تحمل فيضًا من المَشاعر وتجسّد القيم الإنسانية فى الساحة التشكيلية: «المرأة المصرية» منبع الفنون صاحبة التميز وصانعة الإبداع
آية محمود على
ألوانهن شكلت ملامح المرأة وريشتهن رسمت آمالها، وإبداعاتهن عبّرت عن آلامها، ولوحتهن دوّنت حكاياتها، وأدواتهن جسدت مشاعرها، هن المبدعات اللاتى صنعن فنونهن الجميلة ومسيرتهن التشكيلية بصدق تعبيرهن ودفء إحساسهن، وتفرُّد مواهبهن، تميز أفكارهن وحرفية أدائهن، وتنوعت أعمالهن بين النحت والرسم والتصوير والخزف، وجمعهن معرض مساحة مختلفة للفن البصرى المعاصر الذى انطلق منذ أيام بجاليرى ياسين، وبمشاركة 60 فنانًا فى نسخته الثانية لعام 2023.
من المقرّر أن يستمر حتى منتصف أغسطس المقبل، وعلى هامش فاعليته يتحدثن لمجلة «روزاليوسف» عن حكايات المرأة فى لوحاتهن ويكشفن عن لغتهن الفنية ومفرداتهن التشكيلية فى التعبير عنها.
الروح والجسد
د.أسماء الدسوقى، رئيس قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، إحدى المشاركات فى معرض مساحة مختلفة، تقول إن المرأة هى نصف المجتمع وتشكل جزءًا مُهمًا من تجربتها الفنية التى اعتمدت على تناوُل القضايا الخاصة بها من خلال توظيف وتطويع المفردات الرمزية والتعبيرية فى وصف حالتها، مخاطبة روحها، ورصد الأبعاد الزمانية والمكانية المحيطة بها.
وعن مشاركتها بمعرض مساحة مختلفة تضيف: «يُعَد بمثابة مساحة أوسع؛ حيث يضم كوكبة من المبدعين والمبدعات من مختلف الاتجاهات الفنية والمدارس التشكيلية، ويُعتبر ثانى معرض يتيحه جاليرى ياسين ويحرص على أن يقدمه بالمفهوم ذاته، وهو مساحة مختلفة ومميزة بالفعل».
وعن فكرة العمل المشارك بمعرض مساحة مختلفة توضح: «يتناول العمل فكرة المزج بين الروح والجسد؛ حيث تبرز الروح أرقى الصفات التى تتمتع بها المرأة، وتشكلت اللوحة باستخدام القلم الجاف فى رسم ملامحها على الورق، ووصف تفاصيلها فى صورة تختفى فيها معالم روحها وتفرغ بعيدًا عن الجسد، وهنا تتمحور رسالة العمل والتى تكمن فى التأكيد على أن جمال الروح هو أصل الوجود».
وتفسّر: « يجسّد العمل تناثر أوراق الشجر من التاج المرصع لجبينها، وتعانقه هى فى وداع له مع مجموعة من زهور الياسمين التى تحمل عطرها، واستقرت اللوحة على استخدام عنصر من مفردات الثقافة المصرية وهو الكليم، وظهرت هذه التجربة من خلال الاعتماد على المَدرسة التعبيرية الرمزية».
وعمّا يحتاجه الفنان التشكيلى من متطلبات ترى: «الفن ممارسة وحياة كاملة يقدمها المبدع من خلال موهبته الفنية، ومهاراته التعبيرية، والطبيعى أن يثقلها بالدراسة والمتابعة الواعية التى تعمل على تنمية تجربته وتطويرها، وهناك دراسات يقوم بها البعض لتلبية متطلبات العمل، وليس بدافع تعلم الفن».
وعن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعى فى الفن التشكيلى تعلق: «لا يمكن الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعى لإنتاج عمل فنّى بصرى يعتمد فى المقام الأول على الإبداع، وذلك يرجع لكونها أدوات جافة من المشاعر وتفتقد إلى السمات الأساسية التى تميز فنانًا عن آخر مثل الحس الإبداعى والتذوق الفنى».
الجدة وذكريات الطفولة
وتستعيد الفنانة التشكيلية ريم جمال ذكريات الطفولة وتنسجها بخيوط الحنين إلى الماضى فى مشهد تصويرى للجدة وهى تأكل البَط، واعتمدت فى تشكيل عناصره على مجموعة من الخامات المكونة من الزيت والأكريليك والباستل.
وعن الهدف من تجسيد هذا المشهد فى عمل تصويرى توضح: «فى فترة ما كان من الطقوس الأساسية لكل بيت، وتحتفظ الكثير من الأسر بهذا المشهد فى ذاكرتها، وبعض القرى الريفية تتبعه إلى الآن، وقد يبدو أنه أمْرٌ طبيعى لا يرقى إلى ترجمته فنيًا؛ لكنه يحوى الكثير من المشاعر الصادقة التى تحملها الجدة، ويوضح مدى صبرها، ويبرز رعايتها لصغارها واهتمامها بإنتاج شكل من أشكال الغذاء لأسرتها».
وتضيف: «المشهد عبارة عن لوحة فنية تنعكس من وجدانى وتنبع من فيض حبى لجدتى، وتتجلى فيها مشاعر الحنان والطيبة التى تتمتع بهما، مما يؤثر فى وجدان المُشاهد ويستدعى النوستالچيا بمجرد رؤيتها».
وعن المَدرسة الفنية التى تفضل اتباعها تقول: «أميل إلى اتباع المَدرسة التعبيرية فى الفن التشكيلى، واعتمدتُ على نهجها فى تشكيل عناصر لوحاتى والتى تنفرد فيها المرأة بدور البطولة، وتظهر من نافذتها بأدوار مختلفة كأمّ وأخت وصديقة وجدة، وتنطوى على تجسيدها فى المواقف المختلفة ووصف حالتها الوجدانية فى العديد من الطقوس كالأعياد والمناسبات فضلاً عن إبراز تفاصيل وملامح الأماكن المصرية القديمة التى عاصرتها».
وعن دوافع اختيار المرأة كبطلة لأعمالها الفنية تفسّر: «المرأة عنصر تشكيلى مرن ومُعَبّر عن المَشاعر الإنسانية وغنى بالتعبيرات الفنية، وتوظيفه فى أعمالى يدعم طاقة العطاء والحنان بداخلى، وأفضّل الاعتماد عليه عرفانًا وتقديرًا لدور المرأة فى حياتنا بصورة خاصة، وفى المجتمع بصورة عامة».
وعن ما يحتاجه الفنان للتأثير فى الوجدان الشعبى ترَى: «ما يحتاجه التشكيلى من وجهة نظرى أن يكون صادقًا فى نقل تجربته وإحساسه، حينها يستطيع الوصول إلى مختلف الفئات العمرية، ومن ثم يترك أثرًا فى وجدانهم».
وعن ما تشكله المَعارض التشكيلية من أهمية فى حياة الفنان تعلق: « تشكل عيدًا للفنان وتمثل حركة فنية غنية ومهمة تتيح له التعرف على مختلف الاتجاهات التشكيلية والاطلاع على الخامات الفنية، وتغذى رؤية المُشاهد بكَمّ متنوع من الفنون مثل التى شاهدناها بمعرض مساحة مختلفة، وسعدتُ بالمشاركة فيه ضمن باقة من كبار الفنانات من داخل مصر وخارجها، واستمتعتُ برؤية أعمالهن التى أضافت الثراء والتنوع للمَعرض».
هن الملاذ الآمن
فى حين اعتمدت د.أمانى فوزى، أستاذ الخزف بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، على المزج بين النحت والخزف، وأنتجت مشروعًا فنيًا يحمل عنوان «المَلاذ».. وعن الفكرة التى يتضمنها العمل تقول: «ينتمى العمل إلى النحت الخزفى ويجسّد ملامح فتاة يضم ذراعها سمكة، وتطويع تلك العناصر جاء ليوضح العلاقة بين الفتاة وعنصر السمك الذى يرمز إلى كل ما تتحمله الفتاة منذ نعومة أظافرها وتم استخدام هذه العلاقة للدلالة على أن المرأة هى الملاذ الآمن لمن حولها».
وعن مشاركة مشروعها بمعرض مساحة مختلفة تضيف: «مشاركة تسعدنى كثيرًا، وما يميز هذا المعرض أنه يقام بجاليرى وُلد كبيرًا فى الساحة الإبداعية، ويعتمد على نظام احترافى فى عرض الأعمال الفنية، ويحمل تنوعًا فى الاتجاهات التشكيلية».
وعن هيمنة المرأة على أعمالها توضح: «أميل إلى الموضوعات التى تمس أفكار ومشاعر الإنسان فى تحدّثه مع ذاته، بالإضافة إلى أن عنصر المرأة جذب اهتمام العديد من الفنانين التشكيليين لما يحمله من دلالات إبداعية، وتم توظيفه فى مشروع الملاذ كعنصر أساسى يحوى مختلف المشاعر الإنسانية».
وعن الوقت الذى استغرقه العمل على المشروع تشير: «تختلف مدة الإنتاج من عمل لآخر، قد يستغرق مشروعٌ العديدَ من الشهور، وقد ينجز غيره فى شهر واحد، بينما مشروع الملاذ تطلب تنفيذه أربعة أشهُر بدءًا من التجهيز والإعداد وصولاً إلى مراحل التشكيل والجفاف والحريق انتهاءً بالإخراج النهائى للعمل ومشاركته بمعرض مساحة مختلفة».
وعن أسباب الاتجاه إلى المزج بين النحت والخزف تفسّر: «أدركت قيمة خامة الطين، وأهمية التقنيات الخزفية المختلفة من واقع الخبرة الأكاديمية والممارسات الفنية فى المَعارض الخاصة والجماعية، ومن ثم اعتمدت على المزج بينهما لكونه يساهم فى إضفاء التنوع الفنى على العناصر، ويساعد على إبراز الفكرة ونقل ما تتضمنه من رسائل ومعانٍ إلى المُشاهد بمعالجة ثرية».











