الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأدوار الاستثنائية لـ«فاطمة اليوسف»: هذا ما فعلته بنا الست «روزا»!

بحسبة بسيطة يمكنك تقييم تأثير أى إنسان بافتراض ما يحدث إذا لم يكن موجودًا.. وفى حالة السيدة فاطمة اليوسف فقد أضاف وجودها الكثير للحياة فى كل المجالات التى دخلتها وأثرت فيها خلال القرن العشرين.



بشكل شخصى.. أنظر للست روزا على أنها ملهمة كبيرة وصانعة مجد صعب أن يُمحى أثره.. والدليل على ذلك أننى دخلت مجلتها بعد قرابة 94 عامًا من تأسيسها.. والمفارقة أن أول دور مثلته روزا وهى فى سن المراهقة كان دور جدة فى مسرحية «عواطف الأبناء».

عرفت حكاياتها من الكتب وأسطوات المهنة.. وعرفت مواقفها من التاريخ.. بكل ذلك وأكثر هى حاضرة فى قلب وعقل كل من كتب على صفحاتها.

لا يمكن الحديث عن يوم للمرأة من دون ذكر مشوار الست فاطمة اليوسف، ليس لأنها امرأة حققت مجدًا وتأثيرًا وسط اضطرابات القرن العشرين فقط أو لأنها أول سيدة تترأس مطبوعة صحفية تحمل اسمها فقط، فكل ما نراه استثنائيًا كانت أشياء طبيعية فى مسيرتها الطويلة.. الأهم أنها فتحت بابًا مهمًا لمناقشة قضايا المرأة بشكل أكثر جرأة.. وتحدت الجميع لتفعل ذلك، إذ قامت المجلة بمساعدة المرأة المصرية فى التحرر وأخذ حقوقها المسلوبة، ونشرت أخبار المرأة ونشاطها، واهتمت بأعمال هدى شعراوى.

وكتبت «روزا» عن اليوم الذى طلبت فيه من عباس العقاد أن يكتب فى المجلة، وقال لها: «لن أكتب فى مجلة باسم امرأة». لكنه فى النهاية أصبح من كُتاب «روزاليوسف».. هذا التحول الذى فعلته الست روزا لم يكن مجرد بحث عن مجد شخصى.. كانت تسعى لتحقيق الصالح العالم من وجهة نظرها فتحقق مجدها بشكل تلقائى.

 دروس فى الوطنية

بالرجوع قليلًا قبل تأسيس المجلة.. كانت روزا بطلة فرقة «رمسيس» وحققت مع الفرقة نجاحات كثيرة حتى بدأ التدهور يصيب الفرقة فقررت أن تعتزل المسرح قائلة: «إن الفنان يجب أن يترك المسرح قبل أن يتركه المسرح».

 سافرت «روزا» إلى باريس إذ بقيت معتزلة لمدة 9 سنوات.. لكن عودتها إلى المسرح مرة أخرى كانت درسًا فى الوطنية.. حيث احترقت قرية «محلة زياد» فقررت مع رفاقها القدامى أن تقدم مسرحية «غادة الكاميليا» لليلتين تبرعاً من أجل إعادة بناء القرية. وبأدائها لدور غادة الكاميليا؛ أطلق عليها الجمهور والصحافة لقب «سارة برنار الشرق».

حادث حريق القرية أيقظ أشياء كثيرة فى قلب وعقل فاطمة اليوسف، إذ نشأ بداخلها ألا تقتصر إعادة الإعمار على القرية فقط، بل تمتد إلى الواقع والوجدان المصرى ككل.. ومن هنا أعلنت أنها مستعدة لبيع كل ما عندها من أجل تدبير مبلغ 12 جنيهًًا تكلفة إصدار المجلة.

 كان عدد الصحف والمجلات فى مصر وقتها هائلًا، والمنافسة شديدة، وقبل صدور العدد الأول قامت بحملة دعاية ضخمة للمجلة، وجمعت عددًا من الاشتراكات، واستطاعت أن تستكتب شخصيات مهمة فى العدد الأول، ومنهم الكاتب الشهير إبراهيم المازنى والشاعر الشاب أحمد رامى، واستقطبت الصحفى الشاب محمد التابعى من جريدة الأهرام. حتى صدر العدد الأول فى أكتوبر 1925، وكتبت «روزا» أن مجلتها تحوى الشعر والقصة ونقد المسرح وقسمًا للمرأة وقسمًا للأدب.

خاضت «روز اليوسف» الكثير من المعارك بمفردها حيث اتجهت فى البداية لتأييد حزب الوفد، لكنها سرعان ما وجدت نفسها تخوض أعنف المعارك ضد ورثة سعد زغلول فى ذلك الحزب، لا سيما منهم مصطفى النحاس ومكرم عبيد. وهنا بدأت معركة الوفد ضد روزاليوسف.. 

فى هذه اللحظة وقف إلى جانبها عباس محمود العقاد، الذى آمن بقوتها كامرأة وبدأ يكتب الكثير من المقالات ضد الوفد وحكومته. ردَا على ذلك جمع الوفد أنصاره وهاجم مبنى المجلة حيث راح المتظاهرون يقذفون المبنى بالحجارة، وهنا واجهت فاطمة اليوسف جمهور الوفد الغاضب شارحة وجهة نظرها فى أسلوب ممارسة مصطفى النحاس للحكم.

صارت مجلة «روزاليوسف» مدرسة فى الوطنية وكتب فيها معظم الصحفيين الكبار، وبقيت السيدة تشاكس مدافعة عن حقوق المرأة فى وقت كانت فيه الأصوات منفردة فى معاركها، وتتحمل تبعاتها.

 هذا ما فعلته بنا

فى برنامج إذاعى عام 1957 قدم الكاتب إحسان عبد القدوس الست «روزا» بشكل مختلف، حيث اختار كلمات تلائم وجدها الاستثنائى فى حياتنا الاجتماعية والسياسية.. وتليق بكونها «ملهمة».. قال: «أقدم لكم السيدة فاطمة اليوسف التى عرفتموها دائمًا باسم روزاليوسف، أقدمها لكم وقد ملأت أسماعكم على مدى ثلاثين عامًا، أقدمها لكم وقد أعجبتم بها كفنانة اعتلت خشبة المسرح، وصعدت سلمه فى خطى ثابتة، حتى أصبحت كبيرة فنانات الشرق فى العصر الذهبى للمسرح. 

أقدمها لكم وقد أعجبتم بها كصحافية أخرجت للعالم العربى جريدة باسمها كانت نواة النهضة الصحافية العربية وما زالت حتى اليوم، مدرسة يتخرج منها كل كاتب وصحافى ناجح، وأقدمها لكم كسياسية، درست السياسة العربية وجاهدت وقاست مع كل وطنى حرّ يعمل على رفعة شأن بلاده».

الآن نحن لا نقدم فاطمة اليوسف كامرأة صاحبة تأثير.. وهذه السطور ليست مجرد احتفاء بـ«ملهمة» فى يوم المرأة.. 

ببساطة نقول: هذا ما فعلته بنا الست «روزا».