الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رجعونى عينيك لأيامى اللى راحوا

رجعونى عينيك لأيامى اللى راحوا

أتذكر الطريق من القبة إلى جاردن سيتى، حيث المدرسة، كان أبى يسألنا يوميًا: أى طريق نسلك، كوبرى أم لا كوبرى، وشقيقتى شادية تصيح بحماس الكوبرى الكوبرى بينما أنا خائفة!



كم عشقت لحظات السعادة الكبرى فى الطريق إلى المدرسة.

«أبوكى ينثر الفرحة» عبارة سمعتها من أقرانه. 

هو من علمنى بالكلمات، فال ping  تستدعى  pong  أما أنا فكل مرادى كان الالتجاء إلى أحلامى، لدى الآن متسع من الوقت للحلم بك.

السبيل لملاقاة أبى معروف للقاصى والدانى : فى المجلة صباحًا وفى القهوة مساءً،هذه عبارة كثيرًا ما سمعتها فى طفولتى.

وليه مش بتروح الشاى؟ القهوة عالم غامض، كبيرة هى أم صغيرة، وما شكل الديكور وما عدد الزبائن؟ القهوة عالم غامض لكن لابأس، أحبها لأنها تنتمى إلى عالم أبى.

رجعونى عينيك لأيامى اللى راحوا

أتذكر كل الرحلات التى قمنا بها للشواطئ أو الأرياف، مع أصدقاء فنانين وكتّاب.

عرفت هذه الأجواء مبكرًا، مناخ ثقافى يُتيح لك مشاهدة المنحوتات واللوحات، وعندما كانوا يسألونى عن المستقبل كانت الإجابة فنانة، وفيما بعد درست الفنون الجميلة ودعمنى فى ذلك، لثقته فى تطلعاتى.

وبعدما أقمت أول  معارضى فى سويسرا، قال والآن أعدى معرضًا هنا.

 أتيحت الفرصة وحضر الافتتاح وبصحبته شلة الأصدقاء ، هنا أيضًا أحسست أنه فخور بى أكثر من فخرى بالمعرض.

لطالما تساءلت: كيف يحظى بكل هؤلاء الأصدقاء .. فى المنزل جرس التليفون لا ينقطع، وهو مصدر إزعاج للمراهقة التى كانت، وعليها تلقى المكالمات، فكانت ترد على المتصلين بجفاء وغلظة. 

وحدث أن كانت المتصلة أستاذة نجلاء بدير الصديقة الصدوق، وقال لى عنها هى أفضل الأصدقاء وسوف تواصل، توقعى ذلك. 

هى من عنى به خاصة فى غيابى، واليوم أصبحت أنا من يتصل طوال الوقت، وصارت نجلاء صديقتى رغم أنفها!  

علمونى أندم على الماضى وجراحه

اعتاد أبى رواية قصص من الحياة، كنت أتابعها بنصف اهتمام، لعلمى أن شادية شقيقتى كانت تستمع.  سوف أسألها فيما بعد ولنتفرغ الآن للأحلام.

اليوم أندم على التفاصيل المهمة التى لم أسال عنها رغم علمى بأهميتها.

أحيانًا كان يمازحنى حول الخصال الخواجاتى العائدة إلى أمى، كان يقول إنها تعرف شوارع القاهرة أكثر مما يعرفها هو. فى قرارة نفسه كان يعلم أننا متشابهان.. فى ذات الفترة كنت أميل إلى التشبه بأمى، ليس فقط بسبب شعرها الأحمر، لكن للمشترك بين الإناث كذلك .. وهل يمكن أن تشبه الفتاة الرجال! ؟

لذا لم أكن مسرورة حين لاحظ البعض اكتسابى لملامح أبى، ملاحظة تبعث اليوم على الفخر.

ألهمنى أبى بغير وعى منى منذ الصغر من خلال السينما وأفلام الأبيض والأسود والمسارح ولعبة الشطرنج، عندما كان فى حالة العمل لم يكن ذلك ظاهرًا وإنما بدا وكأنه يلعب على لوحة المفاتيح، كان يلعب الورق، وفجأة يظل فى حالة تركيز لعدة ساعات، رأيته كذلك يستيقظ من اليوم لتدوين شىء ما فى حين كنت مستلقية للاسترخاء. وإذ تنادينى أمى لمساعدتها: سيبينى فى حالى، مش شايفة إنى باشتغل؟

أتذكر مشهد أبى وهو يستعد للخروج ويسمع أم كلثوم فقط حبه لأم كلثوم حيث دار بينى وبينه الحوار التالى 

- ولماذا تبدو حزينة؟

 مش حزينة خالص..دى مليانة بالفرح وبتفرحنى.

- أمال إيه التنهيد والآهات وإيه المنديل اللى ماسكاه؟

انتى فيكى حاجة يابنتى؟ عارفة بتتكلمى عن إيه؟

- مش باحبها..

دى أحسن مطربة فى العالم..

وعرفت حين درسنا «انت عمرى» فى حصة اللغة العربية.

وسمعتها للمرة الأولى وعرفت سر افتتان أبى بأم كلثوم.. فالكلمات مشتقة من قاموس الوطنية المصرية، وهى خير ما يجسد الحلم بوحدة المصريين الذى سعى إليه، بنشر الفرحة بين أبناء وطنه فى العالم.