السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رحلة القارة العجوز للبحث عن حل لأزمة الطاقة كل الطرق تؤدى بأوروبا إلى غاز المتوسط

على مدار الأشهر الماضية يواجه العالم العديد من الأزمات، فحتى قبل اشتداد الصراع بين روسيا ودول الغرب فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية كان العالم يواجه أزمة اقتصادية أخرى من تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا، وكان قطاع الطاقة وخاصة الغاز من أهم أسباب نشوب هذه الأزمة التى ضربت أوروبا على مدار أشهر حتى جاءت الأزمة الأوكرانية والصراع الروسى لتضع القارة العجوز فى مأزق قوى لا يمكن التنبؤ بمدى تأثيره وخطورته سواء على القطاعات الاقتصادية أو الشعوب الغربية، خاصة وأن دول الاتحاد الأوروبى تستورد من روسيا ما يقرب من 35% من احتياجاتها للغاز، ومع شدة الاحتدام فى أوكرانيا واستخدام روسيا سلاح الغاز للتصدى لعقوبات أوروبا وحلفائها تتجه الأنظار إلى غاز شرق المتوسط وبرز اسم مصر ضمن الحلول والبدائل الأوروبية المناسبة لتنويع بدائل إمدادات الغاز الروسى حال نقص الإمدادات أو توقفها، فى ظل الارتفاع المستمر لأسعار الغاز الطبيعى عالميا.



الأزمة والحلول

وضعت تحركات القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، والتحذيرات المتكررة من الولايات المتحدة بشأن غزو روسى وشيك لكييف، دول أوروبا فى حالة تأهب واستنفار من نقص إمدادات أو توقف الغاز الروسى للقارة العجوز.

ومع زيادة توتر الأوضاع فى المنطقة وفرض الدول الأوروبية وحلفائها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا واليابان وغيرها بعقوبات على الدولة الروسية، اتجهت الدول الغربية للبحث عن حلول للغاز الروسى الذى يعتبر سلاح موسكو الفعال لرضوخ الغرب لمطالبها، حيث تستورد أوروبا كميات هائلة من الغاز الطبيعى، تتجاوز 560 مليار متر مكعب سنويًا، ثلثها تقريبا يأتى من روسيا.

ووفق خبراء ومحللين فى مجال الطاقة أوضحوا أن أزمة نقص إمدادات الطاقة لأوروبا «فرصة لوضع مصر على خريطة الطاقة الأوروبية»، وتأمين جانب من إمدادات الغاز الروسى للقارة العجوز.

ونبه الخبراء فى الوقت ذاته إلى إمكانية زيادة حصيلة تصدير الغاز الطبيعى المصرى إلى أوروبا على المدى المتوسط، فى ظل الدور الذى تلعبه القاهرة ضمن «منتدى غاز شرق المتوسط»، علاوة على الاستفادة من خطوط الأنابيب المزمع تدشينها لاحقا بين مصر من جهة، واليونان وقبرص من جهة ثانية، لزيادة الكميات المصدرة لأوروبا.

لكن هؤلاء الخبراء أشاروا إلى أن «كميات الغاز المسال المصدرة من محطتى دمياط وإدكو من الصعب زيادتها حاليا»، خاصة بعد اتفاق القاهرة مؤخرا، على تحويل كميات من الغاز إلى لبنان عبر «خط الغاز العربى» الذى يمتد من الأردن إلى سوريا ثم لبنان.

مصر وسوق الطاقة العالمية

منذ أيام وخلال منتدى الدول المصدرة للغاز الذى عقد فى العاصمة القطرية، أوضحت الدول الأعضاء ضرورة العمل على تجنب الأزمة الراهنة من نقص إمدادات الغاز لأوروبا على أن غالبية هذه الدول تؤكد وصولها إلى طاقتها الإنتاجية القصوى ويمكنها فقط تزويد أوروبا بالغاز على المدى القصير.

ويضم منتدى الدول المصدرة للغاز الدول الأعضاء الـ11 التى تملك أكثر من 70 % من احتياطيات الغاز فى العالم، بما فى ذلك روسيا ومصر قطر والجزائر ونيجيريا، بالإضافة إلى سبع دول مراقبة وثلاث دول بصفة ضيف.

ووجه المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية كلمة بالإنابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام القمة السادسة لرؤساء الدول الأعضاء بمنتدى الدول المصدرة للغاز والتى عقدت تحت شعار «الغاز الطبيعى.. رسم مستقبل الطاقة»، حيث أكد الرئيس السيسى، أن مصر استطاعت تحقيق نمو اقتصادى إيجابى خلال العام المالى 2019/2020 بشكل لافت فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رغم تداعيات أزمة كورونا العالمية التى كانت اختبارا قويا أثبت لنا أننا نمضى فى الطريق الصحيح نتيجة الإصلاحات التى شهدتها مصر فى مختلف المجالات مما قوض من تأثير تداعياتها السلبية.

وأشار الرئيس المصرى إلى أنه خلال السنوات السبع الماضية تمكنا من تسريع وتيرة إنجاز مشروعات تنمية وإنتاج الغاز الطبيعى خاصة حقول الغاز الكبرى بالبحر المتوسط ووضعها على خريطة الإنتاج، بالإضافة إلى العمل وفق منهج علمى يستهدف تأمين إمدادات الطاقة المستدامة، وتحقيق الاستدامة المالية وتحسين نظم إدارة القطاع، مما مكنا من تحقيق العديد من قصص النجاح خلال العامين الماضيين بالرغم من جائحة كورونا.

من جهة أخرى، أصدر مجلس الوزراء بيانًا توضيحيًا يعكس طموحات تحويل مصر إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز، والمساهمة فى تأمين احتياجات الأسواق العالمية، لاسيما مع تنامى الطلب فى الأسواق الأوروبية على الغاز المسال، وذلك بعد نجاح مصر فى تحقيق الاكتفاء الذاتى منه، بالإضافة إلى دخول الدولة المصرية ضمن قائمة أكبر موردى الغاز المسال للأسواق الكبرى المستهلكة للغاز.

وأوضح تقرير مجلس الوزراء أن مصر تملك بنية تحتية قوية تتمثل فى شبكات ومصانع إسالة وموانئ تؤهلها للقيام بهذا الدور الهام، فضلًا عن إطلاقها استراتيجية قومية تقوم على جذب الاستثمارات الأجنبية فى مجال البحث والاستكشاف عن البترول والغاز، وتكثيف طرح المزايدات العالمية وتوقيع الاتفاقيات، بالإضافة إلى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، والذى يمثل نقطة محورية وفاصلة فى جهود مصر؛ لتعزيز قدراتها الإنتاجية والتصديرية، لتصبح بذلك لاعبًا أساسيًا فى سوق الغاز العالمى.

وكشف التقرير عن أن مصر احتلت المركز الـ14 عالميًا و5 إقليميًا و2 إفريقيًا فى إنتاج الغاز عام 2020، بحجم إنتاج سنوى بلغ 58.5 مليار م3، وذلك وفقًا لـ (بريتش بيتروليم) «شركة بريطانية تُعتبر ثالت أكبر شركة نفط خاصَّة فى العالم».

وأضاف تقرير المجلس، أن القاهرة حافظت على مستويات إنتاجها وتصديرها للغاز الطبيعى بالرغم من أزمة كورونا وتداعيتها، ففى عام 2020 - 2021 وصل حجم الإنتاج لـ 66.2 مليار م3، والاستهلاك إلى 62.9 مليار م3، والفائض إلى 3.3 مليار م3، فيما سجل الإنتاج 63.2 مليار م3 فى عام 2019 - 2020، والاستهلاك 59.6 مليار م3، والفائض 3.5 مليار م3.

وأشار إلى أن مصر نجحت فى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى سبتمبر 2018، ومن ثم عادت إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعى والمسال، حيث سجلت عام 2018 - 2019 إنتاجًا بحجم 66.1 مليار م3، والاستهلاك 61.8 مليار م3، والفائض 4.3 مليار م3.

مصر على الخريطة الأوروبية

ووفق الأزمة التى تواجهها أوروبا، يرى أستاذ الاقتصاد فى جامعة باريس، دانيال ملحم، إن مصر تمتلك الإمكانات اللازمة لتصبح أحد البدائل بالنسبة للطاقة فى أوروبا، فى ضوء الدور المهم والحيوى الذى تلعبه بـ«منتدى غاز شرق المتوسط».

موضحًا أنه على المدى المتوسط يمكن لمصر أن تلعب دورا هاما لا تستطيع دولة أخرى فى المنطقة القيام به، بأن تحجز موقعها على طاولة خريطة الطاقة الأوروبية فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، لليونان ومنها لأوروبا.

لكن على المدى القصير، يقول ملحم إن إتاحة الغاز بالكميات المطلوبة وتطويره حتى يصبح سائل وبناء المحطات والشبكات الكهربائية لإيطاليا واليونان ستستغرق وقتا.

ويوضح الخبير الاقتصادى، فى تصريحات صحفية، أن «مصر تتطلع لأبعد من تصدير الغاز المسال لأوروبا إلى إنتاج الكهرباء وتصديرها بالشكل الذى سيسهم بشكل كبير فى حل الأزمة، وتنويع مصادر إمدادات الطاقة للقارة العجوز».

من جهة أخرى، أوضح المهندس تامر أبوبكر، رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات المصرية، أن مصر تقوم حاليا بتصدير الغاز لأوروبا فى حدود الطاقة القصوى الحالية لوحدات الإسالة بإدكو ودمياط، وحتى لا يكون على حساب الاستهلاك المحلى، واستخدامات الدولة.

وبحسب ما ذكرته مؤسسة «ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس» العالمية فى تقرير لها، وصلت أول شحنة من الغاز الطبيعى لأوروبا من مصنع دمياط لإسالة الغاز إلى محطة زيبروج البلجيكية فى 21 مارس الماضى، بعد توقف 8 سنوات بسبب مشكلات حول تشغيل المصنع.

وبموازاة عملية نقل الغاز المصرى لأوروبا بعد إسالته، يلمح رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات، إلى أن هناك اتجاها لبناء خطوط أنابيب الغاز مع اليونان وقبرص، وهو ما يسمح بتعظيم الاستفادة من الغاز المصرى.

وفى هذا الصدد، يتطلع الأوروبيون لـ«منتدى غاز شرق المتوسط» الذى تلعب فيه القاهرة دورًا محوريًا، خصوصا مع تبنّيها مشاريع ضخمة بإسالة وتصدير مخزونها الهائل من الغاز المكتشف حديثا.

غاز المتوسط.. وخطة أوروبا 

يذكر أن فى نوفمبر 2020، اتفقت اليونان ومصر على توسيع نطاق تعاونهما فى إمدادات الغاز الطبيعى المسال ودراسة إمكانية بناء خط لأنابيب الغاز بين البلدين تحت سطح البحر.

كما وقعت مصر وقبرص اتفاقًا فى مايو 2018 لمد خط أنابيب من حقل «أفروديت» القبرصى، الذى تقدر احتياطاته بين 3.6 تريليون و6 تريليونات قدم مكعبة تقريبًا؛ بغرض تسييلها فى مصر وإعادة تصديرها إلى أوروبا.

ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من إنشاء الخط خلال العام المالى 2024 - 2025، وهو الوقت الذى تم وضعه للانتهاء من خطة تطوير وتنمية إنتاج حقل «أفروديت» القبرصى، وفقا ليورجوس لاكوتريبيس، وزير الطاقة القبرصى.

ومن جانبه، أوضح المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، أن الغاز المصرى المسال قد يوفر جانبا من الاحتياجات الأوروبية من الطاقة، فى ظل ارتفاع أسعاره عالميا.

 ويتابع كمال فى تصريحات صحفية، «تستطيع مصر فى الوقت الحالى زيادة إنتاجيتها يوميا لتصل إلى 7 ونصف مليار قدم مكعب غاز»، بعد أن بلغ إنتاجها من الغاز الطبيعى نحو 6.550 مليار قدم مكعبة يوميا فى 2019-2020.

وذكرت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) أن إجمالى صادرات الغاز الطبيعى والمسال بلغت 3.5 مليون طن، خلال النصف الأول من العام المالى 2021-2022، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 7.5 مليون طن بنهاية العام المالى الحالى، بحسب وكالة أنباء «الشرق الأوسط» المصرية.