خطة تركيع مصر

حنان البدرى
لا يسع المرء وهو يشهد الجدل غير المسبوق والمتصاعد على مدى الأيام القليلة الماضية فى واشنطن بخصوص الشأن المصرى، إلا أن يراه كتحديات صعبة والتى تشى بما فى الجعبة الأمريكية تجاه مصر وذلك على كل المستويات الرسمية وغير رسمية، ففى أقل من أسبوع كانت معظم مراكز صنع القرار والدوائر السياسية بما فى ذلك اللجان المتخصصة للسياسة الخارجية بالكونجرس وبعض وسائل الإعلام إما بمناقشات أو جلسات استماع أو الاهتمام بزاوية معينة تدور حول القلق الأمريكى حول مصير الحريات والديمقراطية فى مصر وذلك إذا ما أعلن المشير السيسى اعتزامه خوض انتخابات الرئاسة فى مصر، وتحولت دفة التركيز الأمريكى عن مسألة التزام مصر بخارطة الطريق، وعاد الكلام ليصب حول حكم مدنى لمصر يرغب الأمريكيون فى رؤيته يتحقق وقد رأينا ذلك فى تصريحات الخارجية الأمريكية سواء على لسان وزيرها أو المتحدثة باسمه قد استثمر التنظيم الدولى للإخوان وأذرعه فى الولايات المتحدة الأمر فكثفوا من حملاتهم.
وحسب ما علمنا وبميزانية مفتوحة جاوزت فى الولايات المتحدة فقط ومنذ يوليو الماضى إلى 250 مليون دولار! فأعادوا إلى السطح وصفهم لما حدث فى 30 يونيو - مع إضافة يوم 3 يوليو 2013 «بالانقلاب» مع التركيز على خلق رأى عام ضد اعتقال صحفيين من قناة الجزيرة الدولية ومحاكمتهم فى مصر بتهمة دعم جماعة إرهابية وهو مارددته وراءهم العديد من جهات أكاديمية إحداها وهى تابعة لمركز الوليد ابن طلال بجامعة جورج تاون فى سابقة بعد أن كانت الدوائر الأكاديمية تحديدا تتحفظ، وفى إطار من الدقة الأكاديمية فى إطلاق مثل هذا التعبير على فعل كان واضحًا فيه تأييد عشرات الملايين من المصريين للتخلص من الإخوان، إلا أن هذا العدد تحول على كل الألسنة فى أمريكا فجأة إلى مليون شخص فقط فى تبنى لرواية الإخوان، قالوا إنهم خرجوا بواعز من السلطات فى مصر يوم 30 يونيو الماضى، ووجدنا ايضا ضيوف نفس المؤتمر والذين كانوا يتبادلون خلال انعقاده الظهور على وسائل الإعلام وعلى رأسها الجزيرة مهاجمين لجيش مصر، هؤلاء وجدناهم يهرعون إلى مؤتمر مماثل دعا عليه إخوان نيويورك، وذلك فى الوقت الذى استمرت فيه آليات المظاهرات المنظمة فى ولايات أمريكية عدة وصدرت الأوامر لجميع اتحادات الطلاب المسلمين بمختلف الجامعات الأمريكية - والمعروف رعاية الإخوان لهم منذ عقود - بالقيام بأنشطة لها صوت عال وبميزانية مفتوحة حسب أحد المصادر وهو أستاذ جامعى بإحدى هذه الجامعات - بالساحل الغربى الأمريكى - والذى أبلغنى أن تقديرات إنفاق الإخوان فى أمريكا فقط منذ يوليو الماضى وحتى الآن تجاوز الـ 250 مليون دولار! مشيرا إلى أن الإخوان متواجدون بالجامعات الأمريكية منذ السبعينيات ومعروف عنهم انتقاء الكوادر من الطلاب الجدد على مدى عقود للانضمام للجماعة.
إن ما شهدته واشنطن تحديدا بخصوص مصر على مدى الأسبوع المنصرم لهو جدير بالتدوين وبشكل مفصل، لكننى وأمام نشاط محدد من هذه القائمة أجد فى تفاصيله كل الخيوط التى ستقودنا إلى فهم الموقف الأمريكى بل والتحسب له، وأعنى بذلك تلك الرسالة الهامة التى عكف عليها فريق العمل الأمريكى لمصر تحت مظلة وقف كارنيجى للسلام الدولى، قبل تسليمها الأربعاء للبيت الأبيض، وقبل الخوض فى المهم من تفاصيل هذه الرسالة المهمة فعلينا أولا التوقف أمام سابقة وهى تضامن واتحاد أسماء من أعدوها رغم خلافاتهم الأيديولوجية العميقة، فاللجنة برئاسة كل من ميشيل دن الباحثة المخضرمة والمعروف عنها انتماؤها للمصالح الأمريكية، وروبرت كيجان من معهد بروكينجز والمعروف عنه أنه منظر لتيار المحافظين الجدد اليمنى العامل أيضا للمصلحة الأمريكية وإسرائيل معا! وفى أسماء الموقعين نجد أسماء يمينية أخرى مثل اليوت ابرامز المسئول اليمنى بالبيت الأبيض إبان إدارة بوش /تشينى! عموما لن أتوقف عند الأسماء بقدر توقفى هنا عند غرابة ورمزية تحالف هذا التضاد فى موقفهم من الحادث فى مصر الآن، وعودة للرسالة التى وجهوها لأوباما مباشرة سنجد أن أهم ما فيها هو تحذير الإدارة الأمريكية من التواطؤ مع المؤسسة العسكرية فى مصر لأن ذلك لم ينجح فى الماضى! وأن عدم الاستقرار فى مصر سيجعل من المستحيل أن تكون حليفًا أمنيًا لأمريكا يعتمد عليه أو شريك سلام مع إسرائيل، وهو ما سيهدد بزيادة الهجومات الإرهابية ضد الأهداف والمصالح الأمريكية وأنه إذا لم يكن هناك موقف أمريكى واضح من مسألة الديمقراطية فى مصر وتم إعادة المساعدات لمصر فمن شأن ذلك إحداث ضرر بـالمصالح الأمريكية.
وأن القمع لن يؤدى للاستقرار على المدى البعيد ولا المتوسط ولا حتى القصير، فبعد ثورة يناير أصبح الشعب المصرى أكثر دراية ومعرفة بحقوقه وكذلك اكثر حراكا، وهو الآن منقسم نفسه.
وأنه فى حالة حدوث موجة رخاء فقد تهدئ من الموقف السياسى بشكل مؤقت، لكن تحديات الخطاب المصرى الحالى تجعل أى حلول سريعة عمل مستحيل! فالشعب المصرى غالبا لن يبلع - لن يقبل - أى اصلاحات اقتصادية مؤلمة فى نفس الوقت الذى يحرم فيه من حقوقه السياسية، ومساعدات دول الخليج غالبا ستهدر على سياسات اقتصادية قصيرة المدى الهدف منها زيادة شعبية النظام.
وطلبت اللجنة من الرئيس أوباما أن يبلغ المسئولين المصريين أنه سيرسل لهم المساعدات لكن بعد قيامهم بخطوات- لفظ مهذب لشروط - حددوها فى التالى:
- إنهاء الحملات الأمنية والإعلامية ضد معارضى الحكومة المؤقتة والجيش.
- الإفراج عن المعارضين ومؤيديهم والنشطاء المعتقلين حاليا على ذمة اتهامات وهمية والسماح لجميع المواطنين الذين لا يشاركون فى العنف بالمشاركة فى الحياة السياسية.
- وقف استخدام الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين وهو ما نتج عنه مقتل المئات، واحترام الحقوق الأساسية فى التجمع والتظاهر.
- وقف القمع ضد المعارضين السلميين، ووقف التحقيقات والقضايا ضد الناشطين الشباب والأعضاء السابقين فى البرلمان، والصحفيين والأكاديميين لأن ما يقوم به هؤلاء محمى بموجب معاهدات حقوق الإنسان الدولية ومصر من الدول الموقعة عليها.
- وقف حملات وسائل الإعلام فى مصر ضد الولايات المتحدة وضد منظماتها غير الحكومية، وهى الحملات التى تساهم وبشكل غير مسبوق فى خلق حالة من العداء ضد الولايات المتحدة كما أنها تهدد المصالح الأمريكية والمواطنين الأمريكيين ليس فقط فى مصر بل وفى الدول التى يصل إليها الإعلام المصرى.
- وأنه إذا لم تنفذ الحكومة المصرية هذه الخطوات فنحن نوصى بتعليق جنب كبير من المساعدات الأمريكية لمصر كتعبير عن انزعاجنا ورفضنا للمسار الخطر الذى تسير عليه مصر.
كانت هذه أهم النقاط التى جاءت بهذه الرسالة، والتى سلمت للرئيس الأمريكى فى نفس أسبوع خطابه للأمريكيين عن حالة الاتحاد والذى تجنب فيه الإشارة إلى مصر، واكتفى بلمزة ضمنية حين تحدث عن تأييد إدارته «لأولئك المستعدين للقيام بعمل شاق لبناء الديمقراطية من تونس لبورما»! أنما أن حاولنا ترجمة هذه الرسالة فسنجد صورة واضحة للمسلك الأمريكى المعتاد للإبقاء واللعب بجميع الكروت التى تضمن لها مصالحها وربما لهذا تربعت أمريكا ولازالت سدة العالم، لهذا حملتها ومعها بعد من أوراق عمل وتوصيات وجدت طريقها من وإلى إدارة اوباما الِى أحد المهمين فى شأن منطقتنا، لأتاكد معه من صحة ترجمتنا السياسية لهذه المواقف والتحركات، وقد فاجأنى بتعبير ذكرنى بتعبير كونداليزا رايس عن الفوضى الخلاقة حين لخص لى تعبير يصف سلوك واشنطن بقوله: أنها «الغموض البناء» هكذا نسميه!
وعندما استوضحته فاجأنى بشرح لا يختلف كثيرا عن فهمنا الذى اوردناه فى العدد السابق من حيث رغبة الولايات المتحدة فى الحفاظ على كل الاوراق حتى لا تتفاجأ مرة أخرى بمتغيرات تتبدل فيها أدوار اللاعبين فى مصر بينما تستطيع فى نفس الوقت القيام بدور فاعل من حين لآخر!
ودلل على كلامه بالقول بأن ذلك يترجمه المواقف التى يراها البعض متباينة ما بين الخارجية والبيت الأبيض والبنتاجون سواء مع النظام الحكم فى مصر الآن أو مع المؤسسة العسكرية أو حتى مع الإخوان!
وعندما سألته عن قراءته الشخصية لمسألة ترشح الفرق السيسى للرئاسة رد بسرعة «أنها تحديات، نعم أن مصالح ترشحه تواجهة تحديات»، وأضاف:
«أولها أن هناك من يرى هنا أن نظام الحكم فى مصر ينبغى ان يكون مدنيا، وأمامك تصريحات جون كيرى التى عكست ذلك الهاجس، ولكنى لو تحدثت بلسان أحد المصريين لقلت ان ترشحه يمكن أن يكون استباق لأهم ورقة ممكن ان تحتفظ بها المؤسسة العسكرية المصرية والتى يجب أن تستمر متماسكة لحماية البلد من تحرك إخوانى شرس فهم- الإخوان - لم يخرجوا تماما من اللعبة ولبضعة سنوات أخرى، وجود السيسى على مقعد رئاسة فى فترة صعبة كهذه يكون فيها من شبه المستحيل قيام أى رئيس بإحراز نجاح باهر على المستوى الاقتصادى والسياسى فى أقل من سنة، فمثلا أن رفع الدعم الحكومى عن المحروقات - الطاقة - قد يؤدى ذلك الِى حالة غضب ستعم الشارع، أو ان يجد المصريون أن نظام مبارك ورموزه عادوا تدريجيا إلى الصورة أو أن يتم الإفراج عن رموز هذا النظام أو العفو عن مبارك، أو عودة رجال أعمال نفس العهد فى محاولة استعادة سيطرتهم الاقتصادية، وهناك التحدى الأمنى للسيطرة على الارهاب وقد استوقفنى تصريح الشرطة المصرية بمضبوطات من اسلحة من ضمنها صواريخ عابرة للمدن بمدى 90- 150 كيلو مترًا كانت مهربة من ليبيا ثم حادثة اسقاط الهيلكوبتر العسكرية بصاروخ سام، هل تعلمى أن المضبوط عادة لا يتجاوز 10 ٪ من الذى تم تهريبه فعلا؟ وأن تصريحات إسرائيل منذ أيام كانت عبارة عن رسالة لجيش مصر بالإسراع من التخلص من عناصر الارهاب فى سيناء وإلا ستولى إسرائيل الأمر! وأن كل هذه التحديات قد تسفر عن أو ستتؤدى إلى عودة الإخوان بشكل أو بآخر لاسيما مع استثمارهم لمسألة ترشح عسكرى لصالح ما يسمونه انقلاب، لاسيما لو اتخذ قرارات اقتصادية صعبة لن يتحملها المصريون المضغوط عليهم أصلا ولعقود وهو الأمر الذى ستستخدمه أطراف خارجية لعزل مصر وتجميد مصالحها مع العديد من الدول والمحافل الدولية، وكذا المؤسسات الدولية المهمة لها كالبنك الدولى وصندوق النقد وغيرها.
لذا أرى أن وجود السيسى على رأس وزارة الدفاع أقوى له ولبلده فهو محصن بالدستور الجديد لثمانى سنوات يمكن ان يكون خلالها رقيبا فاعلا محافظا على ثقة الشارع فيه ويتدخل عند الضرورة.
كان هذا ملخص كلام مصدرنا الذى لم تفتح الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح بضرر فى العلاقات مع الجيش المصرى ولكنها فى ذات الوقت متمسكة بكل الأوراق بما فى ذلك ورقة الإخوان، فخطة الولايات المتحدة السابقة لـ30 يونيو كانت تعتمد على الإخوان ليس فقط فى مصر بل وفى المنطقة وخارجها.