الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد عام واحد.. 10 نتائج للحرب «الروسية - الأوكرانية» غيرت العالم!

يصادف هذا الأسبوع ذكرى مرور عام على الحرب فى أوكرانيا التى كان يعتقد أنها لن تطول سوى أيام معدودة؛ بعد أن تنتهى بتسوية بين الطرفين المتحاربين موسكو وكييڤ لكن أمد الحرب طال؛ وآفاق التوصل إلى تسوية سدت؛ ودخلت أطراف عديدة فى مجريات الحرب اليومية وأصبحت أوروبا ممثلة فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) والولايات المتحدة طرفا فى الحرب ونشأت حالة من الاستقطاب لم يعهدها العالم حتى زمن الحرب الباردة. وتحولت الحبوب ومصادر الطاقة إلى ورقة ضغط بين أطراف الصراع لتسجيل مكاسب سياسية؛ مما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد وارتفاع أسعارها وتعريض دول فقيرة فى قارتى إفريقيا وآسيا لهزات عنيفة وارتفاع معدلات التضخم والبطالة على مستوى دول العالم؛ وتعرض الاقتصادات الأوروبية لانكماش نجمت عنه اضطرابات اجتماعية وتظاهرات دون قدرة حكومات هذه الدول على إيجاد حلول لمشكلاتها؛ وطريقة للخروج من النفق المظلم تحفظ ماء وجه كل الأطراف.



 

كما أن الاقتصاد الروسى يعانى نظرا لتعرض موسكو لحصار غير مسبوق ومحاولة تجريدها من الأوراق التى تملكها كورقة الدعم الصينى والهندى وورقة تأثير مصادر الطاقة؛ ولا يبدو أن تصميم موسكو على أن تحقق الحرب أهدافها قد تراجع قيد أنملة حتى الآن. سنحاول من خلال هذا الملف قراءة المشهد عن قرب ومعرفة ما إذا كان ثمة وسيلة لتوقف هذه الحرب الطاحنة التى حصدت فى طريقها أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء. خارج حدود أوكرانيا أدت الحرب إلى إحداث تغييرات فى أجزاء من النظام العالمى؛ بما فى ذلك تشكيل كتل جديدة لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة. ومن ضمن التغييرات:

أولا ظهور تكتلات جديدة زادت الحرب من حدة النزاعات والمواجهة بالإضافة إلى الاتجاه العالمى الحالى للدول لتشكيل كتل تتمحور حول واشنطن وبكين. وقال منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى چوزيب بوريل لقد تحولنا إلى عالم غير منظم ومتعدد الأقطاب وكل شىء فيه سلاح الطاقة والبيانات والبنية التحتية والهجرة؛ الجغرافيا السياسية هى المصطلح الأساسى كل شىء چيوسياسى. وتحولت آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وإفريقيا والمحيط الهندى والمحيط الهادئ إلى ساحات معركة على النفوذ بين قوى مثل الصين والاتحاد الأوروبى وروسيا وتركيا سواء من خلال تمويل مشروعات البنية التحتية أو إبرام صفقات فى التجارة أو التعاون العسكرى أو الدبلوماسى. وجاءت الحرب فى أوكرانيا لتمعن فى زعزعة الأمور فأضعفت قبضة روسيا على الجمهوريات السوڤييتية السابقة فى آسيا الوسطى وفتحت الباب أمام تركيا للاضطلاع بدور جديد كوسيط؛ وقال رئيس مركز أبحاث FMES فى فرنسا بيار رازو إن إعادة التنظيم الجارية فى حالة من الفوضى حقيقية لكنها مؤقتة على الأرجح؛ وأضاف حتما ستؤدى الحرب فى النهاية إلى إضعاف روسيا وأوروبا وإرهاقهما فى حين أن المنتصرَين الرئيسين من هذا الوضع هما الولايات المتحدة والصين. 

ثانيا روسيا فى فلك الصين؛ كان على الصين أن تفكر فى الحرب من منظور هدفها الاستراتيچى طويل الأمد المتمثل فى أن تصبح القوة الرائدة فى العالم بحلول عام 2049.

على الرغم من أن بكين تدعم موسكو إلا أنها تجنبت القيام بتحركات قد تنفر الغرب منها.

وقالت محللة شؤون آسيا فى معهد الاتحاد الأوروبى للدراسات الأمنية أليس إيكمان إن الصين لا تنأى بنفسها ولكنها عززت علاقتها الوثيقة مع روسيا. وفى تقريرها السنوى الذى نشر هذا الشهر قالت أجهزة الاستخبارات الإستونية إن من السابق لأوانه النظر إلى تأييد الرئيس الصينى شى چين بينج المتحفظ للحرب التى يشنها بوتين كعلامة على الابتعاد عن روسيا. وقالت إيكمان إن الدعم قد لا يكون توافقا كاملا والصين لا تقدم لروسيا مساعدات بحجم تلك التى توفرها واشنطن لأوكرانيا لكن علينا أن ننظر إلى الوقائع لقد تعززت العلاقات الاقتصادية. فى الواقع؛ تعنى الحرب أن موسكو تخاطر بأن تصبح مجرد تابع لبكين وأن تدور فى فلكها.

وقالت الخبيرة الاقتصادية وخبيرة العقوبات أجات دوماريه إن روسيا ليست فى وضع يسمح لها بالتفاوض مع الصين التى ستأخذ ما تشاء من روسيا دون أن تعطى روسيا ما تريد مثل الأسلحة أو المكونات الإلكترونية المهمة؛ ومع ذلك قالت إيكمان يمكن للأيديولوجيا أن تتقدم على عدم التوازن الاقتصادى ولا يجب تحليل العلاقة من منظور عقلانى فقط؛ وقال رازو الكرملين يراهن على تنويع علاقاته الچيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية مع تركيا والشرق الأوسط وإيران وإفريقيا؛ للحد من اعتماده على الصين. كما أن ترسانة روسيا النووية الهائلة؛ وهى أكبر بكثير مما تملكه الصين تجنبها أيضا أن تصبح خاضعة تماما. 

ثالثا الدور الأوروبى؛ بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبى تمثل الحرب فى الوقت نفسه فرصة لأن يظهر قدرته على التحرك كجهة فاعلة رئيسة بالإضافة إلى خطر أن يؤدى دور تابع لواشنطن من جديد؛ وقال مسئول أوروبى رفيع المستوى طالبا عدم الكشف عن اسمه لم يكن أداء أوروبا سيئا جدا فقد أظهرت مرونتها وقدرتها على الاستجابة بسرعة كبيرة منذ بداية الحرب من خلال تقديم الدعم العسكرى ومساعدة اللاجئين وخفض اعتمادها فى مجال الطاقة على روسيا. وأضاف أن الاتحاد الأوروبى لبى الاحتياجات العاجلة. هل استعد للمستقبل ومكانته على الخريطة العالمية؟ مازال أمامه عمل يجب عليه القيام به.

 

وقالت الخبيرة الاقتصادية دوماريه إن من الواضح أن هناك كتلتين واحدة أمريكية وأخرى صينية مع حلفائها وروسيا فهل ستصبح أوروبا كتلة ثالثة أم لا أم ستتحالف مع الأمريكيين؟. وقال رازو إن القادة الأوروبيين من خلال اتحادهم مع واشنطن فى الوقت الحالى فى دعم كييڤ يريدون تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة لكنهم يدركون أنهم قد يجدون أنفسهم بمفردهم خلال ولاية رئاسية أو اثنتين، إذا وصل مرشح انعزالى إلى البيت الأبيض. هناك المزيد من دول الاتحاد الأوروبى الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) ترى ألا مستقبل خارج المظلة الأمنية للولايات المتحدة والناتو ومن ثم يبحث الاتحاد عن مزيد من المجالات لتقليل التبعيات الاستراتيجية أبعد من الوقود الأحفورى الروسى الذى استغنى عنه إلى حد كبير.

وأدرج إعلان فى قمة فى ڤرساى خارج باريس فى مارس 2022 مجالات مثل المواد الخام الرئيسة وأشباه الموصلات والمنتجات الغذائية كأولويات. وقال برونو تيرتريه من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية (FRS) ومقرها فرنسا إن الأوروبيين يعانون من المماطلة الاستراتيچية فهم يرفضون التحرك إلى أن يجدوا أنفسهم من دون خيار آخر. ومع ذلك سيتطلع الاتحاد الأوروبى إلى شق طريقه لشغل مقعد فى أى مفاوضات تنهى الحرب. وكما يقول المثل عليك أن تتغدى بهم قبل أن يتعشوا بك. وقال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لصحيفة لوموند لا أريد أن يكون الصينيون أو الأتراك فقط هم الذين يتفاوضون بشأن ما سيحدث لاحقا.

رابعا تطلع الولايات المتحدة لآسيا؛ أشار الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما فى عام 2009 إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستشكل القرن الـ21 متوقعا تحول انتباه واشنطن من العالم الأطلسى إلى المحيط الهادئ. يدل الهجوم الروسى على أوكرانيا على أن إهمال أوروبا قد لا يكون بتلك السهولة بالنسبة للرئيس الأمريكى چو بايدن نائب أوباما سابقا وقالت الباحثة فى جامعة واشنطن چيوفانا دى مايو إن على بايدن أن يوازن الأمور مشيرة إلى الدعوات المتزايدة لتسوية النزاع فى أقرب وقت ممكن من جانب السياسيين الأمريكيين فضلا عن تذمر الحزب الجمهورى بشأن تسليم بايدن أسلحة لأوكرانيا. وقال القائد الأمريكى فى اليابان چيمس بيرمان لصحيفة فاينانشيال تايمز إنه يمكن استخلاص الكثير من العبر من الحرب بشأن نزاع محتمل مع الصين حول تايوان. وقال بيرمان بعد العدوان الروسى فى عامى 2014 و2015 استعددنا بجدية لنزاع فى المستقبل: تدريب الأوكرانيين والتخزين المسبق للإمدادات وتحديد المواقع التى يمكننا من خلالها تقديم الدعم مضيفا نحن نسمى ذلك إعداد المسرح؛ ونقوم بإعداد المسرح فى اليابان وفى الفلبين وفى أماكن أخرى.

خامسا ضربة للعولمة؛ إضافة إلى إمداد كييڤ بالأسلحة سعى حلفاء أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى إلى خنق الاقتصاد الروسى بفرض عقوبات قاسية. وتظهر تأثيرات الإجراءات التجارية على نظام التجارة الحرة العالمى الذى كان السائد منذ نهاية الحرب الباردة على الرغم من أنه كان يعانى. وقال الرئيس التنفيذى لشركة توتال إنرچى Totalenergies باتريك بويان إن عقوبات مثل فرض مجموعة السبع والاتحاد الأوروبى سقفا على سعر برميل النفط الروسى المصدر أنهت السوق العالمية فيما يتعلق بالوقود الأحفورى وسأل ما الذى ستعنيه فكرة سعر عالمى للنفط بمجرد أن نقرر فرض سقوف بمجرد أن يتمكن المشتريان الرئيسان الصين والهند اللذان لا يطبقان العقوبات من الشراء من الروس بسعر مختلف؟ هذا شىء جديد وسنختبره فى هذا العام 2023. كما تعمل القوى الكبرى على التخلص من مبادئ التجارة الحرة التى كانت تعتز بها فى مجالات أخرى مثل القيود التى تفرضها الولايات المتحدة على مبيعات بعض رقائق الكمبيوتر إلى الصين أو تعليق الهند صادرات القمح. جاءت كل هذه التأثيرات المتعمدة لتضاف إلى الضربة التى وجهتها جائحة كوڤيد - 19 لسلاسل التوريد العالمية. وقالت دوماريه إن ميل العالم إلى الانقسام يعود إلى ما قبل الحرب؛ لكننا تلقينا صدمة مزدوجة تمثلت فى الجائحة ثم الحرب ما أدى إلى تسارعه.

سادسا أزمة غلاء المعيشة؛ كانت للحرب تداعيات على تكلفة الغذاء والتدفئة والمأوى وهى ثلاثة من أهم الاحتياجات الأساسية للبشرية فى الدول النامية فى إفريقيا وكذلك فى أوروبا الغنية وقال المنتدى الاقتصادى العالمى فى تقريره السنوى عن المخاطر العالمية لعام 2023 إن أزمة غلاء المعيشة العالمية حاصلة بالفعل مشيرا إلى أن الضغوط كانت متصاعدة حتى قبل الجائحة. وكتب الباحثان نعومى حسين وچيفرى هالوك فى دراسة لمؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية أن عام 2022 شهد موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف الأساسيات اللازمة للحياة اليومية وتوفيرها.

وأضافا أنه فى دول عديدة تصاعدت هذه الاحتجاجات إلى أزمات سياسية أكبر على المستوى الوطنى تخللتها أعمال عنف وسقوط ضحايا ومطالب بالتغيير السياسى. لقد عانت دول إفريقيا والشرق الأوسط بشكل خاص لأنها تستورد كميات هائلة من المواد الغذائية وكذلك الدول الفقيرة فى جميع أنحاء العالم.

سابعا أعطت الحرب للعالم نظرة عما ستكون عليه حروب المستقبل؛ يكثف الإستراتيجيون العسكريون من دراستهم لهذه الحرب التى تضمنت ألفين من الأقمار الصناعية ستارلينك التابعة لإيلون ماسك وحرب الخنادق القديمة؛ فيجادل مايكل كلارك الأستاذ الزائر فى قسم دراسات الحرب فى كينجز كوليدچ بلندن بأن هذه الحرب تقدم طعما لنوع الصراع الذى يجب أن نكون مستعدين لخوضه فى المستقبل.

ثامنا عزل الاقتصاد الروسى؛ أسهم ارتفاع أسعار الطاقة فى الأشهر التى أعقبت الحرب فى تمويل آلة بوتين الحربية رغم انخفاض الإيرادات بسبب الحد الأقصى لسعر البرميل البالغ 60 دولارا الذى فرضه الاتحاد الأوروبى ديسمبر الماضى على صادرات النفط الروسية كما انفصلت روسيا أيضا اقتصاديا عن الغرب لتنهى بذلك 3 عقود من التكامل الاقتصادى الذى أعقب انهيار الشيوعية.

تاسعا أنهت المحظور العسكرى فى ألمانيا؛ كشفت الحرب عن المدى المحرج الذى تعزز فيه نمو ألمانيا خلال السنوات الأخيرة نتيجة النفط والغاز الروسيين الرخيصين مما جعل البلاد تعتمد بشكل خطير على موسكو لكن ما هى إلا أيام بعد الحرب على أوكرانيا حتى أعلن المستشار الألمانى أولاف شولتز إصلاحات رئيسية لسياسة الدفاع والطاقة فى بلاده ومن أهمها قراره تخصيص 100 مليار يورو لتطوير الجيش الألمانى.

عاشرا جعلت رحلات الطيران أطول؛ اضطرت شركات الطيران البريطانية والأوروبية التى تسافر من آسيا وإليها إلى اتخاذ مسارات التفافية مكلفة لأنه لا يسمح لها بالتحليق فى المجال الجوى الروسى يقول الخبير فى الرحلات الجوية مايك أرنو إن التكاليف الإضافية لحرق الوقود هائلة كما أن الركاب دفعوا مقابل ذلك بأسعار أعلى.