الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
وداعا.. مفيد فوزى

وداعا.. مفيد فوزى

كان من دواعى سرورى أن أعمل فى نفس المؤسسة الصحفية التى شهدت بزوغ نجم الولد الشقى السعدنى الكبير رحمة الله عليه .. فقد كان المكان بمثابة البيت الذى ضم لا أقول زملاء أو أصدقاء السعدنى، ولكن أذكر أنهم كانوا الأسرة الأكبر التى يختار أفرادها الإنسان بكامل إرادته وباختياره  هو وحده وليس لمخلوق سواه دخل بالأمر، وجدت أمامى قومًا هم العماليق بحق  وحقيقى أعمامى مصطفى محمود وفتحى غانم وصلاح حافظ وفيليب جلاب وحسن فؤاد وجمال كامل وأحمد بهاء الدين ولويس جريس ومفيد فوزى ورءوف توفيق.



 

 وقد تنتهى صفحات روزاليوسف قبل أن أنتهى من ذكر نصف هذا الزمن الرائع، ولكننى وعندما أصبحت صحفيا فى بواكير الثمانينيات كان أستاذى ورئيس التحرير هو لويس جريس وكان صاحب الفضل الأكبر على شخصى الضعيف عندما سألنى: بالك  يا أستاذ أنت عاوز تبقى صاحب عمود وكاتب كبير من أولها ولا عاوز تتعلم؟! فأجبته على الفور عاوز أتعلم يا أستاذ لويس.. فقال: كده بقى يبقى تعالى ورايا.. وسبقنى إلى حيث فرقة السكرتارية  وهناك كان زملاء أفاضل عملت إلى جانبهم لسنوات طويلة على رأسهم فوزى الهوارى ورشاد كامل ومحمد بغدادى وكاميليا ومديحة رحمها الله .. فى هذه الغرفة كنا نقرأ عدة مئات من الموضوعات والمقالات والتحقيقات .

ومن خلال هذه المهنة وجدت هناك دروسا فى عالم الصحافة لن تجدها بين دفتى كتاب ولا فى  المحاضرات الجامعية ولا فى أى علم من العلوم.. فقد كانت الفوارق جلية ظاهرة يستطيع أى إنسان أن يتبينها .. كانت مقالات مفيد فوزى هى النموذج المثالى على القول الشهير .. ما قل ودل .. فهو يعرف هدفه تماما وبكلمات لابد أن يكون الجرس الموسيقى صاحبها وقائدها.. فتدخل على الأذن تحدث ذلك الأثر الذى يحدثه النغم الجميل والصوت الندى فهو إذا مدح بلغ أعظم القمم وآه لو أراد أن يقدح فى أحدهم .. أذكر ذات يوم أننى قرأت فى بابه الأشهر (سماعى ) فقرة تخص أحد الزملاء الكبار .. فكتب الأستاذ مفيد اسم الزميل إياه .. ثم أعقبه بثلاث نقاط هكذا .. فلان الفلانى.. !!

 وبالطبع لم أصمت فاتصلت بصديقى فلان وقلت له الأستاذ سب لك الأخضرين وللوالد والجد وسلسال الأسرة بأكملها .   وأقسم صديقى أنه قادم لينتقم انتقام الكونت دى  كريستو .. وبالفعل جاء وقال .. فين المجلة .. وعندما أمسك بها قرأ .. وبعد أن انتهى منها قذفها فى وجهى وهو يقول .. يخرب عقلك رفعتلى ضغط دمى .. ويسألنى .. فين الشتيمة .. فقلت له .. كل قارئ لمجلة صباح الخير سوف يقوم بعملية ملء  الثلاث نقاط بما يحلو له من شتيمة وهنا ضحك صديقى وقال .. عندك حق .. وأصبح حديث المدينة بأكملها بفضل الثلاث نقاط ..

وكانت علاقتى بمفيد أستاذى الكبير تماما مثل اليويو حبة فوق وحبة تحت أحيانا بسبب عنادى الذى لا يلين وأحيانا بفضل تدخل أبناء ( الحلال) ونقل أحيانا ما أقول وأغلب الأحيان ما لم أتفوه به على الإطلاق.. وفى أحيان أخرى  كان الأستاذ مفيد يغضب بشدة لأن أستاذنا لويس جريس قرر أن يعهد إلى شخصى الضعيف مهمة مراجعة كل ما يكتبه الأستاذ مفيد .. وفى حال غياب لويس جريس كنت أنا من أقرر النشر من عدمه.. ذلك لأن الأستاذ ذات يوم  كتب عن إحدى الممالك .. كلاما لو وجد طريقه إلى النشر كان يمكن أن يؤدى إلى مشاكل لا حصر لها وهذا الأمر أغضب الأستاذ مفيد وإن كان هو نفسه سبب سعادة لا حدود لها . 

 فقد أحسست بنفس ذلك الشعور مع – فارق المقامات – الذى شعر به الكبار فكرى أباظة وهو يناطح  سعد زغلول ونسى بعد ذلك بأنه شغب مشروع كى يستطيع الصغير أن يتلقى بعضا من ضوء الكبار.

وعندما جاء الأستاذ إلى منصب رئاسة تحرير صباح الخير أشهد أنها كانت أفضل عصورها بالنسبة إلى (جيلى) طبعا .. فقد استطاع الأستاذ مفيد أن ينفض أبواب المجلة نفضا وأن يحدث تطورا إيجابيا فى المادة المنشورة وأن يشاغب الكبار وأن يجعل من صباح الخير صوتا  عاليا مسموعا وسط بقية الإصدارات الصحفية .

ولم يكن الحال بيننا فى هذه الأيام على ما يرام .. فقد حدث جفاء لا أستطيع أن أجد مصدره ولذلك طلبت إجازة بدون مرتب لمدة سنة كاملة اتجهت خلالها إلى لندن حيث درست الصحافة كورس دراسات عليا وهناك اكتشفت أننى تعلمت أشياء فى أمور لا حصر لها .. ولكن الصحافة على وجه التحديد كانت صباح الخير هى الجامعة الأخطر فى كل الدنيا وعليه قطعت الإجازة وعدت إلى صباح الخير .. حتى جاء يوم واكتشف الأستاذ وجود قرارات من فوق باستبعاده هو والأستاذ  صلاح منتصر من رئاسة تحرير  صباح الخير ومجلة أكتوبر .. وقد كان أسباب سعادتى أن مفيد فوزى سوف يعود إلى التفرغ لكتابة سماعى والإبحار فى شخوص عظيمة كانت ومازالت باقية فى ذلك الزمن  الجميل.

وبالفعل انطلق مفيد فوزى متألقا فى الفضائيات العربية متفردا وحده  وسط كل مقدمى البرامج  التليفزيونية كمحاور ليس له نظير .. وفوق ذلك كان الأستاذ صاحب نبرات صوت تسمعها  فتجد أنها اكتسبت شيئا من الطرب.. ربما لاقترابه الشديد من العندليب الأسمر حليم . 

 وقد وقعت بين يدى عدة مئات من الخطابات من حليم إلى وزارة الداخلية وإلى الاستعلامات وإلى  الإرشاد القومى فيها أسماء يتكرر بعضها. 

 ولكن أصحاب المواهب لا يتبدلون .. كانت إيناس  جوهر ومفيد فوزى هما الثوابت والكل بعد ذلك يتغير ويتبدل.. كان حليم بالتأكيد يعلم أهمية مفيد فوزى كصحفى أعطى اهتمامه ووقته للفن وأهله وعاش بين الكواليس عالما بما يجرى فيها لا يبوح بأسرارها .

وإن كان البوح ذات مرة قد جلب عليه غضب السندريلا .. فقد التقى الأستاذ ذات رحلة إلى باريس مصادفة على أبواب المترو بفنانة العرب الأجمل سعاد حسنى .. وكانت قد تعافت من عملية جراحة خطيرة فى  العمود الفقرى ومن شدة فرحها باللقاء كانت المصادفة المدهشة .. هى من رتبته وجدت سعاد نفسها تبوح بأسرارها  مع العندليب ومن شدة سعادة الأستاذ مفيد بالأمر لم يستمع إلى رجاء من سعاد بعدم النشر .. وعندما نشرت عتاب سعاد على الأستاذ لم يغضب من سعاد ولا من شخصى الضعيف.

ولكنه انتصر لقصة حب غير اعتيادية كانت بطلها هو الأسطورة التى ظل مفيد فوزى وفيا لها حتى بعد الغياب الطويل أسطورة عبدالحليم حافظ .. ومن حسن حظى أن الأستاذ الكبير وأنا.. كنا وسوف أظل .. أعيش معه على ضفاف حنجرة عبدالحليم حافظ .  رحم الله الأستاذ الذى تعلمنا منه أشياء بعضها بقصد منه وبعضها بسعى منا 

نسأل الله له الرحمة والمغفرة ..