رغم حيادية بنود الهدنة ومرونة المفاوضات .. أبرز النقاط الخلافية لوقف إطلاق النار فى غزة
فى ظل تصاعد حدة التوترات داخل قطاع غزة، بذلت الدولة المصرية أقصى جهودها على طاولة المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، من أجل إيجاد حلول وسط، أو رؤية مشتركة، تسفر عن تحقيق هدنة إنسانية، تهدف لحقن دماء المدنيين الفلسطينيين، الذين يعانون من ويلات العدوان والحصار.
ساعات طويلة، وجهود مضنية، ومحاولات دؤوبة، نفذتها الدولة المصرية، انطلاقًا من إيمانها الراسخ بدعم القضية الفلسطينية، وتحقيق السلام فى المنطقة.. ورغم صبر ومرونة الجانب المصرى فى العملية التفاوضية؛ فإن طرفى الصراع اختلفا فى عدد من النقاط للوصول إلى اتفاق هدنة.
ولكن، قبل التطرق لأبرز نقاط الخلاف بين الجانبين، من الجدير الإشارة إلى بنود الاتفاق، الذى أعلنت الحركة الفلسطينية موافقتها عليه.. حيث شمل الاتفاق 3 مراحل.
كانت المرحلة الأولى تشمل وقف إطلاق النار لمدة 42 يومًا؛ وإطلاق حماس سراح 33 من الرهائن الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن فلسطينيين من السجون الإسرائيلية؛ وسحب إسرائيل قواتها -جزئيًا- من غزة، والسماح للفلسطينيين بحرية الحركة من جنوب القطاع إلى شماله. وفيما يخص المرحلة الثانية، فتشمل: فترة أخرى مدتها 42 يومًا تتضمن اتفاقًا لاستعادة (هدوء مستدام) فى قطاع «غزة»، وهى عبارة قال مسئول مطلع على المحادثات، إن:
«حماس وإسرائيل اتفقتا عليها، من أجل عدم مناقشة «وقف دائم لإطلاق النار»؛ إلى جانب انسحاب كامل لمعظم القوات الإسرائيلية من «غزة»؛ فضلًا عن إطلاق حماس سراح أفراد من قوات الاحتياط الإسرائيلية، وبعض الجنود، مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين. أما المرحلة الثالثة، فتشمل: الانتهاء من تبادل الجثامين، والبدء فى إعادة الإعمار، وفقا لخطة تشرف عليها كل من «قطر»، و«مصر»، و«الأمم المتحدة»؛ وإنهاء الحصار الكامل على قطاع «غزة».
ومع ذلك، برزت نقاط خلاف بين الجانبين عرقلت سير المفاوضات، وكان من أبرز نقاط الخلاف فى المقترح الجديد لاتفاق الهدنة، (من وجهة نظر الجانب الإسرائيلى)، هى أن: حماس لم تلتزم بالإفراج عن 33 أسيرًا إسرائيليًا من الأحياء، بل كانوا أحياء أو أمواتًا.
كما رأى الجانب الإسرائيلى أن حماس لم توافق على وجود ما وصفه (فيتو) إسرائيلى على قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم، وقدمتها الحركة.
هذا بالإضافة إلى رفض حماس إبعاد الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم إلى خارج فلسطين، أو قطاع «غزة».
وكان ضمن نقاط الخلاف أيضًا، هى موافقة حماس على الإفراج عن 3 أسرى إسرائيليين كل أسبوع، فيما تطالب إسرائيل بالإفراج عن 3 أسرى كل 3 أيام.
كما اختلف الجانب الإسرائيلى على اقتراح حماس، بأن يكون الإفراج عن أول 3 أسرى إسرائيليين فى اليوم الثالث من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، ما يعنى بقاء الأسرى الإسرائيليين فى يدها حتى نهاية المرحلة الأولى من الصفقة.
هذا بالإضافة إلى رفض الجانب الإسرائيلى، أو تحديدًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التزام إسرائيل بالبدء فى محادثات حول وقف النار الدائم فى اليوم الـ 16 من المرحلة الأولى.
وانطلاقًا من هذا الخلاف، يبرز التساؤل الأهم فى الوقت الحالى، وهو/ أين سيحتمى الفلسطينيون داخل قطاع «غزة»؟!
بعد أن بدأ الاحتلال الإسرائيلى فى توجيه أوامر للفلسطينيين بالإخلاء الفورى من أجزاء من «رفح» على الجانب الفلسطينى، فمن المقرر إرسالهم إلى منطقة «المواصي» فى مدينة «خان يونس» بجنوب القطاع، والتى يقول سكانها الحاليون، إنها «ليست أكثر من مجرد مخيم مؤقت» فى ظل ظروف إنسانية مأساوية ومزرية.
بالفعل، كان جيش الاحتلال الإسرائيلى أصدر فى وقت سابق تحذيرًا لإخلاء منطقة شرق «رفح» الفلسطينية، التى يقيم فيها نحو 100 ألف شخص، وشجعهم على الانتقال إلى «المواصي» التى يدعى أنها «آمنة»؛ مشيرًا إلى أنه سيتم تجهيز تلك المنطقة بمستشفيات ميدانية، ومواد إيواء، ومرافق أخرى.
من جانبها، قالت الأمم المتحدة، ومنظمات إغاثية، إن منطقة «المواصى» غير مستعدة لإيواء عشرات الآلاف من الفلسطينيين، الذين قد يلتمسون اللجوء هناك، خاصة وأن مساحة تلك المنطقة تبلغ نجو 8 كيلومترات على طول الساحل من مدينة «رفح» فى أقصى جنوب غزة إلى مدينة «خان يونس».
بدورها، حذرت الدولة المصرية من تفاقم الأوضاع الإنسانية جراء تواصل العدوان والحصار على الشعب الفلسطينى فى «غزة»، كما حذرت من أن تنفيذ عمليات عسكرية فى مدينة «رفح» الفلسطينية، يهدد مصير الجهود المضنية المبذولة، من أجل التوصل إلى هدنة مستدامة داخل «غزة»، وتمثل تهديدًا لحياة أكثر من مليون فلسطينى.
وفى اليوم التالى، أكد مصدر رفيع المستوى استكمال المفاوضات بين جميع الأطراف بالقاهرة؛ بهدف الوصول إلى وقف إطلاق النار، الذى كان زادت وتيرته فى اشتباكات ضارية شرق مدينة «رفح» الفلسطينية جنوبى قطاع «غزة».
وهكذا توالت الساعات التى بذل فيها الجانب المصرى كافة جهوده فى تقريب وجهات نظر الطرفين، التى تجسّدت فى الورقة المطروحة، من أجل الدفع باتجاه وقف إطلاق النار، ومراعات متطلبات وحسابات الجانبين، إلاّ أنّ التعنت وعدم مسئولية الطرفين أفضى إلى عرقلة المباحثات؛ وتحديدًا من قِبَل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وحزبه اليمينى المتطرف، والذى يُعبر عنه وزير الأمن القومى الإسرائيلى «إيتمار بن غفير»، ووزير المالية الإسرائيلى «بتسلئيل سموتريش»، الذين سعوا بكل الطرُق والوسائل إلى تفخيخ هذه المفاوضات؛ رغبةً منهم فى إطالة أمد الحرب، وإطالة العمر السياسى للحكومة.
من جانبها؛ تبنّت حماس- منذ بداية هذه الحرب- مواقف غير محسوبة العواقب، وهى- أيضًا- لها نصيب من عرقلة المفاوضات، وذلك عبر مراوغتها وعدم قبولها المقترح المصرى منذ البداية، وتأخرها فى تقديم الردود على هذه المقترحات.
وعليه؛ تقع تطورات الأحداث وتأثيرها على سكان القطاع، على عاتق الجانبين وتحركاتهم غير المحسوبة، التى من الممكن أن تعصف بما تبقى من القضية الفلسطينية ككل، وذلك لأن حماس لم تدرك أن الحرب الحالية مختلفة عن أى حروب سابقة؛ خصوصًا أن اليمين المتطرف الحاكم فى إسرائيل لديه أهداف استراتيجية تتجاوز الآمال الموجودة؛ إذ يرغبون فى تصفية القضية الفلسطينية، حتى لو كان ذلك على حساب أمن واستقرار المنطقة.
بصورة أخرى؛ تقدمت الحسابات السياسية لكل طرف على وجود رغبة حقيقية فى الوصول لوقف إطلاق النار فى قطاع «غزة».
ومع ذلك؛ لم تدّخر الدولة المصرية أى جهد حتى الآن فى سبيل الوصول إلى وقف الحرب، ودعم الأشقاء فى فلسطين دون أى مساس بالسيادة المصرية، سواء على أراضيها، أو على حدودها، ومَعابرها؛ انطلاقًا من إيمانها بإمكانية تحقيق السلام، مثلما حدث فى ظروف سابقة، ومنها الجهود المصرية التى حققت فيها نجاحًا مبهرًا فى الوصول إلى هدنة إنسانية فى نوفمبر الماضى، حينما أعلن الجانبان الفلسطينى والإسرائيلى عن هدنة لمدة 4 أيام قابلة للتمديد، تم بموجبها إيقاف العمليات القتالية بشكل كامل فى جميع أجزاء قطاع «غزة»؛ فضلًا عن عودة الأوضاع لما كانت عليه، ودخول المساعدات والوقود إلى القطاع.
فى النهاية، يذكر أن جهود مصر لدعم «غزة»، ومساندة القضية الفلسطينية، ومحاولات إرساء سبل السلام لم تتوقف منذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلى على القطاع فى السابع من أكتوبر 2023.. حيث عملت «مصر» على مختلف المستويات، من أجل التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية على الفسطينيين، والعمل بجهد كبير، من أجل وقف العدوان وإطلاق النار، والوقوف بثبات لمنع تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتصفية القضية الفلسطينية، وإفشال كل المخططات التى تهدف إلى تحقيق ذلك.
وفى الوقت ذاته، عملت الدولة المصرية للدفع فى اتجاه حل نهائى ومستدام للقضية الفلسطينية، عبر حل الدولتين، الذى يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.