الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد زلزال البنوك الأمريكية الاقتصاد العالمى يتجه إلى «الملاذ الآمن»

على مدار أسابيع يترقب العالم حمى انهيارات البنوك التى أصابت أكبر المصارف البنكية فى الولايات المتحدة، حيث أعلن أربعة بنوك أمريكية عن أزمة «إفلاس» أصابت نظامها المصرفى، بعد رفع البنك الفيدرالى الأمريكى على مدار أشهر للفائدة البنكية فى خطوة لمحاولة استيعاب التضخم الذى أصاب العالم أجمع كأثر من الآثار المدمرة للحرب الروسية الأوكرانية.. وهو الأمر الذى لم تستطع البنوك الأمريكية مجاراته فأدت إلى زلزال مدمر يضرب المصارف الأمريكية وأصابت واحدًا من أكبر المصارف فى سويسرا، فكانت البداية مع مصرف «سيليكون فالى» ثم مصرف «سيجنتشر» الأمريكيين، واستحواذ بنك «يو بى إس» على منافسه الرئيسى «كريدى سويس» المتعثر فى سويسرا، والبقية تأتى.



وعلى الرغم من أن البنوك الأمريكية بعد رفع الفائدة بصورة متوالية كانت الملاذ الآمن للعديد من رجال الأعمال والمستثمرين، إلا أن بعد هذا الزلزال المدمر بدأت الأنظار تتجه لملجأ آخر للمستثمرين، وظهر على السطح رابحون جدد لهذه الأزمة العالمية.. وكان أكبر الرابحين أسواق العملات المشفرة، وسوق الذهب، فإلى أين يتجه اقتصاد العالم فى ظل هذه التطورات المتسارعة؟ وهل سيستمر نزيف البنوك الأمريكية؟ وهل ستضرب هذه الأزمة البنوك والبورصات العالمية أم سينحصر هذا الدمار فى الداخل الأمريكي»؟

 بداية الانفجار

شهدت الأسواق المالية العالمية اضطرابات على خلفية المخاوف بشأن مستقبل القطاع المصرفى العالمى، بعد انهيار بنكى «وادى السيليكون» و«سيجنتشر» الأمريكيين، واستحواذ بنك «يو بى إس» على منافسه الرئيسى «كريدى سويس» المتعثر فى سويسرا.

وتعد هذه الاضطرابات الأكبر من نوعها منذ 2008 عندما انهارت الأسواق المالية حول العالم قبل أن تتدخل الحكومة الأمريكية بحزمات إنقاذ واسعة مكّنت القطاع المصرفى الأمريكى والعالمى من التعافى ومنعت انهياره الكامل.

ومع تطور الأوضاع دعونا نفهم ماذا حدث مع بنك «سيليكون فالى» فى بادئ الأمر.

فخلال الفترة ما بين 2019 حتى بدايات عام 2022، كانت معدلات الفائدة منخفضة للغاية، حيث كانت تتراوح ما بين 0 % و0.50 %. القاعدة هنا تقول: كلما انخفضت فائدة البنوك، كان هذا دليلًا على قوة السوق وارتفاع معدلات الاستثمار فى المشاريع التى تجلب أرباحًا أكبر من فوائد البنوك.

وزادت الإيداعات فى بنك وادى السيليكون، حيث صعدت من 60 مليار دولار عام 2019 إلى 189 مليار دولار عام 2022، إلا أنه ومع استمرار انخفاض سعر الفائدة، وضرورة تشغيل هذه السيولة الهائلة المودعة فى البنك لتوليد أرباح بشكل أكبر من القروض البنكية أو تمويل المشاريع الناشئة؛ بحث البنك عن الاستثمار فى مجالات أخرى تكون عالية الأمان ولديها عائد جيد مقارنة بسعر الفائدة المنخفض آنذاك.

وقد استثمر البنك نحو 80 مليار دولار فى أدوات السندات الحكومية، وهى تعد أدوات دين عالية الأمان بعائد يقدر بنحو 1.5 % فى المتوسط، بالطبع مع معدلات فائدة منخفضة للغاية تقترب من الصفر، فإن نسبة 1.5 % ليست سيئة، المشكلة الكبرى فقط ستأتى إذا بدأت أسعار الفائدة فى الارتفاع.

لسوء الحظ، كان هذا هو ما حدث بالفعل، فحتى مارس 2022 رفع الفدرالى الأمريكى سعر الفائدة 8 مرات لمواجهة التضخم العالمى، حتى وصل إلى سقف 4.75 %، وهو ما يعنى أن البنك أصبح يدفع مبالغ أكبر للمودعين، مقارنة بعوائد منخفضة يحصل عليها من استثماراته، وبمعنى أوضح، بدأ الفرق يتسع ليتحول إلى أزمة فى توفير السيولة الكافية من طرف البنك للمودعين، وزاد صعوبة الأمر مع تراجع الكثير من مؤسسات الاستثمار الجريء عن ضخ تمويلات للشركات الناشئة، ومن ثم تراجع معدل إيداع الشركات لأموالها فى البنك.

وفى النهاية لم يستطع البنك استيفاء متطلبات المودعين بتوفير أموالهم فى ظل نقص السيولة المالية، وقرر البنك بيع سندات بقيمة 21 مليار دولار، متحملًا خسارة قدرها نحو 1.8 مليار دولار فى هذه العملية، فضلًا عن إعلان نيته فى إصدار المزيد من السندات بقيمة 2.25 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية.

وهكذا أصبح البنك لديه مشكلات سيولة حقيقية وحاول تأخير الوقت الذى يُعلن فيه عدم قدرته على رد أموال المودعين، وكانت هذه اللحظة تحديدًا بداية موجة فزع من المتعاملين مع البنك.

ومع حالة الهلع التى انتابت الجميع، صدرت البيانات الصحفية لتصب المزيد من الزيت على النار، مع أخبار انهيار سهم البنك بنسبة تزيد على 70 %، وأنه بدأ رحلة سقوط حر لا وقوف لها.

وبحلول 9 مارس، مع المزيد من الانهيار فى قيمة السهم، انهالت طلبات آلاف المودعين بسحب ما قيمته 42 مليار دولار من الودائع فى يوم واحد، وهو أمر يستحيل على أى بنك مهما كانت موارده المالية أن يلبيه، الأمر الذى عرضه لظاهرة «التزاحم المصرفى»، وهى الظاهرة الاقتصادية الشهيرة المرتبطة بفزع المودعين من قرب إفلاس البنوك وعدم قدرتها على رد الودائع.

 ضمان «بايدن»

وفى ظل تتابع الأزمة، أعلنت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ورئيس الاحتياطى الفدرالى جيروم باول إجراءات استثنائية لوقف التداعيات المحتملة لانهيار بنك وادى السيليكون، بما فى ذلك دعم المودعين.

من جهته، تعهد الرئيس الأمريكى جو بايدن بمحاسبة المسئولين عن إفلاس البنك، وطمأن الأمريكيين مؤكدًا أن ودائعهم بأمان.

وضخت الحكومة الأمريكية، عن طريق زيادة فى حجم الإقراض الطارئ للبنوك، مبلغ 318 مليار دولار فى شكل قروض، وبعد تعهد الحكومة الأمريكية بتأمين ودائع العملاء مهما كانت قيمتها، كانت هناك معارضة من فئة لا تتعدى 50 عضوًا من مجلس النواب ضد أى ضمان فدرالى شامل للودائع المصرفية التى تزيد على الحد الحالى البالغ 250 ألف دولار.

وعلى الرغم من أن شبح أزمة 2008 مازال فى الأفق، إلا أن حتى الوقت الراهن لم تحدث موجة انهيارات دولية باستثناء مصرف «كريدى سويس» السويسرى لأسباب لا تتعلق بالأزمة فى الولايات المتحدة.

وأعلن بنك الاحتياطى الفدرالى عن بدء تنسيق يومى مع عدد من البنوك المركزية الكبرى فى بريطانيا واليابان وكندا وكوريا الجنوبية والهند وفرنسا، كى يتم توفير السيولة لها عند الحاجة.

 شبح الانهيار

وسبق إفلاس بنك وادى السيليكون، وهو أكبر انهيار لمصرف أمريكى منذ عام 2008، تصفية بنك «سيلفرجيت»، المصرف المفضل لدى مجتمع العملات المشفرة، كما أجبرت السلطات الأمريكية بنك «سيجنتشر»، الذى يأتى فى المرتبة 21 من حيث الحجم، على الإغلاق.

ومن ناحية أخرى، ضخت مجموعة من 11 بنكًا أمريكيًا بقيادة بنكى «جيه بى مورجان» و«سيتى جروب»، 30 مليار دولار فى بنك «فيرست ريبابليك» المتعثر، بعد أن واجه خطر الانهيار المصرفى، وهو ما أدى لانتعاش الأسواق المالية، كما دفعت الأسهم فى بنك «فيرست ريبابليك» إلى تسجيل ارتفاع تجاوز 50 % فى تعاملات 21 مارس.

 الملاذ الآمن

وبعد توالى انهيارات البنوك الأمريكية والأوروبية، لجأ المستثمرون إلى العملات المشفرة كأحد الملاذات الآمنة، مما عزز مكاسب سوق العملات المشفرة، إذ تجاوزت القيمة السوقية لأكبر عملة مشفرة وهى البيتكوين 27 ألف دولار.

وقد خالفت العملات المشفرة  التوقعات العالمية بعد انهيار المصارف الأمريكية والتى كان من المقرر لها أن تأخذ منحى هبوطيًا مع انخفاض الأسهم العالمية وتراجع الأسواق، إلا أنها كانت أول الرابحين من هذه العمليات المتتالية، وتصدرت عملة «بيتكوين»، أشهر العملات المشفرة، المكاسب بنحو 25 % منذ اشتعال أزمة البنوك فى أمريكا، فيما كان الارتفاع الأخير مفاجئًا إلى حد ما، نظرًا لإغلاق بنكى «سيلفرجيت» و«سيجنيتشر»، وهما من أكبر المقرضين لصناعة العملات المشفرة.

وعلى مدار العام، اكتسبت البيتكوين أكثر من 60 %، مما يجعلها واحدة من أفضل فئات الأصول أداء لهذا العام، وعلى الرغم من أن الهزة التى أحدثها انهيار بنك «سيليكون فالى» أدخل «الكريبتو» حزام الملاذات الآمنة، إلا أنه لا يزال هناك مستثمرون ينظرون إلى «بيتكوين» كأصل محفوف بالمخاطر.

من جهة أخرى قفزت أسعار الذهب الفورية العالمية، بأعلى نسبة زيادة لحظية خلال العام الحالى، فى 22 مارس الجارى أى بعد يوم من إعلان حكومة بايدن عن ضمان أموال المستثمرين فى البنوك المتأزمة، وارتفع سعر الذهب العالمى 30 دولارًا مباشرة، لتصعد الأوقية إلى 1970 دولارًا، محققة أكبر مكسب خلال أسبوع أزمة البنوك الأمريكية.

ويوضح الخبير الاقتصادى الدكتور بيار الخورى فى حديث صحفى، أن المستفيد الأكبر مما يحصل فى الأسواق اليوم، هما الذهب والعملات المشفّرة، وهذا ما يبرر ارتفاع أسعارها، حيث إن المستثمرين الذين يبحثون عن الأمان اتجهوا صوب الذهب، فى حين أن المستثمرين الذين يبحثون عن تحقيق عوائد رغم وجود مخاطرة، فقد اتجهوا للأصل المعاكس للذهب وهى العملات المشفّرة.

ويشرح الخورى أن أسعار الذهب والعملات المشفرة، بدأت مسارها التصاعدى قبل أزمة بنك سيليكون فالى، إلا أن سقوط البنك أنعشها ومن ثم أتت أزمة كريدى سويس لتعزز من ارتفاعها، فى الوقت الذى يقوم فيه المستثمرون بإعادة تشكيل محافظهم الاستثمارية، فى ظل الوضع الجديد القائم، لافتًا إلى أن هروب المستثمرين نحو هذين الملاذين، يشير إلى أن هناك موجة كبيرة من السحوبات، تطال الأموال المودعة فى البنوك، ومن هنا يأتى الخوف الكبير من امتداد الأزمة.