتذة ويجبرن أستاذتهن بأن تتجرد من ملابسها حتى يقومن بتصويرها عارية!!
 
وأكدت أن هذه الفوضى يجب أن تنتهى فلا يمكن للعملية التعليمية أن تستقيم فى ظل هذه الأجواء المتوترة من عنف وضرب وطلاب يتشاجرون بأحزمة البنطلونات فى أروقة الجامعة، وحوادث التحرش وغيرها من التجاوزات التى يمكن التصدى لها من أمن إدارى ليس مدربا على التعامل مع الشغب مثل الشرطة النظامية.
 
وقالت الدكتورة فادية مغيث - أستاذ علم الاجتماع السياسى - أنها اندهشت من رد فعل رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار وتبريره للمتحرش فعلته، وإلقاء اللوم على الضحية، مشيرة إلى أنه ارتكب عدة أخطاء أولهما أنه المسئول الأول بالجامعة المخول بحفظ الأمن للطلاب، وثانيهما أنه من نفس جيل الستينيات الذى كان لا يجرؤ فيه الطالب الجامعى أن يتفوه بلفظ خارج أو نكتة مسفة أمام إحدى زميلاته بالحرم الجامعى التى كثيرًا لا يكون له شأن بها ولا يعرف اسمها من الأساس إلا أنه يحترم وجودها معه.
 
وأوضحت أن المجتمع يعانى من ردة أخلاقية حقيقية، وأصبح ما كان مقبولا فى الماضى ومقدرا من جميع فئات المجتمع منبوذا الآن، وتتذكر «المغيث» أنها كانت ترتدى منذ أكثر من 30 عامًا ماضية ملابس أكثر انفتاحا وليس فى القاهرة العاصمة بل الأرياف ولم تكن تتعرض لأى مضايقات أو أى شكل من التحرش لأن المجتمع بأكمله كان يرتدى نفس الملابس، ولكن الآن هى لا تأمن على فتياتها أن يرتدين نفس الملابس ويذهبن بها إلى الجامعة أو يتجولن بها فى الشارع، لأن انتشار موجة الحجاب والخمار جعلت هناك حالة مجتمعية تجعل رصيدا أقل من الاحترام من هؤلاء السافرات المتبرجات اللواتى لا يضعن غطاء الرأس، نظرًا للجهل والتخلف وغياب الوعى، والأفكار الدينية المتطرفة والخطاب الدينى والتمييز ضد المرأة والتى يراها دائما عورة يجب تغطيتها.
 
وأشارت إلى أنها ترى فى واقعة التحرش الجنسى الجماعى بفتاة الحقوق بعدًا أكثر عمقًا من واقعة عابرة، حيث تراها رسالة موجهة وعن عمد من قبل هؤلاء المتطرفين من الشباب لكى يقولوا إن التطرف الإسلامى سيظل موجودا فى المجتمع رغم أنف الدولة، وأنه حتى لو تم محاربتهم ومنعهم من سدة الحكم وإخراجهم من الخريطة السياسية فسيظلون متواجدين يطبقون ما يعتقدون أنه شريعة إسلامية على أرض الشارع.
 
ونفى الدكتور محمود كبيش - عميد كلية حقوق جامعة القاهرة - ما تم تداوله على أحد المواقع بأنه حذر الفتاة صاحبة فيديو التحرش الجنسى الجماعى من قبل أن تدخل الحرم الجامعى بالملابس المستفزة، مؤكدًا أن هذه الفتاة طالبة فى الفرقة الثانية بالكلية، وبالفعل شهدت فى امتحانات الترم الثانى مايو2013 أنها جاءت الكلية بملابس مثيرة وتخرج عن المألوف لطالبة جامعية ولكن رجال الأمن نصحوها من منطلق أن فتيات الجامعة هم بناتنا وواجبنا عليهن النصيحة، ووعدتهم الفتاة بالاستجابة وبالفعل جاءت ثانى يوم بالحجاب، ولكن لم يقابل الفتاة فى مكتبه ولم يتعامل معها من قبل .
 
وكشف «كبيش» أن هذه الفتاة لم يمسها أحد كما قيل فى الإعلام ولم يجردوها من ملابسها إطلاقا، ولم يتعد الامر سوى غزل وتلاسن بالألفاظ وتجمهر الطلاب حولها أثناء قدومها من دار علوم آخر الجامعة حتى وصلت إلى أول الجامعة عند مقر كلية حقوق، مشيرا - إلى أنه بالرغم إدانته لسلوك الطلاب المتحرشين وجميعهم سيخضعون للعقاب - إلا أن من أحد الأسباب التى ساعدت على تجمهر حول الفتاة ليس ملابسها فقط ولكن طريقة مشيتها ونظراتها التى كانت تتحرك بها داخل الجامعة وهذا لايعنى تبرير التحرش ولكن يجب أن تكون كل ظروف الحادث واضحة أمام الرأى العام بعيدًا عن المزايدات.
 
بينما قالت هبه عادل - مؤسس مبادرة المحاميات المصريات - أنه آن الآوان بعد هذه الواقعة التى لن تكون هى الأولى من نوعها وليست الأخيرة أن يعاد النظر فى مشروع قانون مناهضة كافة اشكال العنف ضد المرأة، لأن من الوهم أن تعتقد الدولة أن ظاهرة التحرش الجنسى وقتية وأنها من الممكن أن تختفى بدون ردع قانونى حازم، معربة عن أن قانون العقوبات مترهل جدًا ولايحتوى حتى الآن على توصيف واضح ومحدد لجريمة التحرش الجنسى وأن ماحدث لفتاة الحقوق إذا سارت فيه الإجراءات القانونية سوف يتوه بين توصيفات وشروط جرائم هتك العرض أو فعل فادح فى الطريق ويمكن أن ترسو القضية فى النهاية على واقعة ضرب للفتاة فقط وهو ليس له علاقة بظروف الواقعة على الإطلاق.
 
وأوضحت «عادل» أن التشويه الإعلامى والذى تحول إلى حفلة لاتهام الفتاة بأبشع الأوصاف والتبرير للمتحرش فعلته يعد جريمة فى حقها وتستطيع ان ترفع قضية سب وقذف على كل الإعلاميين الذين تجاوزا فى حقها وشهروا بسمعتها، مشيرة إلى أن بروتوكول التعاون الذى تم توقيعه بين مبادرة «شفت تحرش» وجامعة القاهرة يمثل بإدارة إيجابية تساهم فى احتواء الطلاب الإيجابيين وتشجعهم على نبذ الظاهرة ومحاصرتها داخل الحرم وخارجه، وتقلل المساحة على الشباب المنحرف الذى يمارس التحرش.
 
وشددت على أهمية تفعيل الأنشطة الطلابية الحقيقية حتى ينغمس فيها الشباب المراهق ويبتعد عن كافة أشكال الانحراف داخل الجامعة سواء عنف واشتباكات أو حرق مكاتب الأساتذة أو إلقاء المولوتوف فى المظاهرات، فالتحرش الجنسى أحد أشكال العنف والفوضى التى أصبحت تضج بها الجامعات.
 
فتحى فريد - منسق مبادرة ''شفت تحرش''- أكد لنا أن الجريمة التى وقعت بكلية الحقوق تعكس إشكالية خطيرة بل توضح التطور المرعب لظاهرة التحرش الجنسى فى مصر وإلى أى مدى وصلت، مؤكدا أن التحرش الجنسى اللفظى كان موجودا طوال الوقت فى الجامعة، ولكن يصبح تحرشا جنسيا جماعيا من الطلاب على فتاة ومحاولة تجريدها من ملابسها فهذا يعد غريبا وحديث العهد بالجامعة، فلا يمكن إنكار أن الجامعة أصبحت مكانا غير آمن للنساء، وأن 2012 كانت هناك حالة تحرش جنسى بطالبة طب أسنان فى محيط كلية هندسة واستمرار الفتاة فى الدفاع عن حقها أدى إلى تمكنها من الحصول على حكم شهر حبس على المتحرش.
 
وهاجم - مؤسس مبادرة شفت تحرش - المعالجة الإعلامية الفجة التى لاحقت حالة التحرش الجنسى والتى ركزت أغلبها على إحداث فرقعة فقط من الرغبة فى الحصول على عنوان الفتاة ورقم تليفونها وليس التركيز على الكارثة وجريمة التحرش الجنسى نفسها، مشيرا إلى أن التغطية المحلية المصرية سواء من الإعلام الخاص أو الحكومى كانت أسوأ ما يكون على عكس التزام التغطيات الأجنبية والعربية إلى معايير الحياد وعدم إلقاء اللوم على الضحية وتوبيخها كما حدث من تامر أمين ولميس الحديدى.
 
وأدانت السفيرة مرفت التلاوى - رئيس المجلس القومى للمرأة - تصريحات الدكتور جابر نصار ووصفتها بالعنصرية الشديدة، لتحميله المسئولية للفتيات بدعوى أنها كانت ترتدى عباءة سوداء وخلعتها بمجرد دخولها الحرم الجامعى لتظهر الملابس المثيرة وغير اللائقة، مشيرة إلى أنها تحتج احتجاجاً شديداً على ما ورد من قِبل رئيس جامعة القاهرة، حيث جعل المجنى عليها هى المتهمة، واصفةً ذلك بالخروج التام عن الموضوع وأنه لايليق برئيس الجامعة أن يصور الأمر بهذا الشأن.
 
وأوضح الدكتور حسن سند - رئيس اللجنة التشريعية بالمجلس القومى للمرأة - أن المجلس انتهى من إعداد مشروع قانون شامل لحماية المرأة من كافة أشكال العنف، حيث استحدث الباب الثالث منه ولأول مرة تعريفا محددًا للتحرش الجنسى ليشمل كل صوره وأنماطه لسد النقص التشريعى فى قانون العقوبات.
 
أما عن آراء الطلاب قالت (س.ز) - «إن هذا رابع تيرم لها فى جامعة القاهرة، وأن الجامعة دائمًا تحدث بها حوادث التحرش الجنسى سواء العلنية أو التى تسكت عنها الفتاة خوفا من المشكلات أو مطالبتها بالإدلاء بشهاداتها فى قسم الشرطة، معرفة عن أنه من المتوقع أن تشهد الجامعة حالة من الانفلات الأخلاقى فالتحرش ليس المخالفة الوحيدة داخل الحرم بل هناك تعاطى مخدرات وشغب ومولوتوف.
 
وتحكى «مروة عبدالصبور» - الفرقة الثانية كلية علوم - أنها تعرضت شخصيًا لتحرش مع صديقتها، عندما كانت تجلس بجوار أحد كافيتريات بالحرم الجامعى، وجلس بجوارها طالبان وأخذا يلقيا عليهما مجموعة من الكلمات الجنسية والإيحاءات المبتذلة، وعندما قاما بنهر المتحرشين، لم يتوقف الطالبان عن ممارستهما بل بدآ يصرخان فيهم ويسبانهما بألفاظ نابية، مدعين أن الفتاتين هما اللى حاولوا جذب الحديث مع الشباب».
 
بينما يقول فؤاد عبدالله - فرقة الثانية دار علوم - أن الجامعة أصبحت مكانا غير آمن ليس فقط بسبب حادثة التحرش الجنسى، بل لأنها أصبحت مكانا للاشتباكات وعنف طلاب الإخوان الذى يفتعلون يوميًا أزمات مع الأمن، سواء بمسيراتهم أو رفع شعارات رابعة فى كل مكان، مؤكدا أنه أصبح يخشى أن تنزل أخته الجامعة وهى معه فى نفس الفرقة، والترم الأول من العام الماضى لم يسمح لها بحضور المحاضرات وجاءت فقط على الامتحانات وكان يتولى المذاكرة لها.
 
بينما قالت عالية فهمى - الفرقة الرابعة بآداب القاهرة نرى مشاهد مخلة بالآداب بين فتيات وطلاب داخل الحرم، وصلت أن إحدى الفتيات كانت تجلس على رجل صديقها بالجامعة ويتبادلان القبلات فى أحد الأماكن الخلفية وغير مطروقة للمارة، فهذا يعد فعلا فاضحا فى الطريق ولا يصح فى مكان مقدس كحرم تعليم مثل الجامعة، فضلا عن المخدرات والمشاجرات التى تطورت لاستخدام الأسلحة والمولوتوف فى بعض الأحيان بين الطلاب، وصولا بمسيرات الجماعة الإرهابية، فبمنتهى الصراحة الجامعة أصبحت «سمك.. لبن.. تمر هندى» جزء من الشارع وعشوئيته وغياب الانضباط به.