الجمعة 1 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد فتح الباب للانضمام ماذا ينتظر أوروبا بعد قبول أوكرانيا «عضو محتمل»؟

فى أسرع قرار بقبول طلب الانضمام للتكتل، رحبت المفوضية الأوروبية بطلب أوكرانيا، بعد ثلاثة أشهر ونصف من بدء العملية العسكرية الروسية فى البلاد، فى وقت حرج تمر به القارة العجوز وسط تصاعد الأزمات الاقتصادية والسياسية وتخبط القادة الأوروبيين أمام تصاعد العمليات العسكرية الروسية فى الشرق الأوروبى.



وعلى الرغم من ترقب أوكرانيا قرار المفوضية الأوروبية حول منحها وضع الدولة المرشحة للانضمام، سعيًا لتأمين حماية لها بدخولها التكتل، فيما تواجه هذه الفكرة انقسامات داخل الاتحاد بصورة كبيرة، الأمر الذى ينظر أن هذه الخطوة مجرد فقاعة هواء فى وجه التوغل الروسى داخل الأراضى الأوكرانية.

 كما أن دول الاتحاد نفسه تواجه انقسامات عديدة بهذا الشأن مرجحين أن دخول أوكرانيا لن يفيد الاتحاد بل ربما يؤدى إلى تفتته من الأساس، وهو ما تسعى إليه بعض جماعات اليمين المتطرف فى أوروبا بعد خروج بريطانيا تحديدًا.. أزمات عديدة تشوب هذه الخطوة.. والمرجح أن لا تكون فى الوقت القريب، فرغم المساهمات الأوروبية لأوكرانيا، إلا أن أمر دخولها الاتحاد ما زال محملًا بالعديد من المخاطر.

أهداف القبول

بعد ثلاثة أشهر ونصف، وإثر فحص مبدئى لآلاف الصفحات من الوثائق المقدمة، أعطى الاتحاد الضوء الأخضر لأوكرانيا ومولدوفا اللتين يعتبرهما مؤهلتين، وقد أوصت المفوضية بأن يمنح مجلس الدول الأعضاء فى الاتحاد، البالغ عددها 27 دولة، «وضع المرشح» لأوكرانيا ومولدوفا. وهكذا يمكن للمجلس أن يتخذ هذه الخطوة المهمة بقرار يتطلب الإجماع فى القمة المقبلة فى نهاية يونيو الجارى.

ويبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه، فخلال زيارتهم، الخميس 16 يونيو، إلى كييف، أبدى كل من المستشار الألمانى أولاف شولتس والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى موافقتهم، وهم الذين يمثلون أكبر ثلاث دول أعضاء فى الاتحاد.

أوكرانيا متقدمة بالفعل، كما أكدت أورزولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية. وذكرت أن أوكرانيا أظهرت بوضوح أنها تحترم القيم الأوروبية وتريد أن ترقى إلى مستوى المعايير المطبقة فى الاتحاد. وقالت فون دير لاين إن الحرب تظهر أن «الناس على استعداد للموت من أجل القيم الأوروبية»، لذلك فإن «أوكرانيا تستحق وضع المرشح.. وعملية الانضمام تتقدم وفق مبدأ الاستحقاق.. وأوكرانيا تستطيع بنفسها الآن صنع مستقبلها».

تسريع عملية القبول

فى الماضى كانت الدول التى تطمح لدخول الاتحاد لا تصبح مرشحة إلا بعد مرور سنوات. وكان الاتحاد الأوروبى يطلب فى السابق سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية من المتقدمين. ولكن هذه المرة كل شىء يتحرك بسرعة الضوء على الصعيد السياسى، لأن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا قد غيرت الوضع الجيوسياسى بشكل واسع النطاق. فأوكرانيا ومولدوفا تتعرضان إما للهجوم أو للتهديد من قبل روسيا، وبالتالى تسعيان للحصول على الحماية بانضمامهما إلى الاتحاد الأوروبى. وعلى الرغم من أن جورجيا تعانى بدورها من التدخلات الروسية، لكنها لا تفى حاليًا بالمعايير الأساسية لوضع المرشح، كوجود الديمقراطية الراسخة، وفقًا للمفوضية الأوروبية. ولكن جورجيا لديها مستقبل أوروبى بمجرد تحقيق الإصلاحات السياسية، و«الباب مفتوح لانضمامها»، كما صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية.

وتتفق رئيسة مولدوفا، مايا ساندو، مع هذا الرأى. فقد صرحت مؤخرًا، عند تقديمها طلب بلادها للحصول على العضوية: «فى ظل الوضع الراهن الصعب تمامًا، يجب أن نتحرك بسرعة وبشكل واضح لضمان مستقبل أوروبى وحرية وديمقراطية لمواطنينا».

عرقلة الخطوات

ومع ذلك فإن الحصول على وضع المرشح بشكل سريع، لا يعنى الانضمام الفورى، كما طالب الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بعد وقت قصير من اجتياح روسيا الأراضى الأوكرانية، حيث إن المادة 49 من معاهدات الاتحاد الأوروبى المسار بوضوح أنه يجب أن تكون هناك أولاً مرحلة تفاوض، ثم معاهدة انضمام، بعدها موافقة جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 على هذه المعاهدة، وهو أمر ليس سهلًا، ثم يأتى التصديق على المعاهدة لاحقًا فى برلمانات هذه الدول. وقد تستغرق هذه العملية سنوات. لأن على الدولة مقدمة الطلب أن تستوفى عددًا من المعايير بخصوص نظامها السياسى وسيادة القانون والقدرة على تطبيق مجموعة واسعة من قوانين الاتحاد الأوروبى.

ويختلف الأمر من دولة لأخرى، فقد كانت فنلندا هى الأسرع فى اجتياز عملية الانضمام، خلال ثلاث سنوات فقط. فيما تتفاوض تركيا مثلًا منذ عام 2005 حتى الآن دون أى نتيجة ملموسة، لأنه لا يمكن إغلاق أى فصل تفاوضى بسبب بعض العمليات والاتجاهات السياسية فى البلاد.

وقد أشار الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قبل أسابيع إلى أن المفاوضات مع أوكرانيا، التى تعانى الآن من أزمة اقتصادية هائلة ومن عواقب العملية العسكرية الروسية، قد تستمر لسنوات أو حتى لعقود. وكوضعية مؤقتة، اقترح ماكرون نوعًا من الشراكة السياسية التفضيلية مع كييف. الدبلوماسيون الألمان فى الاتحاد الأوروبى ليسوا من مؤيدى عملية الانضمام السريع أيضًا، لأن الاتحاد الأوروبى يجب أن يكون «مستعدًا» لذلك، وأن يكيف مؤسساته وآليات صنع القرار فيه مع عدد متزايد من الأعضاء.

كما تعارض النمسا، انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى، إذ عبّر وزير خارجية النمسا ألكسندر شالنبرج، فى وقتٍ سابق، عن «اعتقاده بعدم ضرورة عرض عضوية الاتحاد الأوروبى على أوكرانيا»، مشددًا على أنه «لا يجوز أن تحصل أوكرانيا على وضع مرشح كما يتوقع رئيسها فلاديمير زيلينسكى.. هناك دول فى غرب البلقان قطعت شوطاً أطول بكثير للوصول إلى وضعها كمرشح».، كذلك الأمر لهولندا والدنمارك يبدى شكوكهما خشية أن أوكرانيا «غير جاهزة لمثل هذه الخطوة».

وفى تصريحات للوزير الفرنسى المنتدب للشؤون الأوروبية كليمان بون، مايو الماضى، أوضح خلالها أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى «سيستغرق على الأرجح 15 أو 20 عامًا»، مقترحًا أن تنخرط كييف خلال هذه الفترة فى المنظمة السياسية الأوروبية التى اقترح الرئيس إيمانويل ماكرون إنشاءها.

انقسامات أوروبية

تظهر التجربة أن عملية الانضمام، التى يمكن أن تبدأ بالنسبة لأوكرانيا ومولدوفا، هى عملية مرنة. حيث إن الاتحاد الأوروبى مرن من حيث معايير قبول الطلب، بحسب الدولة مقدمة الطلب، ولكن المشاكل تظهر لاحقًا، خلال عملية التفاوض، نظرًا لأنه تجب موافقة جميع الدول الأعضاء على كل خطوة تفاوضية. ورغم ذلك لا يريد الاتحاد الأوروبى تكرار أخطاء الماضى، حيث إنه فى عام 2004 تم قبول جزيرة قبرص الواقعة على البحر المتوسط ​، على الرغم من احتلال تركيا بشكل مخالف للقانون الدولى الجزء الشمالى من الجزيرة. وفشلت عملية إعادة التوحيد بسبب رفض القبارصة اليونانيين فى الجنوب. وتم جلب هذا الصراع إلى الاتحاد الأوروبى، ولم يتم حله حتى يومنا هذا.

ونظرًا لأن كلًا من أوكرانيا ومولدوفا لديهما صراعات إقليمية مع روسيا أو مع الانفصاليين المدعومين من روسيا، فإن الانضمام الفعلى لا يزال بعيد المنال. فوفقًا للقواعد الحالية يجب أولًا تسوية هذه النزاعات حول منطقة دونباس وشبه جزيرة القرم (بالنسبة لأوكرانيا)، وكذلك منطقة ترانسنيستريا (بالنسبة لمولدوفا).

كما درس مسئولو الاتحاد الأوروبى بعناية موضوع التحديات المالية. فانضمام أوكرانيا، التى تعتبر فقيرة مقارنة بالاتحاد الأوروبى اليوم، من شأنه أن يحول الدعم إلى الشرق مع عواقب بعيدة المدى على المتلقين اليوم فى دول وسط أوروبا.

مخاطر التفكك تهدد الاتحاد

وعن التداعيات والمخاطر التى قد تصيب أوروبا جراء منح أوكرانيا العضوية الكاملة فى الاتحاد الأوروبى وما سيخلقه ذلك من مشاكل للتكتل قد تؤدى إلى القضاء عليه، رصدت وكالة «بلومبيرج» الإخبارية فى تقرير نشر بداية الشهر الجارى، عن أن مبدأ انضمام أوكرانيا إلى التكتل الأوروبى قد يخلق العديد من الأزمات الجديدة للاتحاد لدرجة أنها قد تقضى عليه أو حتى يتفكك، مشيرةً إلى أنّ «التحذير نفسه ينطبق على قبول مولدوفا أو جورجيا، وحتى ألبانيا ومقدونيا الشمالية ودول البلقان الأخرى الموجودة بالفعل فى قائمة الانتظار».

وأضافت «بلومبيرج»  أنه «قد يكون تسريع عضويتها فكرة سيئة لأنّ اقتصادات هذه البلدان وأجهزتها القضائية والمؤسسات الأخرى ليست جاهزة»، لافتة إلى أنّ ذلك سيكون أيضًا خطوة «متهورة» لأنّ الاتحاد الأوروبى لم يحلّ أبدًا توترًا جوهريًا بين ما يسميه الأوروقراطيون «التوسيع» و«التعميق»، أى قبول أعضاء جدد مقابل دمج الأعضاء الحاليين.

ويرى خبراء الوكالة أنّ الانضمام «يستغرق سنوات أو عقودًا، يجب خلالها على الدول المتقدمة بطلبات الانضمام اعتماد جميع قوانين الاتحاد، ولكن بمجرد دخولها، لن تتمكن بروكسل من استبعادها».

ومن جهته، قال نائب وزير الخارجية الروسى، ألكسندر غروشكو، إن روسيا لا تعارض دخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى، وقد صرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن دخول أوكرانيا ضمن دول اتحاد أوروبا أمر متروك لها ولا يوجد لدى موسكو اعتراض فهو اتحاد تجارى وسياسى ولا يتعارض مع مصالح روسيا عكس الانضمام إلى حلف الناتو، إلا أن وزير الخارجية الروسى قد أوضح فى تصريحات سابقة أن «موسكو ترى أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى سيؤدى إلى تفكك هذا التكتل بصورة أكيدة».