الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الدولة المصرية وقفت بالمرصاد لجميع المحاولات المشبوهة مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بدأ عام 1951

فى منتصف عام 1951 طرح جون بلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا -بدعم أمريكى- مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بحجة تنميتها والفلسطينيون رفضوا اعتزازًا بأرضهم، وجاءت انتفاضة مارس عام 1955 فى غزة لتجبر أمريكا ومسئولى الأمم المتحدة عن التخلى عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهم بالهوية السياسية. 



وفى يوليو 1955 القيادة المصرية انتهت إلى أن مشروع التهجير إلى سيناء سيمحو الهوية السياسية  الفلسطينية، وتوافقت الرؤية المصرية عام 1955 مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى.

والآن يعيد التاريخ نفسه وما زالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عامًا! رغم ظهور قوى جديدة. 

المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبدالناصر كان ضد النفوذ الغربى فى الشرق الأوسط ودعا إلى الوحدة العربية.

 ما سبق أكدته دراسة أجراها المفكر والمؤرخ القضائى المصرى القاضى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، حيث جاءت الدراسة بعنوان: «مخطط تهجير الفلسطينيين إلى صحراء سيناء بدأ منذ عام 1951.. حقائق تاريخية غائبة عن العالم العربى والغربى ودور مصر الإقليمى» والتى نستعرض أبرز ما جاء فيها فى النقاط الآتية:

بداية المخطط

بدأ المخطط فى ديسمبر 1949، بعد أن طردت الميليشيات الصهيونية ثلاثة أرباع مليون فلسطينى من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وتم تكليف الوكالة بتقديم الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين فى «مخيمات الشتات» خارج فلسطين حتى يتم التوصل إلى حل سياسى يسمح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويضات، إلا أن الأونروا وضعت برنامج عمل لتوظيف اللاجئين وإعادة إدماجهم فى الاقتصادات المحلية خارج المخيمات فى الأردن ولبنان وسوريا. 

مشروع تهجير

فى منتصف عام 1951 قام جون بلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا بدعم أمريكى بطرح مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء بحجة تنميتها وإطلاق نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الاستراتيجية  الأمريكية  وكان برنامج الأونروا فى ذلك الوقت تم تصميمه للقضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مشكلة سياسية لها بُعد اقتصادى، وبحجة أن هذا من شأنه أن يوفر طريقًا مختصرًا لحل قضية اللاجئين الشائكة دون الجهد الدبلوماسى الذى لم يفلح فى تحقيق تسوية عربية إسرائيلية بسبب رغبة اللاجئين فى العودة إلى وطنهم. إلا أن هذا النهج عارضه الفلسطينيون اللاجئون بسبب موقفهم الشخصى من العودة إلى ديارهم وأراضيهم، وحقهم السياسى فى تقرير مصيرهم.

موقف مصرى

فى يوليو 1955 انتهت القيادة المصرية إلى أن مشروع التهجير لسيناء سيمحو الهوية السياسية الفلسطينية وتحقيقًا للسيادة المصرية.

وذكر الدكتور محمد خفاجى، فى دراسته، أنه فى العهد الملكى عام 1951، عملت الأونروا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكرنا على طرح فكرة تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء وكانت حجة أمريكا هى نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، ودعمت الجمعية العامة هذه الجهود من خلال «صندوق إعادة الإدماج» الذى تبلغ قيمته 200 مليون دولار، والذى تدعمه فى المقام الأول مساهمات الولايات المتحدة، إلا أنه بعد ثورة الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952 اتخذت خطط تنمية سيناء منعطفًا آخر، رغم انشغال الضباط الأحرار بالقضايا المباشرة المتعلقة بالحكم مثل طرد البريطانيين من مصر خاصة من منطقة قناة السويس ومكافحة الفقر والمرض المنتشر، واستغلت أمريكا اللحظات الثورية بتأثير من إسرائيل لمخططها من خلال الأونروا بحجة تنمية سيناء الممولة بمساعدات خارجية، وخصصت الحكومة الأمريكية عشرات الملايين من الدولارات لدعم الفكرة الشيطانية.

 وظلت الضغوط من خلال الغارات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على مخيمات اللاجئين فى غزة طوال أوائل الخمسينيات، وفى الوقت ذاته تم التأكيد على الولاية القضائية النهائية لمصر على مشروع التهجير بحجة التنمية الاقتصادية فيصبح اللاجئون خاضعين للقوانين واللوائح المصرية، والسيادة المصرية. 

وفى يوليو 1955، شكلت القيادة المصرية فريقًا لمسح سيناء الذى أودع تقريره النهائى، بأن مشروع سيناء سيؤدى إلى محو الهوية السياسية الفلسطينية وهو ما انتهت إليه القيادة المصرية تحقيقًا للسيادة المصرية من ناحية وتأكيدًا على القضية الفلسطينية من ناحية أخرى.

 انتفاضة مارس 1955

أجبرت انتفاضة مارس 1955 فى غزة أمريكا ومسئولى الأمم المتحدة عن التخلى عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهم بالهوية السياسية.

وكانت الأمم المتحدة وضعت فى بدايات الخمسينيات من القرن الماضى، مخططًا لتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وكان ذلك بهدف إلغاء حق الفلسطينيين فى العودة إلى وطنهم، وقد ترتب على ذلك إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم، خاصة وقد ظهرت حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948، ولكن الفلسطينيين فى غزة اتحدوا مع بعضهم البعض من خلال انتفاضة مارس عام 1955 فى غزة.

الرؤية المصرية

توافقت الرؤية المصرية عام 1955 مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى، حيث أدرك الفلسطينيون فى مختلف أنحاء الشتات التهديد الذى فرضته خطة التهجير على حقهم فى العودة، واعترض الفلسطينيون على تهجيرهم لسيناء كوجهة لإعادة توطين اللاجئين، وقالوا إن المشروع يقضى على قضيتهم السياسية.

 وطوال أوائل الخمسينيات من القرن الماضى، أدرك الفلسطينيون الصلة الوثيقة بين خطط إعادة توطينهم وتهجيرهم بسيناء التى تقدمها الأونروا من خلال دعم أمريكا وبين الغارات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على غزة فى ذلك الوقت، وهى استراتيجية سياسية متعمدة للضغط على مصر لنقل الفلسطينيين خارج غزة إلى سيناء، وفى مواجهة هذين الخطرين المتوازيين الطرد والتهجير القسرى أو العدوان على أهل غزة، دعا العديد من الفلسطينيين إلى مقاومة منسقة باعتبارها الرد الفعال الوحيد.

اعتراف الأونروا بالخطأ

اعترف لابويس مدير الأونروا اللاحق بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسوا ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم فى العالم العربى، وبدلت الوكالة مسارها بخلاف وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية فالحل السياسى وحده هو الذى يمكنه معالجة محنة اللاجئين الفلسطينيين، واعترف لابويس بأنه كان من الخطأ الاعتقاد بأن اللاجئين سوف ينسون ماضيهم فهم لا يقبلون استيعابهم فى العالم العربى.

التاريخ يعيد نفسه

والآن التاريخ يعيد نفسه فمازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عامًا رغم ظهور قوى جديدة ، فعلى الرغم من آلاف الصفحات من تقارير المسح وملايين الدولارات من التمويل المخصص للأمم المتحدة بمساعدات أمريكية، بحلول نهاية الخمسينيات، كان مشروع سيناء مجرد واحد من المشاريع التى تدل على الفشل الدولى تجاه فلسطين، وهو ما يجعلنا نفكر فى الحاضر إذ يظل التاريخ أكثر أهمية من أى وقت مضى، وكان فشل المشروع دلالة لنوع معين من التفكير الذى ساد برامج المساعدات الأمريكية والأمم المتحدة فى أوائل حقبة ما بعد الحرب العالمية بحجة الدوافع الاقتصادية كوسيلة لتجاوز المفاوضات السياسية والقضاء على القضية الفلسطينية.

 

 ويختتم الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، دراسته، بأنه ليس من الذكاء السياسى الدولى السير على هذا النهج فى صنع السياسات فى الشرق الأوسط كما كان منذ 70 عامًا مضت تبدلت فيها أحوال الدول وظهرت قوى دولية جديدة عسكرية واقتصادية تقلب موازين القوى وفى خضم المتغيرات الكبرى تمسك الفلسطينيون أكثر بوطنهم ومصر داعمة لحقهم فى تقرير مصيرهم طوال عقود من الزمان.